يبدو أن الأزمة اليمنية قد خرجت عن نطاقها المألوف (الوطني والجغرافي) بسبب الاستقطاب الإقليمي والدولي وأصبحت مشكلة إقليمية بين دولتين إسلاميتين على خلفية طائفية (سنة وشيعة)..!! تقودها دول مهمة لها وزن سياسي واقتصادي كبير في المنطقة, كالمملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهو موروث قديم منذ عصر الفتوحات الإسلامية قبل آلاف السنين.. وقد نشأت حضارات وأنتهت امبراطوريات, وقامت حروب صليبية وإخرى عالمية كان آخرها الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها ملايين من البشر, وضعت العالم امام خيارات صعبة-حاسمة ومعقدة, أدت إلى تقسيم أوربا إلى معسكرين (رأسمالي واشتراكي). وتم وضع حد لتلك الحروب الهمجية المدمرة, من خلال إبرام حزمة من الاتفاقيات الدولية الجديدة, وتفعيلها بإنشاء منظمة الأممالمتحدة التي نظمت العلاقات الدولية وأسست لدخول مرحلة وعهد جديد خال من الحروب بين تلك الدول. وفي ظل الحرب الباردة لم تصل تلك الحقبة الزمنية إلى ماوصلت إليه اليوم في منطقتنا العربية من تعقيدات.. وقد سقط المعسكر الاشتراكي من دون حرب, ودخل العالم مرحلة جديدة شهدت ثورة علمية وتطور تكنولوجيا المعلومات, وأنتشار المفاهيم الديمقراطية والاهتمام بحقوق الإنسان, ونحن في العالم العربي والإسلامي مازلنا نعيش واقعاً آخر.. كله بؤس ومعاناة ولم نستطع مواكبة أي نجاحات, ولا قادرين اللحاق بركاب التطور العلمي التي وصلت إليها بلدان أخرى, كانت أكثر منا تخلفا. نتيجة للعادات والتقاليد المتخلفة, والتعصب الأعمى, وأحياء الصراعات القديمة بمفاهيم خاطئة, واجتهادات دينية خارجة عن الرسالة المحمدية والقرآن الكريم وتعاليم الدين الإسلامي السمحة.! والذي يواجه اليوم حملة شعواء وتشهير فظيع, يستهدف قيمنا الإنسانية والحضارية. وذلك بسبب التطرف والغلو وممارسة الإرهاب بأسم الدين الإسلامي, الذي هو بري منهم ومن أعمالهم الاجرامية البشعة. يضاف إلى ذلك تلك الحملات الطائفية والمذهبية المسعورة بين بعض علماء الأمة, ممن يشعلون الفتن والكراهية بين المسلمين من على منابر بيت الله.
أن الصراع القائم بين تلك الدول الإسلامية الكبرى قد تسبب في تعميق الشرخ داخل الأمة الإسلامية وزاد من حدة الخلافات الطائفية, وتحويلها إلى مواجهات مسلحة وعنف تهدد أمن المنطقة.. وكلما يحصل اليوم من حروب وتفكك وخلافات سياسية ومذهبية في منطقة الشرق الأوسط تقف خلفها هذه الدول مع الاسف.. حيث تقوم بتغذية هذا الصراع الذي أصبح مرض خبيث في جسد الأمة والشعوب العربية والإسلامية, والذي يخدم مصالح قوى خارجية بكل تأكيد. ولا نغفل دور بعض الدول الكبرى وإسرائيل التي ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في احتدام هذا الصراع وتأجيجه في المنطقة العربية.! ولكن من يتحمل المسؤولية الاولى؟ بكل تأكيد قطبي الصراع الإسلامي المشار اليهما سلفا.. انظروا ما يحصل في لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر.. الخ ستجدون فيها إيران والمملكة العربية السعودية وأخيرا دخلت على الخط تركيا لتشكل ثلاثي آخر يضاف إليهم.. وأن أختلفت مواقف كل دولة عن الأخرى, الإ أن التدخل السافر في شؤون الدول العربية من دون مراعاة لمصالح شعوبها ستقود المنطقة إلى كوارث مدمره. في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخيرة بالقاهرة وجه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية انتقادات حاده "التدخل السافر لتركياوإيران" في الشأن العربي, مؤكداً أنه ترك آثاره السلبية على الاستقرار في العديد من الدول العربية.
واللعبة أكبر مما يتصور البعض, لقد خرجت عن نطاقها الأخلاقي وتجردت من القيم والمفاهيم الإنسانية, ومن يمسك بزمام الأمور, قوى خبيثة وحاقدة على العالم الإسلامي والمنطقة العربية على وجه الخصوص. وأصبحت تهدد أمن شعوبها. وما ظهور داعش وتعاظم قوته إلا دليل واضح على خطورة ما يخطط له من قبل قوى دولية ومخابرات عالمية.! قد تشارك فيها مخابرات بعض اقطاب الصراع العربي والإسلامي في المنطقة أيضا, بهدف إرباك وإسقاط عدوها الوهمي!! يعني دول إسلامية من العيار الثقيل مثل أيران والمملكة العربية السعودية وتركيا, بدلا من أن تلعب دور ايجابي إلى جانب مصر والدول العربية الاخرى, لإيجاد تعاون مشترك في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والتجارية والحيوية والاستراتيجية, لاخراج الأمة العربية والإسلامية من التخلف والجهل, إلى عصر جديد يواكب عملية التطور العلمي والتكنولوجي, وخلق توازن إقليمي مهم!!..نراهم يغردون في طريق آخر مظلم ومخيف لا يخدم مصالح شعوبهم وبلدانهم, بقدر ما يخدم اللوبي الصهيوني الذي يلعب دور خفي وخطير لخلط الأوراق. وما يحصل بالمنطقة خير دليل على ذلك." من السهل جدا أن تحارب وتدمر. ولكن البطل الحقيقي, هو الذي يصنع السلام ويشرع بالبناء". ماندلا
لقد حان الوقت لصناع القرار السياسي ومفكري العالم العربي والإسلامي, التحرك السريع لوضع حداً للمهزلة السياسية التي تهدف إلى تدمير المنطقة بواسطة الحروب المفتوحة, ونشر الفوضى الخلاقة لإضعافها وتمزيقها وتقسيمها إلى كانتونات صغيرة. وإبقائها كسوق تجارية رابحة, لبيع سلاح الدول العظمى مقابل النفط.. الذي تحول من نعمة إلى نقمة على الشعوب العربية. نتيجة للتدخل من قبل الدول الكبرى في شؤون المنطقة وتوزيع الأدوار وتتقاسم المصالح والمنافع فيما بينها وفق رؤية استراتيجية مدروسة بمراكز بحوث متخصصة تخدم مشاريعها لاقتصادية والتجارية والسياسية. وأن اختلفت المواقف بين تلك الدول التي ترفع شعارات حقوق الإنسان, الإ أنها لم ولن تعير أي أهتمام بها في منطقتنا العربية.! والدليل على ذلك ما يحصل مع شعبنا في جنوباليمن. وكما نشاهد اليوم الولاياتالمتحدةالامريكية تدافع عن المخلوع صالح ونظامه الفاسد, وتغض النظر عن ثورة الجنوب السلمية ومطالب شعبها المشروعة.!!
على دول المنطقة ممثلة بالمملكة العربية السعودية وإيرانوتركيا ومصر أن تعيد قراءة المشهد السياسي, وفقاً للمستجدات الدولية والاحداث الأخيرة في المنطقة, والعمل بما يمليه الضمير الإنساني الحي والفكر العقلاني المتزن.. بعقول متفتحة وقلوب صادقة ومتنورة ومسؤولة امام الله وخلقه. وتقيم الأحداث بالمنطقة بتجرد تام عن الانتماءات الطائفية والمذهبية والخلافات الثنائية. وان يكون هناك حوار إيراني سعودي تركي مصري, يسبقه حوار ديني ( حضاري وإنساني) بين كبار علماء الأمة الاسلامية في تلك البلدان. لإعادة وضع الأمور إلى نصابها وتصحيح المفاهيم الخاطئة, وفق التعاليم الاسلامية الصحيحة والرسالة المحمدية. والتأكيد على احترام كل الأديان السماوية وعدم المساس بالمقدسات الدينية بشكل عام.. ثم يلحقها بعد ذلك تحرك سياسي ودبلوماسي رفيع المستوى, يفضي إلى عقد قمة بين تلك الدول, تهدف إلى إخراج العالم العربي والإسلامي من وضع كارثي قد يلحق بالمنطقة. لن يسلم منها أحد وسيكون الثمن باهضا قبل فوات الأوان!! وعلى الأقلام الشريفة والنزيهة والإعلام العربي والإسلامي بشكل عام, أن يلعب دوراً ايجابياً بهذا الصدد, لتجنيب المنطقة من الأنزلاق للمجهول.