سؤال يطرح نفسه بقوة هذه الأيام في الشارع اليمني بعد الزيارة الثانية المفاجئة التي قام بها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح أمس الأول إلى السفارة الروسية وفي ظل تطور المواقف الروسية وتزايد الحضور الروسي بالمنطقة وسعي موسكو الحثيث للاحتفاظ بمصالحها وحلفائها والإبقاء على كافة خيوط اللعبة مفتوحة على كل الإحتمالات بالمنطقة. ورأى مراقبون ان تجديد صالح زيارته لسفارة موسكوبصنعاء تأتي في اطار مساعيه السياسية الاستجدائية الحثيثة لاستدعاء الروس إلى اليمن بأي شكل من أشكال التدخل وتحت أي ذريعة من الذرائع الانسانية أو السياسية -رغم محاولة وسائل إعلامه وحزبه المؤتمر الشعبي الحاكم سابقا باليمن برئاسته -صبغ تلك الزيارة بصبغة تضامن رسمي منه وحزبه وحلفائه، مع روسيا وقيادتها بحادثة إسقاط تركيا لمقاتلتها سخواي 24 ومصرع أحد طياريها. واعتبر سياسيون يمنيون أيضا ان تلك الزيارة الثانية المفاجأة لصالح إلى سفارة روسياباليمن-وماجاء في حديث صالح مع القائم بأعمال السفير خلالها-تلميحا منه عن رغبته الجامحة بتدخل روسياباليمن بذريعة محاربة الإرهاب و على غرار مايجري بسوريا وفقا لمونت كارلوا الدولية ورغم استنكاره المستمر لاستدعاء خلفه عبدربه منصور هادي لدول التحالف العربي بقيادة السعودية للتدخل عسكريا لاستعادة شرعية حكمه باليمن. لا استبعد شخصيا ان ينجح صالح في استمالة او توريط الروس بأي تدخل باليمن تحت اي شكل من الاشكال وبأي مسمى او ذريعة انسانية أو سياسية ممكنة لتملص الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من اي التزامات دولية تتعلق بمقتضيات قرارات مجلس الامن السابقة ضد صالح وحلفائه الحوثيين- المتهمين اليوم دوليا بالانقلاب على الشرعية والاستيلاء بالقوة على السلطة ومؤسسات الدولة اليمنية-خاصة وان الروس فضلوا يومها الامتناع عن التصويت على تلك القرارات، بغية تمريرها على مضض، وعلى امل ابقاء مساحة ولو قصيرة كخط رجعة لموسكو مع أولئك الحلفاء الأقوياء على الارض اليمنية والغير معترف بهم عالميا. ويمكن الجزم ان صالح يسعى جاهدا وحتى من خلال حرصه على استغلال اي نكبة أو كارثة مؤلمة لموسكو الى تجديد حضوره الاعلامي امام خصومه بالداخل والخارج وتسويق نفسه بالمقابل امام روسيا كقائد سياسي وعسكري وحيد مجابه لكل الاعداء المتحدين عليه وانه قوي ومتحصن ومحمي بحاضنته الشعبية على ارض بلاده المحاصرة برا وبحراً وجوا من قبل من لايفوته دوما مهاجمته ووصفه اعلاميا ب'العدوان السعودي البربري الغاشم على الشعب اليمني' وحتى وان عاد أحيانا ليؤكد انه ومهما طالت الحرب والخلافات مع الرياض سيأتي اليوم الذي يتفق معها كبلد جار ويقنع فيه حلفائه الحوثيين بذلك كمال في حوار تلفزيوني سابق. ولايتورع صالح منذ بدء الحرب الجارية باليمن،قبل قرابة 9 أشهر ،في استجداء الحضور الروسي باي دور فاعل باليمن رغم خسرانه لرهاناته السياسية السابقة على الفيتو الروسي في التمسك بشرعية نظامه السابق خلال ماوصفت بثورة الشباب السلمية التي اجبرته عام 2011 على تسليم شكلي للسلطة إلى نائبه يومها عبدربه منصور هادي بموجب مبادرة تسوية سياسية تبنتها دول الخليج بهدف ضمان انتقال سلمي للسلطة باليمن وتجنيب ويلات حرب أهلية كانت تعصف بجار الخليج الفقير والمسلح بأكثر من ستين مليون قطعة سلاح، ولكن ورغم كل هذا الصد الروسي، الا ان صالح لايمل ولم ييأس بعد من إيجاد منفذ جديد يقربه اليوم مجددا من الروس ولو من بوابة الفراغ السياسي القائم اليوم لسلطة حلفائه الحوثيين في عاصمة اليمن واغلب المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرة قواته والحوثيين إضافة إلى فشل كل القوات الداخلية والخارجية التي تدفع بها السعودية والدول المتحالفة معها في احداث اي تقدم عسكري فارق وجذري على ارض الشمال المقاومة لهم بشراسة رغم كل التعزيزات والفوارق اللوجستية و العسكرية ونوعية التسليح. ناهيك عن سعي صالح إلى احياء شعاراته السياسية السابقة المتعلقة بحربه على الإرهاب التي قال بحوار تلفزيوني سابق إن كل العالم والمخابرات الدولية تعرفه ونظامه بذلك جيدا.وذلك باعتباره الزعيم الليبرالي المتحرر من الايدلوجيات الدينية المتشددة والشخصية الصارمة في حرب ومناهضة الإرهاب والتشدد بمختلف صوره المتطرفه وبصفته ايضا الزعيم الملهم للعالم والداعي دوما الى ضرورة ايجاد آلية عمل دولية مشتركة لتشكيل تحالف عالمي للحرب على الإرهاب ولايتردد دوما في تذكير الروس بها عند كل تهنئة أو تعزية لقادتها او زيارة له الى سفارتها بصنعاء، بغية شحذ الهمم الروسية لتكثيف حضورهم الدولي وتفعيل دور دبلوماسيتهم في ادارة الملف اليمني على الأقل في حال صعوبة التدخل عسكريا كما هو الحال بسوريا وذلك من اجل اضعاف الدور السعودي وحضوره القوي كوكيل عالمي على شؤون اليمن وفق لعبة تقاسم نفوذ دولية وتنازلات برجماتية عالمية قدمتها كل الدلو بمافيها إيرانوروسيا وأمريكا، حسب المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء د.عادل الشجاع في حوار اذاعي قبل أيام. وليس بالضرورة أن يكون التدخل الروسي عسكريا باليمن كما يطمح إليه صالح ولكن قد يكون بغطاء إنساني كمساعدات وتقنين الحصار ورفض الاستهداف الجوي للمدنيين ومصالحهم بعد تقارير العفو الدولة وهيومن رايتس ووتش وغيرهما من المنظمات المؤكدة بوجود انتهاكات انسانية بغارات غير قانونية لمقاتلات التحالف السعودي سيما بعد تجاوزها قرابة الخمسين الف غارة وامتداداتها إلى قرابة التسعة الأشهر دون أي نتيجة حاسمة على الأرض. ولعل حديث صالح واشادته مؤخرا بدور روسيا ومواقفها الإنسانية والقومية تجاه الشعب اليمني ورفضها لمايصفه بالعدوان السعودي والحصار البربري الجائر على اليمن محاولة استقراء مبكرة من صالح لتغيرات كبيرة محتملة في الموقف الروسي تجاه المنطقة بعد التدخل العسكري الروسي الانقاذي للرئيس بشار الاسد بسوريا وإسقاط طائرتين لموسكو بمصر وتركيا.