لم يكن الحوثيون مضطرين إلى اللجوء إلى الحل العسكري حين أقدموا على احتلال العاصمة اليمنيةصنعاء بدلا من الالتزام ببنود الاتفاق الذي وقعوه مع الاطراف اليمنية الآخرى من أجل المشاركة في مرحلة ما بعد خلع علي عبد الله صالح. لقد أقدموا على القيام بمغامرتهم في الوقت الذي كانت فيه الوقائع كلها تشير إلى انفراج في الافق السياسي مصدره توافق محلي بين الاطراف التي كانت مختلفة في ما بينها على الطريقة التي تُدار بها البلاد في تلك المرحلة الحرجة. لم يكن الآخرون يتوقعون أن ينقض الحوثي مبادئ اتفاق الشراكة ويلجأ إلى لغة الرصاص بعد أن أظهر في وقت سابق المرونة نفسها التي أظهرها الآخرون في الاعلاء من شأن لغة الحوار. لقد فوجئ الجميع بالتمرد الحوثي من جهة خروجه على ما تعارف عليه اليمنيون من خيارات لحل مشكلاتهم. وبالاخص أنهم كانوا ينشدون الخروج من مرحلة الحاكم الفرد وفكرته عن التوريث ليؤسسوا قاعدة لبناء دولة حديثة، تكون الشراكة الوطنية أساسها الراسخ، حيث لن يتم اقصاء أو تهميش أحد. كان حق الحوثيين في الشراكة الوطنية مضمونا، فلماذا لجأوا إلى الحرب التي كانت خيارهم الوحيد في السنوات التي سعى اليمنيون إلى تجاوزها من خلال التخلص من رموزها وأساليبها في الحكم؟ أعتقد أن الحوثيين قرأوا خطأ الواقع المحلي قبل أن يقعوا في خطأ قراءة الواقع الاقليمي. لقد أغواهم الاستقواء بإيران في الوقت الذي اساءوا فيه فهم الايادي الممدوة لهم من قبل أخوتهم اليمنيين من أهل الحكم. لقد ظنوا أنهم عن طريق القوة سيدفعون بالاطراف اليمنية الآخرى إلى الاستسلام لضعفها والخضوع لواقع سياسي جديد، تكون الغلبة فيه لهم. أوهمتهم أطماعهم فصدقوا أن طهران ستكون أقرب إلى صنعاء من الرياض. جهل في الجغرافيا أدار ظهره للتاريخ، فكان اعلاؤهم من شأن اختلافهم الطائفي بمثابة خيانة للطريقة اليمنية التقليدية في التعامل مع المذاهب، وهي طريقة تستند إلى تغليب نقاط الاتفاق على نقاط الافتراق. فجأة وجد اليمنيون أنهم يواجهون عدواً طائفياً، كان قد ركن حقوقه في المواطنة جانبا وصار يسعى إلى فرض أجندة نظام ولاية الفقيه في طهران عليهم. لم ينقل الحوثيون الحوار من السياسة إلى الحرب حسب، بل أنهم نحوا أيضا الحوار الوطني جانبا ليحل محله الدفاع عن مصالح دولة أجنبية، صار مسؤولوها يتحدثون بصوت عال عن يدهم التي امتدت أخيرا إلى مضيق باب المندب. في ظل كل هذه الوقائع النظرية التي جسدها الحوثيون على الارض من خلال غزوهم لكامل التراب اليمني، بات من الصعب الحديث عن العودة إلى مائدة الحوار. كانت الشرعية قد هزمت فيما كان المتمردون يفرضون على المدن اليمنية ميثاقهم الذي ظنوا أنهم من خلاله سيحكمون اليمن عن طريق فتح الباب لتدخل ايراني، سيكون دائما بمثابة طوق نجاة جاهز. فرض الحوثيون الحرب على الشعب اليمني وهو الخيار المر الذي سينتصر من خلاله الشعب اليمني عليهم. لقد أغلق الحوثيون باب الحوار بسخريتهم عن إمكانية وجود طرف يمني يكون مؤهلا للحوار معهم وهم المنتصرون. كانت هناك محاولات دولية واقليمية لثني الحوثيين عن الغوص في مستنقع أوهامهم، كلها انتهت إلى الفشل. وكما أرى فإن أحدا لا يفكر اليوم بإنقاذ الحوثيين من النتائج المترتبة على اخفاق مغامرتهم عن طريق الدعوة من جديد لحوار سياسي. لقد مضى زمن ذلك الحوار. خسر الحوثيون فرصة تاريخية، كان من الممكن أن تنقذهم من وصولهم إلى الموقع الذي انتهوا إليه، بعد أن صارت هزيمتهم النهائية واقع حال ولم يعد شغفهم الايراني مؤثرا في ميزان القوى على الأرض. لقد فرض الحوثيون الحرب على الشعب اليمني وهو الخيار المر الذي سينتصر من خلاله الشعب اليمني عليهم.