غروندبرغ يؤكد وجود طريق واضح نحو السلام الشامل في اليمن    المعبقي: المحاصصة الوظيفية في المناصب الرفيعة اقبح من الفرز السياسي بكثير    الكشف عن حجم الأضرار التي خلفتها الغارات الامريكية الاسرائيلية بموانئ الحديدة    إسبانيا تطالب بحظر الأسلحة على إسرائيل لإنهاء صراع غزة    إسبانيا تطالب بحظر الأسلحة على إسرائيل لإنهاء صراع غزة    وزارة التعليم العالي بعدن توقف التصديق على وثائق الجامعات الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء    الكشف عن حجم الأضرار التي خلفتها الغارات الامريكية الاسرائيلية بموانئ الحديدة    بن عزيز: المعركة مستمرة حتى القضاء على تنظيم الحوثي الإرهابي    تغاريد حرة .. دمنا مهدور بين بعض الجماعات الدينية والوصوليين الأمنيين فيها    قلم المياحي الصادق    النقد عندما يصدر من المرأة يقابل بتشكيك في إنسانيتها    صنعاء .. تعميم على الجامعات وكليات المجتمع حول اعضاء هيئة التدريس للمقررات الثقافية    صوت من المنفى: مسرحية من الشتات    للمرة الاولى : شغور قرابة 4 الاف مقعد من حصة اليمن للحج هذا العام    تضامن حضرموت يتأهل رسمياً للدرجة الأولى لكرة السلة ( بطلاً لتجمع سيئون )    نتائج قرعة كأس العرب قطر2025    امين عام حزب الله : اليمن هزم امريكا .. والحرب لم تنته بعد..!    السهام ينتزع فوزاً مثيرا من الطليعة في بطولة البراعم لأندية تعز    روسيا وأوكرانيا تتبادلان 614 أسيرا ضمن المرحلة الثانية من اتفاق إسطنبول    إتلاف أكثر من أربعة أطنان من الأدوية الفاسدة والمهربة في مأرب    المسعد...لم يجد من يسعده    "المجاهدين الفلسطينية": ما زال اليمن يضرب أروع أمثلة الصدق والوفاء لنصرة غزة    صندوق النقد يتوقع تسارع النمو في الخليج 1 % سنوياً خلال 2025 و2026    أحمد راضي... الإعصار الهادئ الذي سرق قلوبنا    حماس: استمرار عمليات إسناد غزة يؤكد نبل مواقف الشعب اليمني    وزارة الشباب والرياضة تمنح نادي سبأ الرياضي بمأرب الاعتراف النهائي    باريس سان جيرمان يتوج بكأس فرنسا ويحقق الثنائية المحلية    بحضور وزير الشباب .. عرض كشفي لطلاب الدورات الصيفية في البيضاء    الشعبة الجزائية تقضي بحبس عدنان الحرازي 15 عامًا    الرهوي يؤكد دعم الحكومة لجهود وزارة الثقافة والسياحة    للعِبرة..؟؟    ريال مدريد يعلن إصابة فالفيردي    تحرير الضالع صمود أسطوري وتلاحم بطولي    شرطة حضرموت الوادي والصحراء والنيابة العامة تنفذان حكم قصاص بالاعدام في المحكوم عليه #ناصر_الكلدي    روسيا تدخل قائمة أكبر 3 اقتصادات عالمية من حيث فائض التجارة    العثور على خاتم ذهبي نادر يعود إلى القرن الثالث ق. م. في القدس    العثور على كنز بيولوجي تحت سطح البحر قد يغير فهمنا لتاريخ البشرية    نيابة المخالفات بالحديدة تتلف 14 طن دجاج مستورد غير صالح للاستخدام الادمي    مصرع 7 مرتزقة بغارة جوية في أبين    مليشيا الانتقالي تحاصر تظاهرة للنساء في عدن    الجولاني دخل سجن بوكا الأمريكي كإرهابي قاعدي وخرج منه داعشي    10 وفيات في عدن نتيجة للحميّات والأوبئة وانقطاع الكهرباء    "آل بن سميط" يحتفلون بزفاف الشابين الدكتور أحمد والدكتور عبداللاه بمدينة شبام التاريخية    كارثة صحية في المناطق المحتلة    عدن بين مشهد الأمس وواقع اليوم    هزة ارضية في خليج عدن    ميلان يحقق الفوز امام مونزا في اخر جولات الدوري الايطالي    إنجاز وطني عظيم    شركة نفطية أجنبية تنسحب وابن بريك يوجه بتشكيل إدارة لقطاع العقلة النفطي ويحدد الجهة التي يوجه إليها الانتاج    تقرير: زيادة الرسوم الأمريكية 50% قد تكلف ألمانيا 200 مليار يورو    شرطة مرور إب تضبط سيارتين بسبب التفحيط    الصحة العالمية: وفاة 10 أشخاص وإصابة نحو 13 ألف بالكوليرا في اليمن خلال الثلث الأول من 2025    في ذكرى رحيله العاشرة    اليمنية تحدد موعد بدء تفويج الحجاج من مطار صنعاء الدولي    اليمنية تحدد موعد بدء تفويج الحجاج من مطار صنعاء الدولي    الخطوط الجوية اليمنية تعلن البدء بتفويج الحجاج من مطار صنعاء اعتبارا من الغد    اكثر من (8000)الف حاج وحاجه تم عبورهم عبر منفذ ميناء الوديعه البري مديرية العبر بحضرموت    دراسة صادمة تكشف ما قد يفعله الهاتف الذكي بعقول الأطفال!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منابع العنف في الشرق الأوسط الجديد
نشر في الجنوب ميديا يوم 11 - 10 - 2012


منابع العنف في الشرق الأوسط الجديد
إذا كان الربيع العربي يمثل زلزالا في سياسة الشرق الأوسط، فقد شهدنا أخيرا ما يمثل هزة ارتدادية كبرى. وقد بدأت القعقعة في القاهرة، حينما بثت قناة فضائية يديرها سلفيون مقطعا من فيلم مهيج مسيء للإسلام. وبعد ذلك مباشرة، دعت بعض القيادات السلفية لمظاهرات أمام السفارة الأميركية حيث ألقوا باللوم على واشنطن، نظرا لعدم فرضها رقابة على الفيلم الذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة.
محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام في ليبيا يقدم نيابة عن الشعب الليبي اعتذاره للإدارة الأميركية عن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الذي أسفر عن مقتل السفير كريستوفر ستيفنز
تكرر السيناريو في ليبيا، وتونس، واليمن، وغيرها. وعلى الرغم من وقوع العديد من أحداث الشغب كرد فعل على الفيلم، فإن تلك الأحداث كانت تتمحور أساسا حول طبيعة الأنظمة في ما بعد الربيع العربي وبخاصة في ما يتعلق بمن يسيس الأخلاقيات العامة. حيث ينظر السلفيون في أنحاء المنطقة كافة إلى أنفسهم باعتبارهم الحارس المحق للحياة العامة، وهم يعملون من أجل أن يضمنوا أن يراهم الآخرون بنفس الطريقة أيضا.
قوة في مصر
وعلى الرغم من أن السلفيين لا يشكلون أغلبية السكان في أي من تلك البلدان، فقد كانوا قادرين على فرض أجنداتهم السياسية وذلك نظرا لعدد من الأسباب. كما أنهم يبدون أكثر قوة من حقيقتهم نظرا للتمويل الواسع الذي يتلقونه من أتباعهم في دول عربية ثرية. فكل عام، تتدفق ملايين الدولارات من دول عربية إلى المشروعات السلفية الخيرية والقنوات الفضائية مثل تلك التي أثارت أعمال الشغب. (بالمقارنة، تتلقى المنظمات غير الحكومية الليبرالية دعما أقل من الدول الغنية في المنطقة).
وينفق زعماء السلفيين تلك الأموال على البرامج الاجتماعية والاستقطاب وهي الأدوات السهلة التي يستطيعون عبرها أن يحشدوا الأصوات أو يثيروا الغضب تجاه ما ينظر له باعتباره إهانة للسلفية أو الإسلام.
وبالفعل، لا تتطلع معظم الجماعات السلفية للهيمنة على الدولة عبر العنف أو حتى من خلال الانتخابات، حيث إن أعدادهم ضئيلة للغاية. ففي المكان الذي لديهم فيه مؤسسات سياسية وثقافية قوية، مثل مصر، يمكنهم أن يحققوا ذلك من خلال الضغط السياسي ومظاهر القوة في الشارع. ولكنهم يلجأون إلى فرض أحكام الشريعة والدعوة لتحدي السلطة، في الأماكن التي يفتقرون فيها لتلك المؤسسات.
وليس معروفا على وجه التحديد النسبة التي يمثلها السلفيون من مجمل سكان مصر، ولكنهم يهيمنون على ربع البرلمان. وهو ما يعني أن حركة الإخوان المسلمين الأقل محافظة، والتي فازت بكل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لا يمكنها تجاهلهم. ففي البرلمان، دعا السلفيون لإصدار دستور يقر بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، كما دفعوا لإصدار قوانين تعكس الأوامر القرآنية.
وعلى غرار اليمين الديني في إسرائيل، يضع السلفيون المصريون السياسيين الأقل محافظة في الزاوية. وقد أظهروا قدرتهم الكاملة على عمل ذلك خلال المظاهرات التي اندلعت أخيرا. ففي 13 سبتمبر (أيلول)، أرسل خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين رسالة اعتذارية إلى الشعب الأميركي عبر «نيويورك تايمز».
وفي تلك الرسالة كتب الشاطر: «إن تجاوز حدود سفارة الولايات المتحدة الأميركية من قبل متظاهرين مصريين هو أمر غير قانوني طبقا للقانون الدولي، وفشل قوات الحماية من الشرطة يجب أن يتم التحقيق فيه». وعلى ما يبدو، لم يكن الشاطر يرغب في إثارة الغضب الغربي ويعرض المساعدات المالية الأميركية للخطر. ولكن كان على القاهرة أن تقلق بشأن السياسة المحلية أيضا، ولذلك احتفى الرئيس المصري محمد مرسي بالمظاهرات وأغمض عينه عن تجاوزاتها سواء رغبة في خطب ود السلفيين أو خوفا من غضبهم.
سلفيو تونس وليبيا
وفي بلدان أخرى، يمثل السلفيون نسبة أقل من السكان ومن ثم لديهم قوة مؤسسية أصغر، ولكن استعدادهم لتطبيق الشريعة بالقوة ينشر الخوف منهم. ففي تونس، سمح الإسلاميون المعتدلون في السلطة (حركة النهضة) أخيرا للسلفيين بتأسيس حزب سياسي وهو ما يترك السلفيين دون تمثيل في لجنة صياغة الدستور الجديد. ولكي يدفعوا بأجندتهم المحافظة، نزل النشطاء السلفيون إلى الشوارع حيث حطموا ما زعموا أنها رموز للفساد الغربي مثل الحانات والمعارض الفنية واصطدموا بقوات الشرطة في مظاهرات ضد الدولة العلمانية.
كما حرق المتظاهرون السلفيون السيارات وحطموا زجاج السفارة الأميركية وهو ما يزعم أنه كان بتشجيع من أحد رجال الدين السلفيين الجهاديين، الذي سعت الحكومة التونسية لاعتقاله بعدها.
وفي ما يتعلق بالمؤسسات، يقع سلفيو ليبيا في مكان ما بين سلفيي تونس وسلفيي مصر. فعلى الرغم من أن أعدادهم، بحسب ما يقال، أكبر من أعداد السلفيين في تونس، ليست لديهم مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر، وهو ما يجعل عملية الحشد السياسي أصعب. ومن ثم، كان أداء أحزابهم السياسية الثلاثة ضعيفا في الانتخابات الماضية، حيث لم يفوزوا إلا بمقعد واحد.
وعلى غرار نظرائهم التوانسة، يشتهر سلفيو ليبيا بتطبيقهم الشريعة بالقوة بخاصة في ما يتعلق بالهجوم على أضرحة الأولياء المحليين. ويبدو مرجحا أن يكون الجهاديون السلفيون هم من تزعموا الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي وهو ما أسفر عن مقتل عدة مواطنين أميركيين بمن فيهم السفير الأميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز. وقد سارعت الحكومة بإدانة ذلك الهجوم، والتعهد بتعقب المجرمين. كما خرج المواطنون الليبيون أيضا في مظاهرات ضد الاعتداء على السفارة.
وفي الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة في الرد على تلك الاحتجاجات، فإنها تصنع خيرا إذا ما أخذت الملابسات الوطنية المتعددة التي تكمن وراءها تلك الاحتجاجات في الاعتبار. ففي مصر، أظهر السلفيون الذين شاركوا في العملية السياسية أنهم ليسوا بالضرورة أعداء للمصالح الأمنية الأميركية في المنطقة. وكما اتضح عبر برامجهم السياسية، فإنهم أكثر اهتماما بالمسائل الثقافية. وما أثار غضبهم فعليا ودفعهم إلى الهجوم على القنصليات والسفارات الأميركية هو قضية ثقافية تماما. وليس مرجحا أن تتغير الرؤى الثقافية للسلفيين، إذا ما شاركوا في العملية الانتخابية بالمنطقة، بل إنهم سيصبحون، في الحد الأدنى، أكثر استجابة لأتباعهم.
ويعد أفضل مسار بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تعرب عن مخاوفها حول الجماعات السلفية لحكومات تلك البلدان وتعلن بشكل واضح أن تلك المخاوف تتعلق بالأمن وليس بالدين. فيجب أن تؤكد واشنطن أنها تتوقع من حكومات المنطقة أن تمنع المتطرفين من السلفيين من اللجوء إلى العنف. وسوف يكون حجب المساعدات عن تلك البلدان هو الإجراء الأكثر حدة، كما يمكن أن تصدر الولايات المتحدة أيضا تحذيرات سفر، والتي يمكنها الإضرار بالسياحة والاستثمارات الأجنبية التي تعتمد عليها تلك الحكومات. كما أن إلقاء الضوء على الحوارات الفارغة والمتضاربة للزعماء السياسيين والدينيين في المنطقة يساعد أيضا على تعريضهم للمساءلة. فحتى إثارة الشكوك حول وضع حليف ما، كما فعل أوباما في حواره مع «تيليموندو» عقب الأحداث الأخيرة، يمكنه أن يمنح الإسلاميين العاملين على تحسين العلاقات مع الغرب عنصر قوة.
فإذا ما كان رد حكومات الشرق الأوسط هو عقاب هؤلاء الذين أضروا بالممتلكات والمواطنين الأميركيين وحماية السفارات الأميركية خلال المظاهرات المستقبلية، وثبط عزم عمليات الانتقام العنيفة إثر الإهانات الثقافية، فلن يكون على الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها. وبالفعل، تقوم كل من تونس وليبيا بعمل ذلك، وهو ما يجب أن تكافئه الولايات المتحدة بالمساعدات الأمنية إذا ما طلبت تلك البلدان ذلك. ولكن إذا ما حثت نفس تلك الحكومات المتظاهرين أو استمرت في السماح لهم بتدمير الممتلكات والاعتداء على المواطنين الأميركيين، فيجب على الولايات المتحدة أن تتخذ رد فعل سريعا، حيث إن إخفاق الولايات المتحدة في فرض خطوطها الحمر يضر بالإسلاميين من غير السلفيين بقدر ما يضر بالولايات المتحدة نفسها. حيث يبدو الإسلاميون غير السلفيين ضعفاء، ويرقصون على إيقاع شخص آخر. كما يبدون عاجزين عن تسييس أتباعهم.
هزات ارتدادية
ومن المرجح أن يفيد السلفيون من إطلاق العنان لعمليات فرض تطبيق أحكام الشريعة، حيث ترتبط الحركة على نحو وثيق بالعنف، وهو ما منع السلفيين من أن يصبحوا حركة أغلبية. فخلال الاحتجاجات الأخيرة، كانت الحركة التي تطلق على نفسها «الاتجاه الجهادي» مكشوفة تماما أمام الجميع. فقد كانت راية «القاعدة» ترفرف في العديد من المظاهرات، حتى إن المتظاهرين رفعوها فوق السفارة الأميركية في القاهرة بدلا من العلم الأميركي.
كما لعب أيضا الجهادي محمد الظواهري، أخو زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، دورا رئيسا في مظاهرات القاهرة. بالإضافة إلى الشعارات التي تم تدوينها على الجدران المحيطة بالسفارة والتي كانت تقول: «أوباما.. جميعنا أسامة» والتي كانت تتردد أيضا في المظاهرة. وقد أخافت مثل تلك الشعارات المعتدلين في المنطقة بغض النظر عن الآيديولوجيا، ومن المرجح أن تكون قد أخافت الممولين الخارجيين للسلفيين الذين يفضلون عدم الاقتران بجماعة منبوذة دوليا مثل تنظيم القاعدة.
مما لا شك فيه أن المظاهرات التي اندلعت عند السفارات الأميركية لن تكون آخر الهزات الارتدادية للربيع العربي. فهناك ببساطة العديد من المتطرفين ومثيري المشاكل على جانبي الأطلسي. وفي ظل إعادة بناء المنطقة لنفسها، من المستبعد أن يصل السلفيون للسلطة، ولكنهم سوف يستمرون بالتأكيد في الضغط على من يصلون إليها. فحتى يهيمن عليهم الإسلاميون المعتدلون، سوف يستمر السلفيون في تقويض سلطتهم وتهديد تحالفاتهم.
وليم ماكانت – باحث في العلاقات الدولية ومختص في الحركات الجهادية
فورين أفايرز – خاص ب"المجلة"
إذا كان الربيع العربي يمثل زلزالا في سياسة الشرق الأوسط، فقد شهدنا أخيرا ما يمثل هزة ارتدادية كبرى. وقد بدأت القعقعة في القاهرة، حينما بثت قناة فضائية يديرها سلفيون مقطعا من فيلم مهيج مسيء للإسلام. وبعد ذلك مباشرة، دعت بعض القيادات السلفية لمظاهرات أمام السفارة الأميركية حيث ألقوا باللوم على واشنطن، نظرا لعدم فرضها رقابة على الفيلم الذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة.
تكرر السيناريو في ليبيا، وتونس، واليمن، وغيرها. وعلى الرغم من وقوع العديد من أحداث الشغب كرد فعل على الفيلم، فإن تلك الأحداث كانت تتمحور أساسا حول طبيعة الأنظمة في ما بعد الربيع العربي وبخاصة في ما يتعلق بمن يسيس الأخلاقيات العامة. حيث ينظر السلفيون في أنحاء المنطقة كافة إلى أنفسهم باعتبارهم الحارس المحق للحياة العامة، وهم يعملون من أجل أن يضمنوا أن يراهم الآخرون بنفس الطريقة أيضا.
قوة في مصروعلى الرغم من أن السلفيين لا يشكلون أغلبية السكان في أي من تلك البلدان، فقد كانوا قادرين على فرض أجنداتهم السياسية وذلك نظرا لعدد من الأسباب. كما أنهم يبدون أكثر قوة من حقيقتهم نظرا للتمويل الواسع الذي يتلقونه من أتباعهم في دول عربية ثرية. فكل عام، تتدفق ملايين الدولارات من دول عربية إلى المشروعات السلفية الخيرية والقنوات الفضائية مثل تلك التي أثارت أعمال الشغب. (بالمقارنة، تتلقى المنظمات غير الحكومية الليبرالية دعما أقل من الدول الغنية في المنطقة).
وينفق زعماء السلفيين تلك الأموال على البرامج الاجتماعية والاستقطاب وهي الأدوات السهلة التي يستطيعون عبرها أن يحشدوا الأصوات أو يثيروا الغضب تجاه ما ينظر له باعتباره إهانة للسلفية أو الإسلام.
وبالفعل، لا تتطلع معظم الجماعات السلفية للهيمنة على الدولة عبر العنف أو حتى من خلال الانتخابات، حيث إن أعدادهم ضئيلة للغاية. ففي المكان الذي لديهم فيه مؤسسات سياسية وثقافية قوية، مثل مصر، يمكنهم أن يحققوا ذلك من خلال الضغط السياسي ومظاهر القوة في الشارع. ولكنهم يلجأون إلى فرض أحكام الشريعة والدعوة لتحدي السلطة، في الأماكن التي يفتقرون فيها لتلك المؤسسات.وليس معروفا على وجه التحديد النسبة التي يمثلها السلفيون من مجمل سكان مصر، ولكنهم يهيمنون على ربع البرلمان. وهو ما يعني أن حركة الإخوان المسلمين الأقل محافظة، والتي فازت بكل من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لا يمكنها تجاهلهم. ففي البرلمان، دعا السلفيون لإصدار دستور يقر بالشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، كما دفعوا لإصدار قوانين تعكس الأوامر القرآنية.
وعلى غرار اليمين الديني في إسرائيل، يضع السلفيون المصريون السياسيين الأقل محافظة في الزاوية. وقد أظهروا قدرتهم الكاملة على عمل ذلك خلال المظاهرات التي اندلعت أخيرا. ففي 13 سبتمبر (أيلول)، أرسل خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين رسالة اعتذارية إلى الشعب الأميركي عبر «نيويورك تايمز».
وفي تلك الرسالة كتب الشاطر: «إن تجاوز حدود سفارة الولايات المتحدة الأميركية من قبل متظاهرين مصريين هو أمر غير قانوني طبقا للقانون الدولي، وفشل قوات الحماية من الشرطة يجب أن يتم التحقيق فيه». وعلى ما يبدو، لم يكن الشاطر يرغب في إثارة الغضب الغربي ويعرض المساعدات المالية الأميركية للخطر. ولكن كان على القاهرة أن تقلق بشأن السياسة المحلية أيضا، ولذلك احتفى الرئيس المصري محمد مرسي بالمظاهرات وأغمض عينه عن تجاوزاتها سواء رغبة في خطب ود السلفيين أو خوفا من غضبهم.
سلفيو تونس وليبياوفي بلدان أخرى، يمثل السلفيون نسبة أقل من السكان ومن ثم لديهم قوة مؤسسية أصغر، ولكن استعدادهم لتطبيق الشريعة بالقوة ينشر الخوف منهم. ففي تونس، سمح الإسلاميون المعتدلون في السلطة (حركة النهضة) أخيرا للسلفيين بتأسيس حزب سياسي وهو ما يترك السلفيين دون تمثيل في لجنة صياغة الدستور الجديد. ولكي يدفعوا بأجندتهم المحافظة، نزل النشطاء السلفيون إلى الشوارع حيث حطموا ما زعموا أنها رموز للفساد الغربي مثل الحانات والمعارض الفنية واصطدموا بقوات الشرطة في مظاهرات ضد الدولة العلمانية.
كما حرق المتظاهرون السلفيون السيارات وحطموا زجاج السفارة الأميركية وهو ما يزعم أنه كان بتشجيع من أحد رجال الدين السلفيين الجهاديين، الذي سعت الحكومة التونسية لاعتقاله بعدها.
وفي ما يتعلق بالمؤسسات، يقع سلفيو ليبيا في مكان ما بين سلفيي تونس وسلفيي مصر. فعلى الرغم من أن أعدادهم، بحسب ما يقال، أكبر من أعداد السلفيين في تونس، ليست لديهم مؤسسات مركزية مثل سلفيي مصر، وهو ما يجعل عملية الحشد السياسي أصعب. ومن ثم، كان أداء أحزابهم السياسية الثلاثة ضعيفا في الانتخابات الماضية، حيث لم يفوزوا إلا بمقعد واحد.
وعلى غرار نظرائهم التوانسة، يشتهر سلفيو ليبيا بتطبيقهم الشريعة بالقوة بخاصة في ما يتعلق بالهجوم على أضرحة الأولياء المحليين. ويبدو مرجحا أن يكون الجهاديون السلفيون هم من تزعموا الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي وهو ما أسفر عن مقتل عدة مواطنين أميركيين بمن فيهم السفير الأميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز. وقد سارعت الحكومة بإدانة ذلك الهجوم، والتعهد بتعقب المجرمين. كما خرج المواطنون الليبيون أيضا في مظاهرات ضد الاعتداء على السفارة.
وفي الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة في الرد على تلك الاحتجاجات، فإنها تصنع خيرا إذا ما أخذت الملابسات الوطنية المتعددة التي تكمن وراءها تلك الاحتجاجات في الاعتبار. ففي مصر، أظهر السلفيون الذين شاركوا في العملية السياسية أنهم ليسوا بالضرورة أعداء للمصالح الأمنية الأميركية في المنطقة. وكما اتضح عبر برامجهم السياسية، فإنهم أكثر اهتماما بالمسائل الثقافية. وما أثار غضبهم فعليا ودفعهم إلى الهجوم على القنصليات والسفارات الأميركية هو قضية ثقافية تماما. وليس مرجحا أن تتغير الرؤى الثقافية للسلفيين، إذا ما شاركوا في العملية الانتخابية بالمنطقة، بل إنهم سيصبحون، في الحد الأدنى، أكثر استجابة لأتباعهم.
ويعد أفضل مسار بالنسبة للولايات المتحدة هو أن تعرب عن مخاوفها حول الجماعات السلفية لحكومات تلك البلدان وتعلن بشكل واضح أن تلك المخاوف تتعلق بالأمن وليس بالدين. فيجب أن تؤكد واشنطن أنها تتوقع من حكومات المنطقة أن تمنع المتطرفين من السلفيين من اللجوء إلى العنف. وسوف يكون حجب المساعدات عن تلك البلدان هو الإجراء الأكثر حدة، كما يمكن أن تصدر الولايات المتحدة أيضا تحذيرات سفر، والتي يمكنها الإضرار بالسياحة والاستثمارات الأجنبية التي تعتمد عليها تلك الحكومات. كما أن إلقاء الضوء على الحوارات الفارغة والمتضاربة للزعماء السياسيين والدينيين في المنطقة يساعد أيضا على تعريضهم للمساءلة. فحتى إثارة الشكوك حول وضع حليف ما، كما فعل أوباما في حواره مع «تيليموندو» عقب الأحداث الأخيرة، يمكنه أن يمنح الإسلاميين العاملين على تحسين العلاقات مع الغرب عنصر قوة.
فإذا ما كان رد حكومات الشرق الأوسط هو عقاب هؤلاء الذين أضروا بالممتلكات والمواطنين الأميركيين وحماية السفارات الأميركية خلال المظاهرات المستقبلية، وثبط عزم عمليات الانتقام العنيفة إثر الإهانات الثقافية، فلن يكون على الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها. وبالفعل، تقوم كل من تونس وليبيا بعمل ذلك، وهو ما يجب أن تكافئه الولايات المتحدة بالمساعدات الأمنية إذا ما طلبت تلك البلدان ذلك. ولكن إذا ما حثت نفس تلك الحكومات المتظاهرين أو استمرت في السماح لهم بتدمير الممتلكات والاعتداء على المواطنين الأميركيين، فيجب على الولايات المتحدة أن تتخذ رد فعل سريعا، حيث إن إخفاق الولايات المتحدة في فرض خطوطها الحمر يضر بالإسلاميين من غير السلفيين بقدر ما يضر بالولايات المتحدة نفسها. حيث يبدو الإسلاميون غير السلفيين ضعفاء، ويرقصون على إيقاع شخص آخر. كما يبدون عاجزين عن تسييس أتباعهم.
هزات ارتداديةومن المرجح أن يفيد السلفيون من إطلاق العنان لعمليات فرض تطبيق أحكام الشريعة، حيث ترتبط الحركة على نحو وثيق بالعنف، وهو ما منع السلفيين من أن يصبحوا حركة أغلبية. فخلال الاحتجاجات الأخيرة، كانت الحركة التي تطلق على نفسها «الاتجاه الجهادي» مكشوفة تماما أمام الجميع. فقد كانت راية «القاعدة» ترفرف في العديد من المظاهرات، حتى إن المتظاهرين رفعوها فوق السفارة الأميركية في القاهرة بدلا من العلم الأميركي.
كما لعب أيضا الجهادي محمد الظواهري، أخو زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، دورا رئيسا في مظاهرات القاهرة. بالإضافة إلى الشعارات التي تم تدوينها على الجدران المحيطة بالسفارة والتي كانت تقول: «أوباما.. جميعنا أسامة» والتي كانت تتردد أيضا في المظاهرة. وقد أخافت مثل تلك الشعارات المعتدلين في المنطقة بغض النظر عن الآيديولوجيا، ومن المرجح أن تكون قد أخافت الممولين الخارجيين للسلفيين الذين يفضلون عدم الاقتران بجماعة منبوذة دوليا مثل تنظيم القاعدة.
مما لا شك فيه أن المظاهرات التي اندلعت عند السفارات الأميركية لن تكون آخر الهزات الارتدادية للربيع العربي. فهناك ببساطة العديد من المتطرفين ومثيري المشاكل على جانبي الأطلسي. وفي ظل إعادة بناء المنطقة لنفسها، من المستبعد أن يصل السلفيون للسلطة، ولكنهم سوف يستمرون بالتأكيد في الضغط على من يصلون إليها. فحتى يهيمن عليهم الإسلاميون المعتدلون، سوف يستمر السلفيون في تقويض سلطتهم وتهديد تحالفاتهم.
وليم ماكانت – باحث في العلاقات الدولية ومختص في الحركات الجهاديةفورين أفايرز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.