تعد حلب أكبر مدن سوريا في الواقع وإن كانت الثانية في الأهمية. وقد تأخرت الحرب، التي تدمر سوريا، في الوصول إليها. وأصبحت الأن في قلب الاضطرابات التي تعصف بالبلاد. فالقوات الحكومية تسعى للتقدم نحو ضواحيها الجنوبية مدعومة بغطاء من الضربات الجوية الروسية المكثفة، ويتقدم تنظيم "الدولة الإسلامية" من جهة الشمال، بينما يدور قتال عنيف في شوراع المدينة بين قوات النظام والمعارضة المسلحة. ويكون الرئيس السوري بشار الأسد، ناقش،أثناء زيارته المفاجئة لموسكو، مع نظيره فلاديمير بوتين، إمكانية أن تؤدي الهجمات البرية لجيش النظام إلى الدفع في اتجاه استعادة السيطرة على المدينة علاوة على عدد من القضايا ذات الصلة بالوضع في سوريا. ويتركز الاهتمام في الوقت الراهن على حزام يتكون من عشر قرى تحيط بجنوب المدينة. وشنت قوات النظام هجوما من هذا الموقع الأسبوع الماضي، ما أسفر عن دخولها بعض المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة عناصر من المعارضة، لا تنتمي لتنظيم "الدولة الإسلامية"، عقب تنفيذ المقاتلات الروسية عددا من الغارات المكفثة لتعبد الطريق لها. خط الإمدادات فرت أعداد كبيرة من المدنيين من منازلهم الواقعة بعدد من القرى المحيطة بحلب هربا من تقدم القوات النظامية و الصواريخ والقنابل التي تطلقها المقاتلات الروسية. وتختلف التقديرات المتعلقة بالنازحين من المدنيين السوريين بسبب الهجوم الأخير، إذ قدرت الأممالمتحدة عدد الفارين من ويلات الحرب من ذلك الحزام من القرى بحوالي 35 ألف شخص في حين ذكرت مصادر أخرى أرقاما أكبر. وتسعى قوات النظام في الوقت الراهن هو تحصين طرد الإمداد على طول الطريق السريع بين دمشق وحلب، عبر حمص وحماه، أكثر من التقدم في عمق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. يبدو أن الهدف الآن هو توسيع حدود المناطق التي يسيطر عليها النظام، وهي المدن الكبرى والشريط الساحلي، وتحصينها أكثر. Image copyrightReutersImage captionكانت حلب آخر المدن الهامة في سوريا التي دخلت في دائرة الصراع في البلاد وقد أمكن ذلك بفضل التدخل الروسي، ولكن فاعلية الضربات الجوية لها حدود، مثلما يقع للأمريكيين وحلفائهم في سوريا والعراق، في غياب قوات برية متماسكة، وفعالة، ولديها القدر المطلوب من الدافعية للقتال. فلا يمكن للضربات الجوية الروسية أن تعوض أن تحل مشكل الرئيس الأسد الأساسي، وهو نقص الجنود المقاتلين. ولا يمكن للميليشيات الشيعية، مثل حزب الله اللبناني وقوات الحرس الثوري الإيراني التي يعتقد بوجودها للقتال في سوريا، أن تفعل أكثر مما تفعل الآن لتغطية هذا النقص. يقول يزيد الصايغ، كبير محللي مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، إن "التحرك الروسي سمح للنظام بشن هجمات جديدة وجعل بإمكانه تحقيق مكاسب محدودة، لكنه لم يغير الدفة تماما وفقا لمعايير الانتصار في الحرب بصفة عامة." ولا يتوقع أن تشهد مدينة حلب نفسها هجوما موسعا لطرد المعارضة المسلحة من الأحياء الشرقية، التي تتمركز فيها، على مدار الأسابيع أو حتى الأشهر القليلة المقبلة. فقد انتقلت أعداد كبيرة من المقيمين في الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة إلى مناطق يسيطر عليها الجيش النظامي في المدينة، إذ أن القصف هناك أقل حدة من مناطق المعارضة. وبلغ عدد سكان المدينة مليوني نسمة قبيل الحرب، إلا أن أغلبهم فروا، خاصة المنتمين إلى الأقليات المسيحية والأرمينية. لكن احتمال شن هجوم موسع على المدينة أثار مخاوف لدى تركيا، إذ من الموقع أن يرتفع معدل تدفق اللاجئين إليها عبر الحدود. الحامية المحاصرة بدلا من شن أحد جبهتي القتال هجوما شاملا على المدينة للسيطرة عليها بالكامل، تُشن الهجمات المتبادلة بين الجانبين في المناطق المحيطة بحلب. Image copyrightReutersImage captionتشهد حلب هدوءا نسبيا في داخل المدينة في حين لا يهدأ الصراع على أطرافها الريفية والساحلية وتشن قوات النظام حملة للسيطرة على القرى والطرق السريعة في محيط المدينة في اتجاه الجنوب بالإضافة إلى جهود عسكرية تستهدف تحرير الحامية المحاصرة في قاعدة كويرس الجوية على بعد عشرين كيلو مترا من حلب. ويحاصر عناصر من تنظيم الدولة قوات النظام داخل تلك القاعدة الجوية منذ أشهر، وهي العناصر التي تمتد سيطرتها من شمال إلى شرق المدينة وتحاول ممارسة المزيد من الضغط في الشمال في مواجهة جماعات المعارضة المسلحة، مهددة طرق الإمدادات الخاصة بها على طول الحدود التركية. وتُعد كويرس من المناطق القليلة التي تشهد مواجهات مباشرة بين قوات النظام ومقاتلي تنظيم الدولة، ما يعطي بعض المصداقية لمزاعم روسيا بأنها تستهدف الميلشيات التابعة للتنظيم. أما أغلب الضربات الجوية الروسية فتوجه إلى مناطق خاضعة لسيطرة جماعات المعارضة المسلحة، والذين ينتمي أغلبهم إلى المتشددين بالإضافة إلى بعض الجماعات المدعومة من قوى الغرب، والتي تشكل تهديدا حقيقيا للنظام. ويحتاج الرئيس الأسد لاستعادة السيطرة على البلاد بأكملها إلى إمكانيات عسكرية تفوق إلى حدٍ بعيد ما يمكن لحلفائه الروسيين والإيرانيين أن يقدموه. لذلك تركز الحملة التي يشنها الرئيس السوري في الوقت الراهن على إحكام قبضته على المناطق الهامة في البلاد وتعزيز الموقف الحالي للنظام وداعميه في أي مفاوضات مستقبلية.