من الناحية المباشرة تستطيع موسكو أن تحرق قلوب الأتراك أن هي قررت قصف تجمعات التركمان في لواء الاسكندرونة وإدلب واللاذقية بصواريخ كاليبر التي تطلقها السفن الروسية من مياه البحر الأسود هذا واحد من خيارات الرد المتاحة أمام الروس وهو خيار مفترض لاقتصاص روسي من اردوغان انتقاما ورد شرف على خلفية إسقاط طائرة السو - 24 بواسطة صواريخ جو - جو أطلقتها طائرتان تركيتان على الطائرة الروسية بمحاذاة الشريط الحدودي السوري المحاذي للحدود التركية من جهة الساحل الشمالي السوري المسمى بريف اللاذقية .. ربما يكون هذا الخيار الانثروبيولوجي الذي قد تختاره موسكو كاسلوب لايلام انقره قوميا وسكانيا اسلوب يتسم بمراعاة الارتباط العرقي الذي تحدب عليه تركيا وتمارسه على شكل مظلة حامية لجميع العرقيات التركمانية المنتشرة في أوروبا وفي الشرق الأوسط .. وقد ذكرت تقارير إعلامية أن مكتب رئيس وزراء الحكومة التركية قد دعى في وقت ليس ببعيد إلى اجتماع لمجلس الأمن لأجل مناقشة تداعيات القصف الصاروخي الروسي الذي استهدف تجمعات تركمانية في جبل الاكراد وريف اللاذقية .. من الناحية الاقتصادية يمكن أوجاع انقره بوقف إمدادات السياحة الروسية إلى بلاد الأناضول والتي سجلت توافدا مدرا للعملة الصعبة وساهمت في تغذية الدخل القومي التركي الذي لأجل الإبقاء على هذا المورد المهم قد نحا إلى اقرار إلغاء تأشيرات السفر بين الدولتين الروسية والتركية تسهيلا لعمليات سفر السياح الروس إلى بلاد الأناضول ، ولعل في توصية وزارة الخارجية الروسية للمواطنين الروس بعدم السفر الى تركيا إيذانا ببدء تفعيل قائمة الرد التي بدأت لتوها من قطاع السياحة التركية المتوقع أن يتضرر من قرار مقاطعة انقره سياحيا من قبل السياح الروس .. بالإمكان كذلك الرد عبر مشروع مد أنابيب الغاز الروسي عبر تركيا بواسطة مشروع "السيل الازرق" الذي تم تدشينه خلال زيارته الرئيس بوتين إلى انقره العام الماضي وتوجت هذه الزيارة ببدء فصل جديد من فصول التعاون بين البلدين على الرغم من ازمة العلاقة الدولية الحادة روسيا والغرب والذي تمثل تركيا خطأ متطابقا فيه مع مواقف دول الغرب من قضايا الشرق الأوسط باستثناء قضية إسرائيل .. لقد اعلن بوتين خلال زيارته تلك إلى أنقرة عن إلغاء مشروع مد خط أنابيب "السيل الجنوبي"، الذي كان يهدف لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الشرقية والوسطى، عبر خط أنابيب يمر بالبحر الأسود وبلغاريا والمجر وصربيا والنمسا وسلوفينيا بسبب معارضة الاتحاد الأوروبي وقرر في الوقت نفسه أن يعلن عن البدء بمشروع مد "السيل التركي" بأربعة خطوط، أحدها بحجم 15.75 مليار متر مربع، سيمتد من روسيا إلى تركيا مباشرة عبر البحر الأسود، والخطوط الأخرى بحجم 50 مليارا من هناك إلى اليونان هذا المشروع الضخم سيوفر الغاز الأقل كلفة في العالم للمستهلك التركي مع العلم حجم استهلاك تركيا للغاز يبلغ ملايين اللترات في العام الواحد ويستبعد مراقبون أن تجد انقره بديلا للغاز الروسي إلا عبر عبر مناقصات أعلى قيمة وشروط قاسية وارفع كلفة .. خسارة مشروع السيل الازرق يعني أن تفقد انقره مزايا اقتصادية مجزية على غرار ما يخلقه المشروع من فرص عمل محققة للايادي العاملة في تركيا نفسها ، وجذبه الأموال إلى تركيا ، التي ستلعب دور موزع الغاز إلى الدول الأوروبية المجاورة .. من الناحية العسكرية يبدو الرد الذي اتخذته هيئة الأركان الروسية بقطع العلاقات العسكرية مع تركيا كافيا للغاية لأنه يعني في حساب التبعات أن روسيا قد أعلنت تركيا دولة عدوة من الناحية العسكرية بمعنى أن الجيش الروسي المنتشر على تخوم تركيا سيتعامل منذ الان مع أي تحركات عسكرية تركية مريبة على أنها تحركات تستهدف روسيا الاتحادية ولن يكون الاستعلام وطلب المعلومات هو المتبع بعد الان في التعاطي مع حالات سوء الفهم التي ستنشا بين الجيشين الروسي والتركي عسكريا في نقاط التماس المحتملة القائمة حاليا او المقرر ان تنشا في المستقبل لاي سبب يقتضي أن يتجاور الجيشان ، ولعل في نشر طراد "موسكو" الذي يعادل منظومة اس -300 الأحدث في أنظمة الدفاع الجوي لعل في نشر هذا الطراد في شرق المتوسط ما يبين أن شكل التجاوب الحربي بين البلدين سيكون اشبه بحالات الحرب الباردة بينهما .. ويمكن أم تتطور حالات الرد الروسي على حادثة إسقاط السو-24 ليشمل مخطط استنزاف كبير لتركيا من خلال تقوية القدرات العسكرية لقوات حزب العمال الكردستاني في العراق وقوات الحماية الكردية في سوريا .. يمكن أن يتم الرد في المجال التاريخي بتأكيد المواقف الروسية الثابتة في مجال إدانة مجازرة الارمن المرتكبة من قبل العثمانيين في العام 1915م والتي تشكل عقدة مزمنة للسياسة الخارجية التركية التي تواظب بانتظام على الرد بحده في وجه الفعاليات والمناسبات التي تظهر فيها مواقف الدول المختلفة مؤكدة لهذا "التعيير " الدولي المهين لتاريخ تركيا في مجال مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني أثناء الحروب في عهد الخلافة العثمانية .. لذلك جاء غاضبا رد الخارجية التركية التي أدانت في عدة بيانات صادرة عنها تصريحات بعض الرؤساء التي أدلوا بها بشأن مذابح الأرمن عام 1915م وذلك بمناسبة حضورهم مراسيم احياء الذكرى المئوية لابادة الارمن من قبل الدولة العثمانية والتي اقيمت في مدينة يرفان في 24 ابريل 2015م ، وكان من ضمن تلك التصريحات التي استهدفتها ادانة الخارجية التركية الكلمة التي ألقاها الرئيس فلاديمير بوتين وأكد فيها مجددا ثبات موقف روسيا الاتحادية تجاه هذه الحادثة التاريخية .. كان إسقاط الطائرة الروسية اليوم مهينا للغاية لأنه يتحدى مشروع الردع الروسي العالمي الذي بدأ في التشدين لتوه في مغامرة الانخراط مباشرة في الحرب الأهلية السورية .. كانت الحادثة مهينة لانها وفرت تشفي للمتربصين في اعثار مشروع بوتين القومي المتباهي بثورة صناعية عسكرية وبعث جديد في كل مقومات استرداد موسكو لقطبها الدولي السليب منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1990م .. جاءت الحادثة مثل الوخزة الحارقة في وجه الغرور الروسي الذي أصيب بالذهول على وقع الفرجة العالمية التي شاهدها العالم أجمع في مشاهد سقوط الطائرة الروسية واقتناص طياريها كالطرائد في الجو وهي الفرجة التي تسنت للجميع عبر الموقع الشهير يوتيوب وفي جميع المواقع المختصة ببث المشاهدة الحية للكوارث والاثارة وتسجيلات الفيديو .. كانت الحادثة مهينة ومهينة للغاية بالقياس إلى التوقيت والشكل الذي اتخذه الإسقاط وتوابعه الشبيهة بالدراما السوداء التي أوجعت قلوب الروس لذلك تستحيل هنا فرضية استبعاد خيار الرد الروسي وتفضيل عدم الرد على تلك الحادثة الموجعة وإنما تبقى التحليلات والتوقعات تتراوح بين أشكال هذا الرد الذي ستعود تقديرات اتخاذ القرار النهائي فيه إلى القيادة الروسية ممثلة في الرئيس فلاديمير بوتين ،،،