أقرت السلطات الأمنية التونسية بأن من أبرز التنظيمات الجهادية التي تشكل خطرا على البلاد هي "جماعة الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية" التي تتخذ من مرتفعات سلسلة الجبال المحاذية للحدود الغربية مع الجزائر معقلا لها وكشفت أنها نجحت خلال الشهرين الماضيين في تفكيك 15 خلية جهادية بعضها كان يخطط للقيام بهجمات على السجون لتحرير جهاديين. يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه الجماعة الجهادية "كتيبة عقبة بن نافع" التي كانت بايعت في وقت سابق أبو بكر البغدادي تبنيها للهجوم المسلح الذي استهدف الأربعاء دورية أمنية في مدينة سوسة السياحية وأسفر عن مقتل شرطي واحد. وبدا هجوم سوسة الذي نفده جهاديان اثنان رسالة من "كتيبة عقبة بن نافع" التي تعد من أخطر الجماعات الجهادية وأشدها شراسة إلى السلطات الأمنية بأنها ما زالت تنشط وقادرة على تنفيذ هجمات رغم الضربات الموجعة التي تلقتها من الأجهزة الأمنية وأن تلك الضربات لم تفكك تنظيمها. وكان وزير الداخلية التونسي ناجم الغرسلي أعلن في يونيو/حزيران الماضي أن قوات الأمن "تمكنت من القضاء على 90 بالمائة من عناصر كتيبة عقبة بن نافع" ونجحت خلال شهر مارس/اذارفي قتل قائدها الجزائري لقمان أبو صخر أحد أخطر قيادات الجماعات الجهادية. وقال رفيق الشلي كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالشؤون الأمنية أن "من أبرز التنظيمات التي تشكل خطرا على تونس جماعة الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المتمركزة في مرتفعات الجبال المحاذية للحدود الغربية مع الجزائر" غير أنه لم يقدم إيضاحات حول ما إذا كانت الجماعة هي تنظيم مهيكل أم مجرد مجموعة بايعت تنظيم الدولة الاسلامية. وكانت السلطات الأمنية التونسية نفت في وقت سابق "وجود تنظيم مهيكل" تابع لتنظيم الدولة حين أكد الغرسلي أنه "لا وجود لتنظيم مهيكل في تونس تابع لداعش" لافتا إلى أن ذلك "لا يمنع من وجود أشخاص يبايعون التنظيم". وتقود وحدات الجيش وقوات الأمن "خطة منسقة" لمحاصرة جماعة الولاء لتنظيم الدولة المتحصنة بمرتفعات جبال الشعانبي للحيلولة دون فتح الجماعة قنوات اتصال وإسناد لوجستي وإمداد بالسلاح مع قيادات التنظيم في ليبيا. وأكد الشلي في تصريحات صحفية أن الأجهزة الأمنية نجحت خلال الشهرين الماضيين في تفكيك 15 خلية إرهابية "منها من تتولى القيام بتسفير الشباب إلى سوريا ومنها خلايا تعتزم القيام بعمليات إرهابية" مؤكدا أنه "تم العثور على عدة مخططات إرهابية تستهدف بالأساس بعض المناطق الحساسة ومنها السياحية من أجل ضرب الاقتصاد الوطني". وكشف أن التحقيقات أظهرت أن تلك الخلايا خططت للقيام بهجمات في المناطق السياحية والمؤسسات الحكومية وأيضا على مقرات بعثات دبلوماسية إضافة إلى هجمات على السجون في مسعى لتحرير أنصارها. وآخر الخلايا التي فككتها الأجهزة الأمنية هي "خلية بلدة سجنان" التابعة لمحافظة بنزرت أقصى شمال البلاد، وتتكون من 20 عنصرا وعثرت السلطات الأمنية على 12 سلاحا من الكلاشنيكوف خططت الخلية لاستخدامها في القيام في هجمات على المدن السياحية وكذلك في تونس العاصمة. وكشف تفكيك خلية سجنان أن الجماعات الجهادية نجحت في إدخال السلاح ليس فقط إلى مناطق جنوب البلاد عبر الشريط الحدودي مع ليبيا الذي تصعب مراقبته بل تمكنت أيضا من إيصاله إلى محافظة بنزرت على الرغم من الجهود الكبيرة التي تقودها وحدات الجيش وقوات الأمن لمنع دخول الأسلحة وتسلل عناصر تلك الجماعات. ولاحظ الشلي أنه على الرغم من عمليات المتابعة والمراقبة التي تتم بنسق مكثف فإن عدد عناصر الجماعات الجهادية لا يمكن حصره لعدة اعتبارات منها أن العدد يتغير من يوم إلى آخر ومنها تشتت تلك الجماعات في مناطق مختلفة من البلاد، غير أنه أحصى 100 عنصر جهادي متحصنين بمرتفعات الجبال وفي مقدمتها مرتفعات سلسلة جبال الشعانبي المحاذية للحدود الغربية مع الجزائر مؤكدا أنه تم القضاء على 20 عنصرا مند بداية العام 2015. وطمأن الشلي التونسيين بأن "الوضع الأمني في تحسن وذلك بفضل نجاعة المنظومة الأمنية وتعزيز أعوان (رجال) الأمن بطريقة تصاعدية في كل الأماكن الحساسة سواء في المدن أو في المناطق السياحية والأثرية وبعض السفارات" مؤكدا أن وزارة الداخلية عينت عددا كبيرا من رجال الأمن في المدن ونشرت 1400 منهم في المناطق السياحية. وكثفت السلطات الأمنية التونسية خلال الأشهر الماضية جهودها في مكافحة الجماعات الجهادية وقادت تلك الجهود إلى تفكيك العشرات من الخلايا وضيقت عليها الخناق ما دفعها إلى التسلل من داخل المدن باتجاه الأرياف فيما تم إيقاف أكثر من الف عنصر جهادي منذ الهجوم على متحف باردو الأثري الذي تبناه تنظيم الدولة الاسلامية وخلف 22 قتيلا أغلبهم من السياح الأجانب. ويحظى التنظيم الذي يقوده أبو بكر البغدادي بتعاطف الآلاف من الشباب التونسي حيث أعلنت السلطات الأمنية بداية العام 2015 أنها منعت 1500 شاب وفتاة من السفر إلى سوريا للالتحاق بمقاتلي التنظيم الجهادي. كما أقرت السلطات الأمنية بأن أكثر من 500 جهادي كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة عادوا إلى تونس ونظموا صفوفهم في إطار خلايا متوثبة لتنفيذ سلسلة من الهجمات تستهدف مؤسسات الدولة والمنشآت الحيوية. وفي أعقاب هجوم سوسة الدموي الذي نفذه جهادي تابع لتنظيم الدولة في 23 يونيو/حزيران الماضي وخلف 38 قتيلا و39 جريحا أقرت السلطات التونسية بأن الهجوم كان "ضربة في الصميم واستهدف للدولة المدنية التي باتت مهددة في كيانها في حال تواصل الهجمات". وقال الرئيس الباجي قائد السبسي آنذاك إن "تونس في حالة حرب مع الإرهاب" وأعلن حزمة من الإجراءات منها فرض حالة الطوارئ. وشدد الشلي على أن "الحدود مع ليبيا هي التي ما زالت تشكل خطرا كبيرا على تونس أكثر من المدن الداخلية خاصة وأن عددا كبيرا من الشباب ما انفكوا يتسللون إلى ليبيا لتلقي تدريبات عسكرية في مراكز تقع في مدينة صبراتة ثم يعودون إلى البلاد للقيام بهجمات". وبحسب تقارير أمنية وإستخباراتية متطابقة توجد ثلاثة معسكرات في ليبيا مخصصة لتدريب التونسيين على القتال ويشرف عليها سيف الله بن حسين الملقب بابو عياض أمير تنظيم أنصار الشريعة المصنف تنظيما إرهابيا والذي يقيم في ليبيا مند العام 2012 تاريخ هروبه من تونس في ظروف غامضة. وإزاء ارتفاع منسوب مخاطر الأوضاع في ليبيا على أمنها، شرعت تونس في إنجاز منظومة وقائية ودفاعية متكاملة تمتد على طول الشريط الحدودي الجنوبي الشرقي مع ليبيا لوقف تسلل الجهاديين إلى داخل البلاد تشمل خنادق وسواتر رملية ومنظومة مراقبة الكترونية تضم رادارات أرضية ثابتة ومتحركة وأجهزة كاميرا مثبتة على أبراج مراقبة إضافة إلى مراقبة جوية باعتماد طائرات دون طيار تكون كفيلة بإحكام وحدات الجيش سيطرته على الحدود وتدعيم الترتيبة الدفاعية الموجودة. وأعلنت وزارة الدفاع أن مجموعة الخنادق والسواتر الترابية سيتم تدعيمها بمنظومة مراقبة الكترونية تشمل رادارات أرضية ثابتة ومتحركة لمراقبة ورصد التحركات وأجهزة كاميرا مثبتة على أبراج مراقبة على طول الشريط الحدودي إضافة إلى مراقبة جوية باعتماد طائرات دون طيار. وخلال الأيام الماضية بدت تونس أكثر قلقا من تداعيات الأوضاع في ليبيا خاصة بعد تمدد تنظيم الدولة الاسلامية الذي بسط سيطرته على مناطق غربية ليبية قريبة من الحدود التونسية وفي مقدمتها مدينة سرت. وحذر مصطفى عبد الكبير الخبير في الشأن الليبي من خطر تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، مشددا على ان "استعراضات التنظيم الأخيرة في سرت تؤكد جدية المخاطر التي تتهدد تونس" ولاحظ أن "التنظيم يسعى إلى جعل مدينة سرت عاصمة للدولة الإسلامية في ليبيا". وقال عبد الكبير "ان تنظيم الدولة قد يباغت مناطق في الغرب الليبي القريب من تونس" الذي تسيطر عليه قوات فجر ليبيا، مضيفا "ان بعض المناطق الليبية سواء في الشرق أو في الغرب أو في المنطقة الوسطى تعتبر بيئة حاضنة للتشدد والتطرف وهنا يكمن الخطر الداهم لتونس وللمنطقة بأكملها". وعمق تدني الثقة في قوات فجر ليبيا التي تسيطر على مناطق الغرب الليبي المحاذية للحدود التونسية قلق تونس خاصة بعد حادثة اختطاف تلك القوات لطاقم البعثة الدبلوماسية في طرابلس وتحذيرها للسلطات التونسية من المضي في بناء الجدار العازل بعد أن اعتبرته تعديا صارخا على السيادة الليبية و"يرقى إلى درجة الاحتلال" وهددت بمواجهة مفتوحة وفي أي وقت وأي مكان و أي طريقة الأمر الذي اعتبره خبراء عسكريون بمثابة "إعلان حرب على تونس". وعلى الرغم من ال"الحياد" الذي تنتهجه السياسة الخارجية التونسية تجاه حكومة طبرق وحكومة طرابلس ووقوفها على نفس المسافة فقد توترت علاقتها مع قوات فجر ليبيا التي تقول إن الحكومة التونسية "لم تلتزم الحياد". وقاد توتر العلاقة بالخبراء العسكريين إلى التشديد على أن "قوات فجر ليبيا لا يمكن أن تكون جارا أمينا لتونس" كفيلا بمساعدتها على التصدي لمقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية الذين ما انفكوا يتسللون إلى داخل البلاد عبر مناطق حدودية تقع تحت سيطرة تلك القوات. ويبدو أن زيارة خليفة الغويل رئيس حكومة طرابلس خلال هذه الأيام لتونس، وهي زيارة فاجأت الرأي العام التونسي وتكتمت عليها السلطات، تأتي في إطار محاولة ل"إذابة أزمة تدني الثقة في حكومته". غير أن مراقبين يقولون أن "الوضع خطير وقد يتوسع طموح تنظيم الدولة للسيطرة على مناطق مجاورة" وهم يقولون إن "الخوف كل الخوف من ان تفقد مناطق في الغرب الليبي قدرتها على التصدي لهذا التنظيم وبالتالي قد تسقط بين أيادي تنظيم الدولة الاسلامية". ويقاتل أكثر من 2500 تونسي في صفوف الجماعات الليبية المسلحة فيما يتصدر التونسيون قائمة المقاتلين في صفوف الدولة الإسلامية بأكثر من ثلاثة الاف عنصر يتولى العشرات منهم مراكز قيادية متقدمة.