المواقف تكشف الأقنعة عمّن فقدوا بوصلة الجنوب.!    الحديدة و سحرة فرعون    الكثيري يدعو البيئة لتعزيز التنسيق مع المنظمات الدولية    ادانات دولية واسعة لجريمة العدوان الأمريكي على ايران    الدولار في عدن 3000    الإمارات ومليشياتها تضاعف من معاناة المواطنين بالجنوب    خبراء :المشروبات الساخنة تعمل على تبريد الجسم في الحر الشديد    اليمن يعلن الوقوف الكامل مع الشعب الإيراني    أيش ذا يا عم علي.. ليش ذا؟    إيران تطلق دفعتين صاروخيتين وإعلام إسرائيلي يتحدث عن دمار كبير    أيها الرئيس ترامب.. لا تنتحر    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (3)    حادث مفجع يفسد احتفالات المولودية بلقب الدوري الجزائري    أول موجة إيرانية بعد العدوان الأمريكي    السلبية تسيطر على ريفر بليت ومونتيري    الرئيس الزُبيدي يُعزّي الشيخ عبدالرب النقيب في وفاة شقيقه    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    من بينها فوردو.. ترامب يعلن قصف 3 مواقع نووية في إيران    العليمي وبن بريك والمعبقي يصادرون موارد الصناديق الإيرادية الجنوبية    أثار نزاعا قانونيّا.. ما سبب إطلاق لقب «محاربو السوكا» على ترينيداد؟    فلومينينسي ينهي رحلة أولسان المونديالية    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    ترامب يعلق مجددا على استهداف إيران    هاني الصيادي ... الغائب الحاضر بين الواقع والظنون    روايات الاعلام الايراني والغربي للقصف الأمريكي للمنشآت النووية الايرانية وما جرى قبل الهجوم    بتواطؤ حوثي.. مسلحون يحرقون منزلاً في محافظة إب بعد نهبه    الدفاعات الإيرانية تدمر 12 طائرة مسيرة صهيونية في همدان    استعدادات مكثفة لعام دراسي جديد في ظل قساوة الظروف    محافظ تعز يبحث مع مسؤول أممي أزمة المياه والحلول الممكنة    حملة لازالة البساطين والعشوائيات في باب اليمن    تدشين الدورة الآسيوية لمدربي كرة القدم المستوى "C" بالمكلا    ما وراء حرائق الجبال!!    الرهوي يشيد بجهود وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية    الطوارئ الإيرانية: إصابة 14 من طواقم الإسعاف وتضرر 7 سيارات جراء العدوان الصهيوني    إحباط عملية تفجير غربي إيران واعتقال عنصر مرتبط بالموساد    ليفاندوفسكي يحدد وجهته بعد حقبة برشلونة    تشيلسي يقترب من إبرام صفقة مؤجلة    من يومياتي في أمريكا .. بين مر وأمر منه    بين حروف الرازحي.. رحلة الى عمق النفس اليمني    قصر شبام.. أهم مباني ومقر الحكم    الترجي التونسي يهدي العرب أول انتصار في كأس العالم للأندية 2025    فساد الاشراف الهندسي وغياب الرقابة الرسمية .. حفر صنعاء تبتلع السيارات    الاتحاد الأوروبي يقدّم منحة مالية لدعم خدمات الصحة الإنجابية في اليمن    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 21 يونيو/حزيران 2025    على مركب الأبقار… حين يصبح البحر أرحم من اليابسة    البحسني يكشف عن مشروع صندوق حضرموت الإنمائي    مقتل عريس في صنعاء بعد أيام من اختطافه    مليشيا درع الوطن تنهب المسافرين بالوديعة    صنعاء .. موظفو اليمنية يكشفون عن فساد في الشركة ويطالبون بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة جحاف    «أبو الحب» يعيد بسمة إلى الغناء    علي ناصر محمد أمدّ الله في عمره ليفضح نفسه بلسانه    بين ملحمة "الرجل الحوت" وشذرات "من أول رائحة"    الأمم المتحدة تقلّص خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تراجع كبير في التمويل    ديدان "سامّة" تغزو ولاية أمريكية وتثير ذعر السكان    نجاح أول عملية زرع قلب دون الحاجة إلى شق الصدر أو كسر عظم القص    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    الصبر مختبر العظمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منابع العنف في الشرق الأوسط الجديد
نشر في عدن الغد يوم 11 - 10 - 2012

إذا كان الربيع العربي يمثل زلزالا في سياسة الشرق الأوسط، فقد شهدنا أخيرا ما يمثل هزة ارتدادية كبرى. وقد بدأت القعقعة في القاهرة، حينما بثت قناة فضائية يديرها سلفيون مقطعا من فيلم مهيج مسيء للإسلام. وبعد ذلك مباشرة، دعت بعض القيادات السلفية لمظاهرات أمام السفارة الأميركية حيث ألقوا باللوم على واشنطن، نظرا لعدم فرضها رقابة على الفيلم الذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة.
محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام في ليبيا يقدم نيابة عن الشعب الليبي اعتذاره للإدارة الأميركية عن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الذي أسفر عن مقتل السفير كريستوفر ستيفنز
تكرر السيناريو في ليبيا، وتونس، واليمن، وغيرها. وعلى الرغم من وقوع العديد من أحداث الشغب كرد فعل على الفيلم، فإن تلك الأحداث كانت تتمحور أساسا حول طبيعة الأنظمة في ما بعد الربيع العربي وبخاصة في ما يتعلق بمن يسيس الأخلاقيات العامة. حيث ينظر السلفيون في أنحاء المنطقة كافة إلى أنفسهم باعتبارهم الحارس المحق للحياة العامة، وهم يعملون من أجل أن يضمنوا أن يراهم الآخرون بنفس الطريقة أيضا.
قوة في مصر
وعلى الرغم من أن السلفيين لا يشكلون أغلبية السكان في أي من تلك البلدان، فقد كانوا قادرين على فرض أجنداتهم السياسية وذلك نظرا لعدد من الأسباب. كما أنهم يبدون أكثر قوة من حقيقتهم نظرا للتمويل الواسع الذي يتلقونه من أتباعهم في دول عربية ثرية. فكل عام، تتدفق ملايين الدولارات من دول عربية إلى المشروعات السلفية الخيرية والقنوات الفضائية مثل تلك التي أثارت أعمال الشغب. (بالمقارنة، تتلقى المنظمات غير الحكومية الليبرالية دعما أقل من الدول الغنية في المنطقة).
وينفق زعماء السلفيين تلك الأموال على البرامج الاجتماعية والاستقطاب وهي الأدوات السهلة التي يستطيعون عبرها أن يحشدوا الأصوات أو يثيروا الغضب تجاه ما ينظر له باعتباره إهانة للسلفية أو الإسلام.
وبالفعل، لا تتطلع معظم الجماعات السلفية للهيمنة على الدولة عبر العنف أو حتى من خلال الانتخابات، حيث إن أعدادهم ضئيلة للغاية. ففي المكان الذي لديهم فيه مؤسسات سياسية وثقافية قوية، مثل مصر، يمكنهم أن يحققوا ذلك من خلال الضغط السياسي ومظاهر القوة في الشارع. ولكنهم يلجأون إلى فرض أحكام الشريعة والدعوة لتحدي السلطة، في الأماكن التي يفتقرون فيها لتلك المؤسسات.
وليس معروفا على وجه التحديد النسبة التي يمثلها السلفيون من مجمل سكان مصر، ولكنهم يهيمنون على ربع البرلمان. وهو ما يعني أن حركة الإخوان المسلمين الأقل محافظة، والتي فازت بكل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لا يمكنها تجاهلهم. ففي البرلمان، دعا السلفيون لإصدار دستور يقر بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، كما دفعوا لإصدار قوانين تعكس الأوامر القرآنية.
وعلى غرار اليمين الديني في إسرائيل، يضع السلفيون المصريون السياسيين الأقل محافظة في الزاوية. وقد أظهروا قدرتهم الكاملة على عمل ذلك خلال المظاهرات التي اندلعت أخيرا. ففي 13 سبتمبر (أيلول)، أرسل خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين رسالة اعتذارية إلى الشعب الأميركي عبر «نيويورك تايمز».
وفي تلك الرسالة كتب الشاطر: «إن تجاوز حدود سفارة الولايات المتحدة الأميركية من قبل متظاهرين مصريين هو أمر غير قانوني طبقا للقانون الدولي، وفشل قوات الحماية من الشرطة يجب أن يتم التحقيق فيه». وعلى ما يبدو، لم يكن الشاطر يرغب في إثارة الغضب الغربي ويعرض المساعدات المالية الأميركية للخطر. ولكن كان على القاهرة أن تقلق بشأن السياسة المحلية أيضا، ولذلك احتفى الرئيس المصري محمد مرسي بالمظاهرات وأغمض عينه عن تجاوزاتها سواء رغبة في خطب ود السلفيين أو خوفا من غضبهم.
سلفيو تونس وليبيا
وفي بلدان أخرى، يمثل السلفيون نسبة أقل من السكان ومن ثم لديهم قوة مؤسسية أصغر، ولكن استعدادهم لتطبيق الشريعة بالقوة ينشر الخوف منهم. ففي تونس، سمح الإسلاميون المعتدلون في السلطة (حركة النهضة) أخيرا للسلفيين بتأسيس حزب سياسي وهو ما يترك السلفيين دون تمثيل في لجنة صياغة الدستور الجديد. ولكي يدفعوا بأجندتهم المحافظة، نزل النشطاء السلفيون إلى الشوارع حيث حطموا ما زعموا أنها رموز للفساد الغربي مثل الحانات والمعارض الفنية واصطدموا بقوات الشرطة في مظاهرات ضد الدولة العلمانية.
كما حرق المتظاهرون السلفيون السيارات وحطموا زجاج السفارة الأميركية وهو ما يزعم أنه كان بتشجيع من أحد رجال الدين السلفيين الجهاديين، الذي سعت الحكومة التونسية لاعتقاله بعدها.
وفي ما يتعلق بالمؤسسات، يقع سلفيو ليبيا في مكان ما بين سلفيي تونس وسلفيي مصر. فعلى الرغم من أن أعدادهم، بحسب ما يقال، أكبر من أعداد السلفيين في تونس، ليست لديهم مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر، وهو ما يجعل عملية الحشد السياسي أصعب. ومن ثم، كان أداء أحزابهم السياسية الثلاثة ضعيفا في الانتخابات الماضية، حيث لم يفوزوا إلا بمقعد واحد.
وعلى غرار نظرائهم التوانسة، يشتهر سلفيو ليبيا بتطبيقهم الشريعة بالقوة بخاصة في ما يتعلق بالهجوم على أضرحة الأولياء المحليين. ويبدو مرجحا أن يكون الجهاديون السلفيون هم من تزعموا الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي وهو ما أسفر عن مقتل عدة مواطنين أميركيين بمن فيهم السفير الأميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز. وقد سارعت الحكومة بإدانة ذلك الهجوم، والتعهد بتعقب المجرمين. كما خرج المواطنون الليبيون أيضا في مظاهرات ضد الاعتداء على السفارة.
وفي الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة في الرد على تلك الاحتجاجات، فإنها تصنع خيرا إذا ما أخذت الملابسات الوطنية المتعددة التي تكمن وراءها تلك الاحتجاجات في الاعتبار. ففي مصر، أظهر السلفيون الذين شاركوا في العملية السياسية أنهم ليسوا بالضرورة أعداء للمصالح الأمنية الأميركية في المنطقة. وكما اتضح عبر برامجهم السياسية، فإنهم أكثر اهتماما بالمسائل الثقافية. وما أثار غضبهم فعليا ودفعهم إلى الهجوم على القنصليات والسفارات الأميركية هو قضية ثقافية تماما. وليس مرجحا أن تتغير الرؤى الثقافية للسلفيين، إذا ما شاركوا في العملية الانتخابية بالمنطقة، بل إنهم سيصبحون، في الحد الأدنى، أكثر استجابة لأتباعهم.
ويعد أفضل مسار بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تعرب عن مخاوفها حول الجماعات السلفية لحكومات تلك البلدان وتعلن بشكل واضح أن تلك المخاوف تتعلق بالأمن وليس بالدين. فيجب أن تؤكد واشنطن أنها تتوقع من حكومات المنطقة أن تمنع المتطرفين من السلفيين من اللجوء إلى العنف. وسوف يكون حجب المساعدات عن تلك البلدان هو الإجراء الأكثر حدة، كما يمكن أن تصدر الولايات المتحدة أيضا تحذيرات سفر، والتي يمكنها الإضرار بالسياحة والاستثمارات الأجنبية التي تعتمد عليها تلك الحكومات. كما أن إلقاء الضوء على الحوارات الفارغة والمتضاربة للزعماء السياسيين والدينيين في المنطقة يساعد أيضا على تعريضهم للمساءلة. فحتى إثارة الشكوك حول وضع حليف ما، كما فعل أوباما في حواره مع «تيليموندو» عقب الأحداث الأخيرة، يمكنه أن يمنح الإسلاميين العاملين على تحسين العلاقات مع الغرب عنصر قوة.
فإذا ما كان رد حكومات الشرق الأوسط هو عقاب هؤلاء الذين أضروا بالممتلكات والمواطنين الأميركيين وحماية السفارات الأميركية خلال المظاهرات المستقبلية، وثبط عزم عمليات الانتقام العنيفة إثر الإهانات الثقافية، فلن يكون على الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها. وبالفعل، تقوم كل من تونس وليبيا بعمل ذلك، وهو ما يجب أن تكافئه الولايات المتحدة بالمساعدات الأمنية إذا ما طلبت تلك البلدان ذلك. ولكن إذا ما حثت نفس تلك الحكومات المتظاهرين أو استمرت في السماح لهم بتدمير الممتلكات والاعتداء على المواطنين الأميركيين، فيجب على الولايات المتحدة أن تتخذ رد فعل سريعا، حيث إن إخفاق الولايات المتحدة في فرض خطوطها الحمر يضر بالإسلاميين من غير السلفيين بقدر ما يضر بالولايات المتحدة نفسها. حيث يبدو الإسلاميون غير السلفيين ضعفاء، ويرقصون على إيقاع شخص آخر. كما يبدون عاجزين عن تسييس أتباعهم.
هزات ارتدادية
ومن المرجح أن يفيد السلفيون من إطلاق العنان لعمليات فرض تطبيق أحكام الشريعة، حيث ترتبط الحركة على نحو وثيق بالعنف، وهو ما منع السلفيين من أن يصبحوا حركة أغلبية. فخلال الاحتجاجات الأخيرة، كانت الحركة التي تطلق على نفسها «الاتجاه الجهادي» مكشوفة تماما أمام الجميع. فقد كانت راية «القاعدة» ترفرف في العديد من المظاهرات، حتى إن المتظاهرين رفعوها فوق السفارة الأميركية في القاهرة بدلا من العلم الأميركي.
كما لعب أيضا الجهادي محمد الظواهري، أخو زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، دورا رئيسا في مظاهرات القاهرة. بالإضافة إلى الشعارات التي تم تدوينها على الجدران المحيطة بالسفارة والتي كانت تقول: «أوباما.. جميعنا أسامة» والتي كانت تتردد أيضا في المظاهرة. وقد أخافت مثل تلك الشعارات المعتدلين في المنطقة بغض النظر عن الآيديولوجيا، ومن المرجح أن تكون قد أخافت الممولين الخارجيين للسلفيين الذين يفضلون عدم الاقتران بجماعة منبوذة دوليا مثل تنظيم القاعدة.
مما لا شك فيه أن المظاهرات التي اندلعت عند السفارات الأميركية لن تكون آخر الهزات الارتدادية للربيع العربي. فهناك ببساطة العديد من المتطرفين ومثيري المشاكل على جانبي الأطلسي. وفي ظل إعادة بناء المنطقة لنفسها، من المستبعد أن يصل السلفيون للسلطة، ولكنهم سوف يستمرون بالتأكيد في الضغط على من يصلون إليها. فحتى يهيمن عليهم الإسلاميون المعتدلون، سوف يستمر السلفيون في تقويض سلطتهم وتهديد تحالفاتهم.
وليم ماكانت – باحث في العلاقات الدولية ومختص في الحركات الجهادية
فورين أفايرز – خاص ب”المجلة”
إذا كان الربيع العربي يمثل زلزالا في سياسة الشرق الأوسط، فقد شهدنا أخيرا ما يمثل هزة ارتدادية كبرى. وقد بدأت القعقعة في القاهرة، حينما بثت قناة فضائية يديرها سلفيون مقطعا من فيلم مهيج مسيء للإسلام. وبعد ذلك مباشرة، دعت بعض القيادات السلفية لمظاهرات أمام السفارة الأميركية حيث ألقوا باللوم على واشنطن، نظرا لعدم فرضها رقابة على الفيلم الذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة.
تكرر السيناريو في ليبيا، وتونس، واليمن، وغيرها. وعلى الرغم من وقوع العديد من أحداث الشغب كرد فعل على الفيلم، فإن تلك الأحداث كانت تتمحور أساسا حول طبيعة الأنظمة في ما بعد الربيع العربي وبخاصة في ما يتعلق بمن يسيس الأخلاقيات العامة. حيث ينظر السلفيون في أنحاء المنطقة كافة إلى أنفسهم باعتبارهم الحارس المحق للحياة العامة، وهم يعملون من أجل أن يضمنوا أن يراهم الآخرون بنفس الطريقة أيضا.
قوة في مصروعلى الرغم من أن السلفيين لا يشكلون أغلبية السكان في أي من تلك البلدان، فقد كانوا قادرين على فرض أجنداتهم السياسية وذلك نظرا لعدد من الأسباب. كما أنهم يبدون أكثر قوة من حقيقتهم نظرا للتمويل الواسع الذي يتلقونه من أتباعهم في دول عربية ثرية. فكل عام، تتدفق ملايين الدولارات من دول عربية إلى المشروعات السلفية الخيرية والقنوات الفضائية مثل تلك التي أثارت أعمال الشغب. (بالمقارنة، تتلقى المنظمات غير الحكومية الليبرالية دعما أقل من الدول الغنية في المنطقة).
وينفق زعماء السلفيين تلك الأموال على البرامج الاجتماعية والاستقطاب وهي الأدوات السهلة التي يستطيعون عبرها أن يحشدوا الأصوات أو يثيروا الغضب تجاه ما ينظر له باعتباره إهانة للسلفية أو الإسلام.
وبالفعل، لا تتطلع معظم الجماعات السلفية للهيمنة على الدولة عبر العنف أو حتى من خلال الانتخابات، حيث إن أعدادهم ضئيلة للغاية. ففي المكان الذي لديهم فيه مؤسسات سياسية وثقافية قوية، مثل مصر، يمكنهم أن يحققوا ذلك من خلال الضغط السياسي ومظاهر القوة في الشارع. ولكنهم يلجأون إلى فرض أحكام الشريعة والدعوة لتحدي السلطة، في الأماكن التي يفتقرون فيها لتلك المؤسسات.وليس معروفا على وجه التحديد النسبة التي يمثلها السلفيون من مجمل سكان مصر، ولكنهم يهيمنون على ربع البرلمان. وهو ما يعني أن حركة الإخوان المسلمين الأقل محافظة، والتي فازت بكل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لا يمكنها تجاهلهم. ففي البرلمان، دعا السلفيون لإصدار دستور يقر بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، كما دفعوا لإصدار قوانين تعكس الأوامر القرآنية.
وعلى غرار اليمين الديني في إسرائيل، يضع السلفيون المصريون السياسيين الأقل محافظة في الزاوية. وقد أظهروا قدرتهم الكاملة على عمل ذلك خلال المظاهرات التي اندلعت أخيرا. ففي 13 سبتمبر (أيلول)، أرسل خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين رسالة اعتذارية إلى الشعب الأميركي عبر «نيويورك تايمز».
وفي تلك الرسالة كتب الشاطر: «إن تجاوز حدود سفارة الولايات المتحدة الأميركية من قبل متظاهرين مصريين هو أمر غير قانوني طبقا للقانون الدولي، وفشل قوات الحماية من الشرطة يجب أن يتم التحقيق فيه». وعلى ما يبدو، لم يكن الشاطر يرغب في إثارة الغضب الغربي ويعرض المساعدات المالية الأميركية للخطر. ولكن كان على القاهرة أن تقلق بشأن السياسة المحلية أيضا، ولذلك احتفى الرئيس المصري محمد مرسي بالمظاهرات وأغمض عينه عن تجاوزاتها سواء رغبة في خطب ود السلفيين أو خوفا من غضبهم.
سلفيو تونس وليبياوفي بلدان أخرى، يمثل السلفيون نسبة أقل من السكان ومن ثم لديهم قوة مؤسسية أصغر، ولكن استعدادهم لتطبيق الشريعة بالقوة ينشر الخوف منهم. ففي تونس، سمح الإسلاميون المعتدلون في السلطة (حركة النهضة) أخيرا للسلفيين بتأسيس حزب سياسي وهو ما يترك السلفيين دون تمثيل في لجنة صياغة الدستور الجديد. ولكي يدفعوا بأجندتهم المحافظة، نزل النشطاء السلفيون إلى الشوارع حيث حطموا ما زعموا أنها رموز للفساد الغربي مثل الحانات والمعارض الفنية واصطدموا بقوات الشرطة في مظاهرات ضد الدولة العلمانية.
كما حرق المتظاهرون السلفيون السيارات وحطموا زجاج السفارة الأميركية وهو ما يزعم أنه كان بتشجيع من أحد رجال الدين السلفيين الجهاديين، الذي سعت الحكومة التونسية لاعتقاله بعدها.
وفي ما يتعلق بالمؤسسات، يقع سلفيو ليبيا في مكان ما بين سلفيي تونس وسلفيي مصر. فعلى الرغم من أن أعدادهم، بحسب ما يقال، أكبر من أعداد السلفيين في تونس، ليست لديهم مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر، وهو ما يجعل عملية الحشد السياسي أصعب. ومن ثم، كان أداء أحزابهم السياسية الثلاثة ضعيفا في الانتخابات الماضية، حيث لم يفوزوا إلا بمقعد واحد.
وعلى غرار نظرائهم التوانسة، يشتهر سلفيو ليبيا بتطبيقهم الشريعة بالقوة بخاصة في ما يتعلق بالهجوم على أضرحة الأولياء المحليين. ويبدو مرجحا أن يكون الجهاديون السلفيون هم من تزعموا الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي وهو ما أسفر عن مقتل عدة مواطنين أميركيين بمن فيهم السفير الأميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز. وقد سارعت الحكومة بإدانة ذلك الهجوم، والتعهد بتعقب المجرمين. كما خرج المواطنون الليبيون أيضا في مظاهرات ضد الاعتداء على السفارة.
وفي الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة في الرد على تلك الاحتجاجات، فإنها تصنع خيرا إذا ما أخذت الملابسات الوطنية المتعددة التي تكمن وراءها تلك الاحتجاجات في الاعتبار. ففي مصر، أظهر السلفيون الذين شاركوا في العملية السياسية أنهم ليسوا بالضرورة أعداء للمصالح الأمنية الأميركية في المنطقة. وكما اتضح عبر برامجهم السياسية، فإنهم أكثر اهتماما بالمسائل الثقافية. وما أثار غضبهم فعليا ودفعهم إلى الهجوم على القنصليات والسفارات الأميركية هو قضية ثقافية تماما. وليس مرجحا أن تتغير الرؤى الثقافية للسلفيين، إذا ما شاركوا في العملية الانتخابية بالمنطقة، بل إنهم سيصبحون، في الحد الأدنى، أكثر استجابة لأتباعهم.
ويعد أفضل مسار بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تعرب عن مخاوفها حول الجماعات السلفية لحكومات تلك البلدان وتعلن بشكل واضح أن تلك المخاوف تتعلق بالأمن وليس بالدين. فيجب أن تؤكد واشنطن أنها تتوقع من حكومات المنطقة أن تمنع المتطرفين من السلفيين من اللجوء إلى العنف. وسوف يكون حجب المساعدات عن تلك البلدان هو الإجراء الأكثر حدة، كما يمكن أن تصدر الولايات المتحدة أيضا تحذيرات سفر، والتي يمكنها الإضرار بالسياحة والاستثمارات الأجنبية التي تعتمد عليها تلك الحكومات. كما أن إلقاء الضوء على الحوارات الفارغة والمتضاربة للزعماء السياسيين والدينيين في المنطقة يساعد أيضا على تعريضهم للمساءلة. فحتى إثارة الشكوك حول وضع حليف ما، كما فعل أوباما في حواره مع «تيليموندو» عقب الأحداث الأخيرة، يمكنه أن يمنح الإسلاميين العاملين على تحسين العلاقات مع الغرب عنصر قوة.
فإذا ما كان رد حكومات الشرق الأوسط هو عقاب هؤلاء الذين أضروا بالممتلكات والمواطنين الأميركيين وحماية السفارات الأميركية خلال المظاهرات المستقبلية، وثبط عزم عمليات الانتقام العنيفة إثر الإهانات الثقافية، فلن يكون على الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها. وبالفعل، تقوم كل من تونس وليبيا بعمل ذلك، وهو ما يجب أن تكافئه الولايات المتحدة بالمساعدات الأمنية إذا ما طلبت تلك البلدان ذلك. ولكن إذا ما حثت نفس تلك الحكومات المتظاهرين أو استمرت في السماح لهم بتدمير الممتلكات والاعتداء على المواطنين الأميركيين، فيجب على الولايات المتحدة أن تتخذ رد فعل سريعا، حيث إن إخفاق الولايات المتحدة في فرض خطوطها الحمر يضر بالإسلاميين من غير السلفيين بقدر ما يضر بالولايات المتحدة نفسها. حيث يبدو الإسلاميون غير السلفيين ضعفاء، ويرقصون على إيقاع شخص آخر. كما يبدون عاجزين عن تسييس أتباعهم.
هزات ارتداديةومن المرجح أن يفيد السلفيون من إطلاق العنان لعمليات فرض تطبيق أحكام الشريعة، حيث ترتبط الحركة على نحو وثيق بالعنف، وهو ما منع السلفيين من أن يصبحوا حركة أغلبية. فخلال الاحتجاجات الأخيرة، كانت الحركة التي تطلق على نفسها «الاتجاه الجهادي» مكشوفة تماما أمام الجميع. فقد كانت راية «القاعدة» ترفرف في العديد من المظاهرات، حتى إن المتظاهرين رفعوها فوق السفارة الأميركية في القاهرة بدلا من العلم الأميركي.
كما لعب أيضا الجهادي محمد الظواهري، أخو زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، دورا رئيسا في مظاهرات القاهرة. بالإضافة إلى الشعارات التي تم تدوينها على الجدران المحيطة بالسفارة والتي كانت تقول: «أوباما.. جميعنا أسامة» والتي كانت تتردد أيضا في المظاهرة. وقد أخافت مثل تلك الشعارات المعتدلين في المنطقة بغض النظر عن الآيديولوجيا، ومن المرجح أن تكون قد أخافت الممولين الخارجيين للسلفيين الذين يفضلون عدم الاقتران بجماعة منبوذة دوليا مثل تنظيم القاعدة.
مما لا شك فيه أن المظاهرات التي اندلعت عند السفارات الأميركية لن تكون آخر الهزات الارتدادية للربيع العربي. فهناك ببساطة العديد من المتطرفين ومثيري المشاكل على جانبي الأطلسي. وفي ظل إعادة بناء المنطقة لنفسها، من المستبعد أن يصل السلفيون للسلطة، ولكنهم سوف يستمرون بالتأكيد في الضغط على من يصلون إليها. فحتى يهيمن عليهم الإسلاميون المعتدلون، سوف يستمر السلفيون في تقويض سلطتهم وتهديد تحالفاتهم.


وليم ماكانت – باحث في العلاقات الدولية ومختص في الحركات الجهاديةفورين أفايرز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.