من الصيد في الظل إلى معركة الوعي الرقمي في الجزء الأول، أشرنا إلى الاستثناء المضيء؛ تلك الأرض التي أبت أن تُطبق عليها قاعدة "لا تقترب، لا تلمس، لا تفضح"، والتي اختارت أن يبرز فيها "حارس العهد" و"الدرع المنيع" المتمثل في الجهاز الأمني الوطني. لقد تحدثنا عن بطولات هذا الجهاز في إحباط المؤامرات الكبرى وصيانة الكرامة الوطنية، مؤكدين أن إنجازاته توازي تمامًا ما يقدمه أبطال الميدان العسكري. لكن، معركتنا اليوم لم تعد مقتصرة على "صيد الظلال" التقليدي خلف الجدران المغلقة وحسب. لقد نقلت قوى الاستكبار و"أدواتها الخفية" مسرح العمليات إلى ميدان جديد، أشد فتكاً وأكثر انتشاراً: ميدان الوعي والإدراك. الأدوات الجديدة في حرب الأدمغة إن "الأفاعي" التي أشرنا إليها سابقاً، باتت تستخدم اليوم سموماً رقمية وفكرية أسرع وصولاً وتأثيراً. لم تعد أدوات التجسس تقتصر على الحقائب السوداء وأجهزة التنصت القديمة، بل امتدت لتشمل: * شبكات الاختراق الإلكتروني: التي تستهدف البنى التحتية للدولة، بدءاً من المنظومات المصرفية وصولاً إلى قواعد البيانات الحساسة. * الإعلام الموجه وحرب الشائعات: لضرب الثقة بين القيادة والشعب، وتشويه الحقائق بمهارة فائقة، وتحويل "العمالة" إلى "اختلاف وجهات نظر" كما ذكرنا. * استغلال النوافذ الاجتماعية: لاصطياد العقول الضعيفة والنفوس المريضة، وتحويلهم إلى "أدوات ناعمة" تخدم أجندات صهيونية وغربية لا تريد لوطننا استقلالاً ولا عزاً. المواطن.. "عين" ثانية لا تنام هنا، يكمن سر القوة الحقيقية ل "عين الوطن الساهرة". فالجهاز الأمني لا يعمل في فراغ، ولا يمكن لجهود رجاله، مهما كانت جبارة، أن تغطي كل شبر من هذا الوطن دون الشريك الصامت والأقوى؛ إنه المواطن الواعي. إن الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول والأخير. كل مواطن، وكل أسرة، وكل مؤسسة، هو اليوم "خلية استخبارات ذاتية". إن قدرتهم على التمييز بين الحقيقة والزائفة، بين الخبر الصادق والشائعة المسمومة، وبين الفكر البنّاء والمحتوى الهدّام، هي الركيزة التي تُبنى عليها حصانة الوطن. إن جهازنا الأمني يمتلك القدرة التقنية والمهنية للكشف عن المؤامرات وتفكيك الشبكات، لكنه يعتمد على حس المسؤولية لدى المواطن ليكون جداراً فكرياً منيعاً يرتد عنه تيار التخريب الفكري والإشاعات. الرسالة واضحة: لا يمكن "لحارس العهد" أن يحمي الأرض والعرض ما لم يقم المواطن بحماية عقله ووعيه. هذا هو المعنى الحقيقي ل "الرسالة الوطنية" التي يجب أن يعيها الجميع قيادات ومختصين وجميع ابناء الشعب. نحو مستقبل محصن إن اليقظة الأمنية اليوم هي مزيج متكامل من العمل الاستخباري الاحترافي، والقدرات التقنية المتقدمة، والتربية الوطنية الصادقة التي تغرس في النفوس رفض الخضوع والعمالة. هذا التناغم بين يقظة الدولة ووعي الشعب هو ما سيجعل من هذا الوطن، بإذن الله، قلعة صامدة أمام كل رياح المؤامرات التي تُحاك في "خزائن الأسرار" المعادية. فلنكن جميعًا عيونًا لا تنام على سلامة ومستقبل هذا الوطن الأبي. يتبع (3) بإذنه تعالى (سنتناول في الجزء القادم نماذج من إنجازات الجهاز الأمني في التصدي للغزو الناعم وتفاصيل حكايات "صياد الظلال" التي أشرنا إليها).