هل ستُصبح العملة الوطنية حطامًا؟ مخاوف من تخطي الدولار حاجز 5010 ريال يمني!    في ذكرى عيد الوحدة.. البرنامج السعودي لإعمال اليمن يضع حجر الأساس لمشروع مستشفى بمحافظة أبين    حدادا على شهيد الريح : 5 أيام في طهران و7 في صنعاء !!    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    الرئيس رشاد العليمي: الوحدة لدى المليشيات الحوثية مجرد شعار يخفي نزعة التسلط والتفرد بالسلطة والثروة    رئيس إصلاح المهرة: الوحدة منجز تاريخي ومؤتمر الحوار الوطني أنصف القضية الجنوبية    قيادي إصلاحي: الوحدة اليمنية نضال مشرق    الرئيس العليمي يبشر بحلول جذرية لمشكلة الكهرباء    الرئيس العليمي : قواتنا جاهزة لردع اي مغامرة عدائية حوثية    "العدالة تنتصر.. حضرموت تنفذ حكم القصاص في قاتل وتُرسل رسالة قوية للمجرمين"    "دمت تختنق" صرخة أهالي مدينة يهددها مكب النفايات بالموت البطيء!    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    خبير جودة يختفي بعد بلاغ فساد: الحوثيون يشنون حربًا على المبلغين؟    الونسو: اتالانتا يشكل تهديدا كبيرا    بن عديو: الوحدة تعرضت لسوء الإدارة ولا يعني ذلك القبول بالذهاب نحو المجهول    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إيقاد الشعلة في تعز احتفالا بالعيد الوطني 22 مايو المجيد والألعاب النارية تزين سماء المدينة    محمد قحطان.. والانحياز لليمن الكبير    في ذكرى إعلان فك الارتباط.. الانتقالي يؤكد التزامه باستعادة دولة الجنوب (بيان)    أبين.. منتخب الشباب يتعادل مع نادي "الحضن" في معسكره الإعدادي بمدينة لودر    الوزير الزعوري يناقش مع وحدة الإستجابة برئاسة مجلس الوزراء الملف الإنساني    وزير الشؤون الاجتماعية يشيد بعلاقة الشراكة مع اليونيسف في برامج الحماية الإجتماعية    التعادل يسيطر على مباريات افتتاح بطولة أندية الدرجة الثالثة بمحافظة إب    القبض على متهم بابتزاز زوجته بصور وفيديوهات فاضحه في عدن    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من رفع الفائدة الامريكية على الطلب    الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    لاعب ريال مدريد كروس يعلن الاعتزال بعد يورو 2024    المبعوث الامريكي يبدأ جولة خليجية لدفع مسار العملية السياسية في اليمن مميز    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الوزير البكري يلتقي رئيس أكاديمية عدن للغوص الحر "عمرو القاسمي"    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة صفقة صالح وهادي السرية (1) :تزوير تسليم السلطة وتدحْرُج "العربية السعيدة" إلى الجحيم


المبادرة الخليجية
تنص المبادرة الخليجية المعدلة لحل الأزمة اليمنية على تشكيل حكومة بقيادة المعارضة ومنح الحصانة للرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعد استقالته، بحسب نص الخطة الذي حصلت عليه وكالة «الصحافة الفرنسية».
الجدير بالذكر أن الخطة توجت وساطة مجلس التعاون الخليجي التي بدأت في مطلع أبريل (نيسان) لاحتواء المظاهرات الشعبية بعد مقتل أكثر من 130 شخصا منذ نهاية يناير (كانون الثاني) بحسب مصادر طبية. وقد وافق الحزب الحاكم يوم السبت على الخطة، فيما أقرتها المعارضة النيابية بشروط. لكن المتظاهرين رفضوا المبادرة وواصلوا المطالبة برحيل صالح على الفور.
وتقوم الخطة الخليجية المعدلة على أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره. وأن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح. وأن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق للفوضى والعنف ضمن توافق وطني. وأن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا وأن تلتزم كافة الأطراف بوقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطي لهذا الغرض.
وتنص المبادرة على أن تنفيذ الأسس المذكورة يتم عن طريق الخطوات التنفيذية التالية:
- منذ اليوم الأول للاتفاق يكلف رئيس الجمهورية المعارضة بتشكيل حكومة وفاق وطني بنسبة 50 في المائة لكل طرف على أن تشكل الحكومة خلال مدة لا تزيد على سبعة أيام من تاريخ التكليف.
- تبدأ الحكومة المشكلة العمل على توفير الأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني وإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا.
- في اليوم التاسع والعشرين من بداية الاتفاق يقر مجلس النواب، بمن فيهم المعارضة، القوانين التي تمنح الرئيس ومن عمل معه خلال فترة حكمه، الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية.
- في اليوم الثلاثين من بداية الاتفاق وبعد إقرار مجلس النواب بما فيه المعارضة لقانون الضمانات يقدم الرئيس استقالته إلى مجلس النواب ويصبح نائب الرئيس هو الرئيس الشرعي بالإنابة بعد مصادقة مجلس النواب على استقالة الرئيس.
- يدعو الرئيس بالإنابة إلى انتخابات رئاسية في غضون ستين يوما بموجب الدستور.
- يشكل الرئيس الجديد (هنا المقصود المنتخب) لجنة دستورية للإشراف على إعداد دستور جديد.
- في أعقاب اكتمال الدستور الجديد يتم عرضه على استفتاء شعبي.
- في حالة إجازة الدستور في الاستفتاء يتم وضع جدول زمني لانتخابات برلمانية جديدة بموجب أحكام الدستور الجديد.
- في أعقاب الانتخابات يطلب الرئيس من رئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من الأصوات تشكيل الحكومة.
- تكون دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي شهودا على تنفيذ هذا الاتفاق.
المزيد
بمرور عام على سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء، ودخول اليمن في واحدة من أكثر الحقبات ظلاماً في تاريخها، حديثه وقديمه، فالأكيد أن جوانب من هذا المآل نتجت عن الصراع المباشر بين علي عبد الله صالح وعبد ربه منصور هادي، والصفقات السرية التي عُقدت بين الرجلين وشهد عليها عدد محدود من المقربين منهما. وقد عمل كلاهما ما بوسعه لامتطاء الشعارات خلال السنوات الثلاث الماضية، واستجلبا العنف الداخلي والخارجي حينما لزم الأمر، تنافساً على مساحة رسماها سوياً في إحدى ليالي2011.
هنا الجزء الاول من القصة. في الجزء الثاني، الذي ينشر الأسبوع المقبل، سقوط صنعاء بيد الحوثيين في صفقة ثانية بينهم وبين صالح، وكيفية هرب هادي منها، الذي تلاه هربٌ ثان من عدن إلى عُمان برعاية الطائرات من دون طيار.
في 2011 ، انطلقت ثورة شعبية سلمية في اليمن حملت في طياتها مطالب شعبية واسعة. كان علي عبد الله صالح قبل ذلك بسنوات، ومنذ مطلع الألفية الثالثة، قد بدأ بإعداد نجله الأكبر أحمد، قائد الحرس الجمهوري، أقوى وحدات الجيش اليمني وأكثرها تدريباً وتسليحاً، لتسليمه السلطة من بعده. وحينما باغتته الأحداث في 2011، بدأ صالح جدياً بالتفكير بتسليم السلطة.. لابنه أحمد. ومع إدراك الرجل الواقعي والذكي أنه بإزاء موجة ثورية، وأنه لن يكون قادراً على توريث ابنه أو على الصمود في مكانه كما اعتاد أن يفعل مع كل شيء قرر تزوير تسليم السلطة بدلا من تسليمها فعلاً.
بحث صالح بين رجالاته عمن يمكنه أن يعقد معه صفقة في غاية الأهمية والخطورة، تقتضي أن يكون جسر العبور للسلطة بينه وبين نجله، ليستلم منه السلطة ضمن المبادرة الخليجية التي صاغ بنودها الأولى بنفسه وبخط يده لمرحلة انتقالية تدوم عامين، على أن يعيد تسليم السلطة لأحمد. في بادئ الأمر، وقع اختياره على رئيس الوزراء حينها، الدكتور علي محمد مجور، وهو رجل دولة عريق واقتصادي ينحدر من محافظة شبوة الجنوبية، وكان يشغل أيضاً منصب الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم حينها). لكن مجور رفض العرض ونأى بنفسه. ثم إن مجموعة عوامل محلية وخارجية كانت تميل جميعها نحو اختيار عبد ربه منصور هادي.
تبادل الرجلان القسَم والأيمان المغلَّظة على الوفاء وعدم الخيانة. كان الاتفاق ينص على أن لهادي أن يحكم سنتين يعمل فيهما ما يشاء. كان صالح يراهن على إخلاص هادي له طيلة 17 عاماً كان خلالها نائبه ولم يتجاوز أثناءها دوره المحدد، وكذلك على عدم امتلاكه السند القبلي القوي الذي قد يتيح له التفكير في نكث عهده.
بعد انتخاب هادي، التقى الرجلان في القصر الجمهوري بصنعاء ضمن احتفالية خصصها صالح لما وصفه بتسليمه السلطة "سلمياً"، ودعا إليها كل الديبلوماسيين ووسائل الإعلام العربية والعالمية. ألقى صالح خطاباً مقتضباً قال فيه إنه وجد أخيراً "الأيادي الأمينة" لتسليمها السلطة، وأنه ينتظر أن يحضر بعد عامين (مع انتهاء زمن المرحلة الانتقالية) احتفالية تسليم العلم لرئيس آخر. وأمام الكاميرات، ظهر الرجلان في تلك الصباحية قبيل الاحتفال، وكل منهما يصر على إجلاس الآخر على كرسي الرئيس المعتاد، في سلاسة تبدو غريبة.
هكذا نُفِّذت تفاصيل الاتفاق الأوّلي بسهولة. وحتى حينما زل لسان قائد قوات الأمن المركزي، يحيى صالح (إبن شقيق الرئيس) في العام 2012، قائلا إن أسرته بانتظار العودة إلى السلطة في 2014، قُرِّع عائلياً لتلميحه غير المسؤول وإنْ غير المباشِر.
النكث
في شباط/ فبراير 2012، خرج أكثر من سبعة ملايين ناخب يمني إلى صناديق الاقتراع، في دلالة شديدة التعبير على تطلعهم القوي لطي صفحة صالح. ومن أميركا التي كان يُعالَج فيها من آثار محاولة الاغتيال التي تعرض لها بتفجير مسجد الرئاسة، دعا صالح أنصاره إلى انتخاب هادي في تلك الانتخابات (البيعة).
مع استشعاره الدعم الدولي الكبير والرفض الشعبي الواسع لنظام صالح، اتخذ الرئيس هادي خطوة جريئة: لن يفي بالاتفاق! أبلغ صالح عبر وسطاء بعد الانتخابات بأن الصفقة بينهما لاغية.
ومع جمالية الفكرة من حيث المبدأ، باعتبار "خيانة الخيانة وفاء"، إلا أن الرئيس هادي لم يكن يحسب وقتها إلاّ للفرصة الشخصية التي لاحت أمامه. توقفت فجأة العلاقة بين الرجلين، واللقاءات والرسائل بين أبنائهما الذين ظلوا أصدقاء حميمين حتى بعد صعود هادي للسلطة، يتبادلون النصائح والخبرات في السياسة والتجارة.
كان علي عبد الله صالح يمنح كل مشاريعه الشخصية صفات وتسميات "وحدوية"، بينما يعمل في الواقع على هدم كل ما له علاقة بوحدة اليمن.. وعلى خطاه مشى عبد ربه منصور هادي، إذ هدم الثورة الشبابية وكل آمالها في أقل من ثلاث سنوات (بالطبع بمساعدة الأحزاب والأشخاص الذين ساعدوا صالح أحياناً كثيرة قبله، أو نسخ جديدة منهم، أكثر رداءة)، مطلِقاً على مشاريعه أسماء وعناوين وطنية واسعة، ك "الحوار الوطني" و "القضية الجنوبية"، مهندساً إياها وفق أجندته الشخصية. فهادي قرأ بتمعن ومثابرة دليل صالح إلى السلطة، وحاول السير على خطاه.. في زمن غير زمن صالح.
ومع بداية وصوله، غرس هادي أقاربه (كابن أخيه) في شركة صافر النفطية للسيطرة على مواردها. وبدلاً من الإعداد الحقيقي للحوار الوطني ومقاربة حل القضية الجنوبية جدياً، رفض (بمساعدة ومباركة المبعوث الأممي) تنفيذ النقاط العشرين لحلها... لأن تحقيق الهدف كان سيُضعف مركزه الذي قام شعبياً وأمام القوى النافذة على كونه جنوبي. هذا على الرغم من أنه كان شخصياً متورطاً في الخراب الذي لحق بالجنوب، فهو الذي قاد حرب 1994 عليه حين كان وزيراً للدفاع.
وبعد انطلاقة مؤتمر الحوار الوطني في آذار/مارس 2013، أصدر الرئيس هادي قراراً بعزل اللواء المتنفذ علي محسن الأحمر من قيادة الفرقة الأولى مدرع وقيادة المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، والعميد أحمد علي عبد الله صالح من قيادة الحرس الجمهوري، وإلغاء المسمييّن من تشكيلة الجيش اليمني، وتعيين الأخير سفيراً لدى أبو ظبي.
كان ذلك أول تدشين للصراع بين الرجلين. بُعَيد القرار، قامت لجنة وساطة أرسلها صالح بزيارة هادي لتعبر له عن التزام أحمد بتسليم الحرس الجمهوري، وفي المقابل طلبت باسم الرئيس السابق إعفاء نجله من منصب سفير في الإمارات. فقد أراد أحمد البقاء في اليمن. ولكن هادي رفض التماس اللجنة، وكانت تلك القرارات تتزامن مع الفترة التي كانت تجري فيها محاكمات علاء وجمال مبارك في مصر، فأجابهم قائلا "قولوا له يحمد ألله، أولاد مبارك بالسجن"، ليرد عليه أحد أعضاء اللجنة: "فخامة الرئيس، ولكن نائب مبارك في القبر"، في إشارة الى عمر سليمان الذي توفي ولم يصعد رئيساً كهادي.
استطاع هادي حينها تمرير قرار عزل نجل صالح والأحمر، كون القرارين وافقا مطالب شعبية واسعة، ولم يكن أي منهما باستطاعته على الأقل حينها الرفض المعلن أو المباشر.
وجهة الجهد
عمل الرئيس هادي بنجاح في عامه الأول على تفكيك منظومة قيادات صالح وعزلها تدريجياً من الجيش ومن أماكن هامة في مفاصل الدولة. لكن عملية هيكلة الجيش توقفت في قمة الهرم، من دون أن يُرسي بدلاً منها منظومة مصالح مرتبطة بالدولة، ومن دون خلق مساحة قيادية شخصية وعامة يمكنه عبرها استيعاب كل هذه القوى التي فككها. وقد سهّل ذلك لصالح لاحقاً إعادة استقطاب الكثير من الخاسرين الجدد الذين أقصاهم هادي، الذي لم يبذل الكثير من الجهد لاحتواء أو حتى لتحييد قوى هامة في اليمن. فعلى سبيل المثال، وخلال عام كامل، لم يزد عدد لقاءاته مع قيادات حزبه (المؤتمر الشعبي العام) عن أصابع اليدين، برغم شغله منصب أمينه العام، فسيطر صالح (رئيسه) عليه وحافظ على نفوذه فيه من دون أي جهد يُذكر عدا توظيف أخطاء هادي.
وفي صراعه مع صالح، وإدارته البلاد بشكل عام، ركن هادي كثيراً إلى المجتمع الدولي ممثَلا بسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، إذ لم يأبه هو وطاقمه لأي شيء آخر أكثر مما يريده "الرجل الأبيض"، متكلا على المبعوث الأممي إلى صنعاء تحديداً. ويمتلك الرئيس هادي على سبيل المثال صوراً للقاءاته مع سفراء الدول العشر يتجاوز عددها بكثير لقاءاته مع أي طرف يمني خلال سنوات حكمه الثلاث، بل يتجاوز عددها لقاءاته مع أي من وزراء حكومته.
في شباط/فبراير 2013، اندلعت تظاهرات عنيفة في عدن، وحاول مستشارو الرئيس إقناعه بالتوجه الى المدينة، عبثاً. كان هادي الذي صعد الى السلطة منذ عام، قد زار بريطانيا وأميركا ولم يزر عدن أو أي محافظة أخرى. واضطر مساعدوه للجوء إلى جمال بن عمر لإقناعه بزيارتها، فهاتفه.. فزارها في الحال وفي منتصف الليل.
ويقول أكثر من نصف أعضاء لجنة الأقاليم، في لقاءات منفصلة، إن هادي سلم لهم مسودة تقسيم الأقاليم الستة طالباً توقيعها والموافقة عليها خلال ليلة واحدة من دون أي نقاش حقيقي او دراسة اقتصادية أو تنموية أو جغرافية أو اجتماعية. وهي المسودة التي لغمت اليمن من أقصاه إلى أقصاه بعوامل الصراع القائم حالياً، ممهدة الطريق للحوثيين إلى صنعاء. فقد كانت مطالبتهم بتعديل التقسيم أبرز دوافعهم للتحرك المسلح صوب المركز، وبغض النظر عن الذرائع الأخرى.
هندسة السلطة
لم يكن تفصيل الأقاليم على هذه الشاكلة هو كل أخطاء هادي، فقد انصبَّ اهتمامه في مؤتمر الحوار الوطني على تحقيق هدفين شخصيين مباشرين، لهما علاقة بنجاحه في تطويق صالح في تلك الصفقة السرية. فاستهلك وأهلك الجهود والملايين والدعم والوقت والطاقات التي كانت كلها تتوهم أنها تشارك في حوار وطني يمني لأهداف عامة.
كان هدفه الأول من المؤتمر هو الإبقاء على النظام السياسي رئاسياً وليس برلمانيا، كونه ينوي التمديد لنفسه. وأما الثاني فتمرير مادة تمنع قادة الجيش من خوض الانتخابات قبل مرور عشر سنوات على مغادرتهم الحياة العسكرية. كانت تلك المادة تحديداً تهدف إلى تطويق أحمد علي صالح.
لتحقيق الخطوة الأولى، فرض الرئيس هادي ابن قريته، "مارم" رئيساً للجنة بناء الدولة المختصة. لم يكن رئيس هذه اللجنة، وهي الأهم، يمتلك أي مقومات تذكر للمنصب، لكنه كان ابن قرية الرئيس الوفي الذي سيحرص على تحقيق ما يريده منه. وخلال عشرة أشهر، عمل "مارم" على تعطيل أي نقاش حقيقي داخل اللجنة، إرضاءً للرئيس، واصطدمت محاولة أكثر من عضو لتغييره أو لإصلاح سياق عمل اللجنة بنفوذ هادي المباشر على الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني.
حقق هادي هدفه الثاني، عبر ذراعه الطويلة والمطيعة، الأمانة العامة لمؤتمر الحوار، باستصدار مادة تحقق فعلياً عدم صعود أحمد علي صالح إلى السلطة. ولاعتماد ذلك، أوفد هادي منتصف شباط/فبراير 2014 أمين عام الحوار الوطني حينها، بن مبارك، إلى نيويورك للحصول على قرار أممي يدعم مخرجات الحوار، وكان القصد تكريس هذين البندين. انتقم صالح لاحقاً من بن مبارك بالإيعاز للحوثيين في أيلول/سبتمبر 2014 برفض ترشيحه لرئاسة الوزراء، وقد أجبر على الاعتذار عن تشكيل الحكومة حينها.
وفي تموز/يوليو 2014، قرر الرئيس هادي رفع الدعم عن المشتقات النفطية في البلاد، فارتفعت أسعار الوقود بناء عليه وخرجت تظاهرات كبيرة في عموم البلاد، وكان البعض منها رداً من صالح على تصرفات هادي، الذي قال عن القرار الذي اتخذه خلافاً لرغبة حكومته الانتقالية، انه لا مفر منه لرفد الموازنة العامة للدولة. لكن ذلك لم يكن صحيحاً على اية حال . تشير إحدى وثائق ويكيليكس السعودية إلى أن السفير السعودي في صنعاء كان قد بعث بمذكرة للرياض يقول فيها إن المساعدات النفطية التي قدمتها المملكة لليمن لم تُورَّد الى خزينة الدولة.
لم يفوِّت هادي وصالح هذه الفرصة بطبيعة الحال للانقضاض كلٌ على الآخر. تحول صالح إلى الهجوم هذه المرة، فقد كانت تلك فرصته لتأليب الناس على هادي. أما هذا الأخير فتلك كانت فرصته لتوجيه أصابع الاتهام الى "النظام السابق". لعب هادي على ذلك لثلاثة اعوام، معلقاً عليها كل فشله، إلى درجة تجعل المرء يعتقد أن هادي كان منذ العام 1994 احد معارضي صالح القابعين في السجن، وليس نائباً له في أسوأ سنين حكمه. ليس ذلك فحسب، بل استغل السخط الشعبي لتمرير قرارات جمهورية جديدة كمكافآت لمن طبخوا له العملية الانتقالية والحوار الوطني على هواه بدلاً من الاستجابة للمطالب المحقة التي قامت بوجه قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية. كما استغل السخط الشعبي للسيطرة على قناة "اليمن اليوم" التابعة لصالح، فأمر قوات الحراسة الرئاسية بمهاجمتها والسيطرة عليها.
عمران وما أدراك..
كل ذلك لم يمنع هادي من محاولة مغازلة صالح في تموز/ يوليو 2014، عندما اندلعت المعارك في محافظة عمران بين الحوثيين وقوات اللواء 310 الموالية قيادته لعلي محسن الأحمر وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمون)، خصمي صالح اللدودين منذ 2011. كان ثأر صالح من الإخوان المسلمين في اليمن عموماً، لانشقاقهم عنه في 2011، أكثر من ثأره من أي طرف آخر. وكان الرئيس هادي يرغب في تقليم أظافر الإخوان والتخلص من صعودهم الذي ترافق مع حراك 2011، وكان في ذلك تحقيق لرغبات إقليمية أيضاً. وهو فعل في قفزة كبيرة فوق معطيات الواقع، وقبل أن يجهز إطار حماية له بديلا عنهم، ومن دون أن يُخرج صالح إلى مربع محايد على الأقل.
وجد هادي في معارك عمران فرصة لهدنة ولو وهمية مع صالح، فسمح بسقوط المحافظة بيد الحوثيين ومقتل اللواء القشيبي، غير مدرك بأنه يلعب بالنار وسط منطقة مشتعلة للغاية. سُرَّ علي صالح بذلك كثيراً، وبنى عليه لاحقاً لينسِّق مع الحوثيين لإسقاط صنعاء.
بعد سقوط عمران في رمضان 2014 بيد الحوثيين، بدأت السعودية باستشعار تعاظم خطر خصومها الحوثيين بشكل مباشر. فطلبت من علي عبد الله صالح وعبد ربه منصور هادي نسيان خلافاتهما والعمل سوياً لمواجهة الحوثي. من حيث المبدأ، وافق الرجلان، وظهرا معاً برفقة اللواء الأحمر في صلاة عيد الفطر بجامع الصالح، وهو الجامع نفسه الذي كانت قوات هادي قد سيطرت عليه لأيام قبل ذلك فنشبت توترات أمنية.. ضمن محاولة هادي تشتيت الرأي العام وإلهائه عن أزمة المشتقات النفطية.
ظلت تلبية رغبات المملكة شكلية، لأن هادي لم يستطع مصارحة السعودية بحقيقة مشكلته مع صالح الناتجة عن الصفقة الملعونة تلك، كما لم يستطع صالح ذلك أيضاً. وكان محسن الأحمر يدرك أنه هدف لهما معاً، كما أنهما هدفان له أيضا. ففشلت الرياض في جمع هذا الشتات المتعادي، وكان ذلك في مصلحة الحوثيين وحدهم.
استمر تمدد الحوثيين نحو صنعاء، واستمر صالح وهادي في الترصد لبعضهما وتحويل أي معركة إلى وقود لصراعهما الخاص والمباشر. في آب/ اغسطس من العام نفسه، اجتمع الرئيس هادي بكبار قادة جيشه في منزله بالعاصمة صنعاء وأسمعهم تسجيلاً صوتياً لأحد قادة المعسكرات المحيطة بمطار صنعاء والتابع للحرس الجمهوري، وهو يقول إنه سيهاجم مطار صنعاء إذا لم يفعل الحوثيون.
بقية القصة في الأسبوع المقبل
* باحث من اليمن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.