دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    صواريخ الحوثي تُبحِر نحو المجهول: ماذا تخفي طموحات زعيم الحوثيين؟...صحفي يجيب    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    انهيار حوثي جديد: 5 من كبار الضباط يسقطون في ميدان المعركة    نائب رئيس نادي الطليعة يوضح الملصق الدعائي بباص النادي تم باتفاق مع الادارة    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    كان طفلا يرعى الغنم فانفجر به لغم حوثي.. شاهد البطل الذي رفع العلم وصور الرئيس العليمي بيديه المبتورتين يروي قصته    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    غارسيا يتحدث عن مستقبله    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلل إقليمي: التداعيات المحتملة للتدخل الدولي في الأزمة السورية
نشر في عدن الغد يوم 12 - 10 - 2012

بالرغم من أن الثورة السورية تأتي كحلقة من حلقات الربيع العربي الذي بدأ في تونس،ثم مصر، وليبيا، واليمن، فإن تحول الثورة في سوريا إلى صراع مسلح بين النظام والمعارضة ألقى بتأثيراته على منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، لاسيما مع الدعوات المطالبة بالتدخل العسكري الدولي، على غرار الحالة الليبية التي سقط فيها نظام القذافي.
بيد أن ثمة تداعيات محتملة لهذا التدخل العسكري الدولي، لاسيما على صعيد خريطة التوازنات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، وهو ما يسعى التقرير التالي إلى رصدها، وتحليل آثارها على الإقليم.
أولا- خيارات التدخل العسكري في سوريا:
ثمة معطيات في الحالة السورية تفرض سيناريوهات وخيارات للتدخل العسكري تختلف عن الحالة الليبية. فبرغم وجود تشابه بين النظامين السوري والليبي، وأسلوبهما في إدارة البلاد، فإن الخطوط الفاصلة في المجتمع السوري لا تتطابق مع التقسيم الجغرافي للبلاد، حيث لا توجد في سوريا منطقة مثل بنغازي الليبية، ليتمكن المعارضون من فرض سيطرتهم عليها واستخدامها كمعقل في حربهم مع النظام، كما حدث في الحالة الليبية، علاوة على أن الانشقاقات التي حصلت في الجيش السوري تقتصر في معظم الأحيان على عسكريين منخفضي الرتب من الطائفة السنية، ولم تمتد إلى الطائفة العلوية شديدة الولاء للرئيس الأسد وأسرته، بعكس الانشقاقات الهائلة التي حصلت في الجيش الليبي التي وصلت للرتب العسكرية الكبرى. إضافة إلى أن الانشقاقات اللبيبة شملت وحدات عسكرية كاملة بعتادها من الأسلحة الثقيلة، مما أعطى للمعارضة الليبية قوة ملموسة في مواجهتها مع نظام القذافي.
يضاف لما سبق عدم وجود منابع نفط في سوريا كتلك المتوافرة في ليبيا، وهو الأمر الذي لم يشجع العديد من الدول الأوروبية على المشاركة في التدخل العسكري في سوريا، ناهيك عن قوة وكفاءة القدرات العسكرية لسوريا، خاصة قواتها الجوية ، مما سيجر القوات الدولية إلى حرب مكلفة ماليا وإنسانيا، تعجز الدول الأوروبية والولايات المتحدة عن تكبدها.
وعلى ذلك، فثمة خيارات - طرحتها الدوائر الغربية - أمام القوى الإقليمية والدولية المساندة للمعارضة السورية للضغط على نظام بشار الأسد، ومن أبرزها(1):
1- تصعيد الأنشطة الاستخبارية ضد نظام الأسد، ويقضي هذا الخيار بفتح القوى الإقليمية والدولية المساندة للمعارضة قنوات اتصال مباشر مع قيادات عسكرية من ذوى الرتب الكبيرة، خاصة من الطائفة العلوية الموالية للرئيس ، وتشجيع الانقلاب على نظام الرئيس بشار الأسد، والانشقاق عليه بوحداتهم العسكرية، وزيادة التنسيق الأمني والعسكري مع قيادات الجيش السوري الحر، وتبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية معه.
ويتضمن هذا الخيار تنفيذ عمليات اغتيال للقيادات العسكرية الأكثر قربا من الرئيس السوري، وفشل عملية استقطابها لصفوف المعارضة، علاوة على القيام بعمليات تخريبية للمنشآت العسكرية في المدن السورية، ويترافق مع ذلك استمرار القوى الإقليمية والدولية في ممارسة الضغوط السياسية على نظام بشار، عبر فرض عقوبات اقتصادية على النظام، وعقد لقاءات رسمية مع المعارضة من سوريا، وإحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها نظام الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية، بدعوى قيامه بحرب إبادة جماعية، وهو ما تعززه تقارير فرق المراقبة الدولية التي أرسلتها الجامعة العربية والأمم المتحدة في أواخر عام 2011.
2- تعزيز العلاقات مع المعارضة السورية بكافة أطيافها، وتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية والتدريب السياسي والعسكري، مع العمل على إنهاء الانقسامات فيما بينها للتوصل إلى تصور لشكل النظام السياسي في مرحلة ما بعد الأسد. ويمكن رصد بعض المؤشرات الخاصة بهذا الخيار، إذ تتعاون كل من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا مع تركيا في إعداد برامج تدريبية لبعض عناصر الجيش السوري على الأراضي التركية، وبالاستعانة بالخبراء العسكريين من هذه الدول.
وكما تشير تقارير غربية، فإن الولايات المتحدة وفرنسا وقطر ساندت جماعات المعارضة المسلحة بالأموال والمواد الغذائية، وأجهزة الاتصالات الحديثة المرتبطة بالأقمار الصناعية، علاوة على توفير الأسلحة الخفيفة، والصواريخ الأمريكية المحمولة على الكتف لإسقاط طائرات الهليكوبتر، وتوصيلها لجماعات المعارضة وبعض ميليشيات الجيش السوري الحر عن طريق الأراضي التركية والعراقية.
3-توفير الدعم والتغطية الجوية العسكرية لقوات المعارضة السورية، من خلال الدفع ببعض الخبراء العسكريين الأجانب، خاصة من جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، مصحوبين بعناصر وأفراد من المارينز والكوماندوز للعمل مع قوات المعارضة المسلحة في الأراضي السورية المستهدفة، بالإضافة إلى استخدام القوات الجوية الأجنبية في عمليات الاستطلاع الجوى على الأراضي السورية، وتوجيه قوات المعارضة لمناطق تمركز القوات الحكومية لتدميرها والقضاء عليها، علاوة على تدريب قوات الجيش السوري الحر على استهداف وتدمير القواعد، و التحصينات العسكرية القوية، بالإضافة إلى الاستيلاء على القواعد العسكرية الجوية النائية أو ضعيفة الحراسة والاستيلاء عليها ، بما يكفل الانتقال إلى تحرير مناطق ومدن سورية بالكامل، والحفاظ عليها .
ويتطلب هذا السيناريو من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا العمل على رفع كفاءة تدريب الجيش السوري الحر على استخدامه التكتيكات العسكرية الجديدة ، مما سيؤدي إلى ارتفاع فعالية عمليات الجيش، بالإضافة إلى مد قوات الجيش الحر بأسلحة أكثر تطورا لاستنزاف وتدمير القوات والمعدات العسكرية لنظام الأسد. كما يتطلب هذا السيناريو أيضا استعدادات لا يمكن إخفاؤها مثل نقل الطائرات التي ستنفذ عمليات الاستطلاع إلى المنطقة ، وعلى سبيل المثال إلى قبرص وتركيا واليونان، بالإضافة إلى تصعيد النشاط الاستخباراتي بالقرب من حدود سورية لتحديد أماكن وجود عناصر نظام الدفاع الجوي السوري.
4 - حرمان النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية(2)، حيث أدت ضراوة العمليات العسكرية بين القوات الحكومية وقوات المعارضة في سوريا إلى إثارة المخاوف من استخدام نظام الأسد لمخزونه الهائل من الأسلحة الكيميائية ضد قوات المعارضة. وقد تأكدت هذه المخاوف في 16 يوليو 2012 عندما حذر نواف الفارس - سفير سوريا السابق في العراق الذي فر أخيرا إلى الأردن - من أن النظام سيستخدم الأسلحة الكيميائية، إذا ما حوصرت قواته، وأصبح عاجزا عن كبح الهجمات العسكرية لقوات المعارضة.
ودفعت هذه المخاوف إلى المطالبة باتخاذ إجراءات للتعامل مع هذا التهديد ، خاصة أن برنامج الأسلحة الكيميائية السوري يشمل آلاف قذائف المدفعية الأنبوبية والصاروخية الممتلئة بمواد مسببة للبثور شبيهة بغاز الخردل، إلى جانب آلاف القنابل المليئة بغاز الأعصاب "السارين" وربما غاز "في إكس"، فضلاً عن رءوس حربية من ذات النوع الثنائي والعنقودي المليئة بغاز الأعصاب، والمحملة في جميع أنظمة الصواريخ الرئيسية لديها، كما يعتقد أن البنية التحتية لأسلحتها الكيميائية تشمل العديد من منشآت الإنتاج ومواقع تخزين متعددة، معظمها متفرق في النصف الغربي من سوريا.
ومن البدائل والخيارات التي تفكر الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل وتركيا في اتباعها لحرمان نظام الأسد من استخدام مخزونه من الأسلحة الكيميائية:
- قيام إسرائيل والولايات المتحدة ودول معنية أخرى بمنع تسرب الأسلحة الكيميائية أو استخدامها عن طريق شن غارات جوية على مخابئ هذه الأسلحة (لمنع الوصول إلى المنشآت أو تدمير الذخائر). غير أن هذا الخيار يستلزم تحييد الدفاعات الجوية السورية التي تزيد من تعقيد تلك المهمة التي هي صعبة بالفعل، نظرا لاحتمال تدمير الغارات الجوية أعداداً كبيرة من ذخيرة الأسلحة الكيميائية السورية، وبالتالي انطلاق بعض العناصر الكيميائية في الهواء، مما سيعرض حياة المدنيين في المناطق المجاورة للخطر .
- الدفع بالجنود على أرض المعركة، يعد هذا البديل الأكثر انتظاماً وقبولا، حيث إن السبيل الأفضل لمنع تسريب أو استخدام الذخيرة هو الدفع بقوات العمليات الخاصة ، والقوات التقليدية للاستيلاء على منشآت الأسلحة الكيميائية المعرضة للخطر وتأمينها. وقد يتطلب ذلك - اعتماداً على مدى الجهود ونطاقها - الدفع بآلاف- إن لم يكن عشرات الآلاف- من الجنود، وإجراء عمليات استخباراتية واستطلاعية ، فضلاً عن عمليات المراقبة والدعم الجوي الكبيرة، يصل، وفقا لواضعي خطط وزارة الدفاع الأمريكية، إلى نحو الخمسة وسبعين ألف جندي ، ويجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد المتمردين وقوات النظام على حد سواء، علاوة على أن تكون قادرة على العمل في بيئة ملوثة، فيما إذا قامت قوات النظام بقصف مواقع الأسلحة الكيميائية من أجل تعقيد مهمتها.
- الردع والاحتواء : يتعين على الولايات المتحدة أن تقنع نظام الأسد بأن استخدام الأسلحة الكيميائية سوف يغير قواعد اللعبة، وقد يؤدي إلى تدخل عسكري دولي فوري ، كما يجب على الولايات المتحدة أن تواصل العمل مع جيران سوريا من أجل إحكام السيطرة الأمنية على الحدود، وضمان عدم تسرب الأسلحة الكيميائية إلى خارج سوريا، وما يشمله ذلك الاستعداد من دعم الجهود العسكرية للحلفاء لمنع التسريب المنظم للذخائر الكيميائية إلى خارج سوريا.
ثانيا- تداعيات التدخل العسكري في سوريا على المنطقة:
لا شك فى أن التطورات المستقبلية القريبة للصراع القائم في سوريا بين نظام الأسد والمعارضة المسلحة في سوريا سيكون لها العديد من العواقب والتداعيات على التوازن العسكري الإقليمي بين الدول العربية وإسرائيل من جهة ، وعلى إمكانات وقدرة الدول العربية على مواجهة المشكلات الأمنية الداخلية من جهة أخرى، علاوة على بروز فرص وخيارات جديدة، ينبغي على الدول العربية التفكير فيها، والسعي الجدي لتطبيقها لوقف الخلل في التوازن الاستراتيجي بينها وبين الدول غير العربية في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- استمرار الخلل في التوازن العسكري في المنطقة لصالح إسرائيل، إذ تذهب توقعات المراقبين إلى أن الثورة الليبية والثورة السورية وما تلاها من انهيار القوة العسكرية في البلدين، وصعوبة،إن لم يكن استحالة، استعادتها لذات قدراتها وكفاءتها القتالية التي كانت عليها في مرحلة ما قبل هذه الثورات، علاوة على انغماس القوات المسلحة المصرية في عملية القضاء على جيوب الجماعات الإرهابية في سيناء - قد ضمنت هذه التطورات جميعها لإسرائيل تفوقا عسكريا واضحا على كافة جيرانها، مما يفضي إلى تراجع أو تجميد فرص السلام في الشرق الأوسط لمدة طويلة تصل لنحو خمس سنوات.
وقد دفع ذلك بعض الخبراء إلى القول باتجاه إسرائيل إلى رفضها التام للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في سوريا ولبنان وفلسطين، وبالتالي الضغط على دول المنطقة بالقوة ، خاصة بعد تقليص سوريا – في ظل الظروف التي تمر بها حاليا - لمساعدتها العسكرية لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان، مما يسهم- وفقا لمائير داجان، الرئيس السابق ل"الموساد"، في تبديد التهديدات العسكرية العربية عن إسرائيل لثلاث أو خمس سنوات قادمة، حيث أسهمت النتائج العسكرية لهذه الثورات في إبعاد الخطر العسكري عنها(3). علاوة على انشغال الحكومة المصرية – صاحبة القوة العسكرية العربية الوحيدة التي تتقارب من حيث الكم والنوع، تسليحاً وتجهيزاً وتدريباً، مع نظيرتها الإسرائيلية- في المستقبل القريب والمدى المتوسط في توفير حلول لأزمتها الاقتصادية.
في ظل هذه الظروف، لم يكن من المستغرب قيام حكومة نتنياهو بزيادة مخصصات الإنفاق العسكري في عام 2012 بنحو ثلاثة مليارات شيكل إضافية، أي 780 مليون دولار، وبنسبة 6 % عما كانت عليه في عام 2011 ، والتي وصلت لنحو 50 مليار شيكل ( نحو 12 مليار دولار)، متحدية بذلك النداءات المطالبة بخفض الإنفاق، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة(4).
2- تدفع التطورات العسكرية في سوريا وفي الصراع الغربي مع إيران إلى عدم اقتناع قادة إسرائيل بفكرة التخلي عن الأسلحة النووية، بعد انهيار النظم الاستبدادية في كل ليبيا وسوريا ومصر، نظراً لحاجة إسرائيل- من وجهة نظرهم- للسلاح النووي للحفاظ على ما تم التوصل إليه بالسلام، بالإضافة إلى تهديدها من جانب بعض دول المنطقة، مثل إيران، التي يتعاظم التهديد الأمنى والعسكري في ظل استمرارها في برنامجها النووى، أو للمحافظة على التوازن الإقليمي مع دول أخرى مثل تركيا ومصر ودول الخليج، خاصة السعودية، من وجهة النظر الإسرائيلية(5).
ولا يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية سترغب في ممارسة أية ضغوط على إسرائيل لإنشائها منطقة خالية من الأسلحة النووية، وهو ما يتناقض مع موقفها من دول أخرى في المنطقة مثل إيران، بل وموقفها من مناطق أخرى من العالم، مثل كوريا الشمالية، مما يتعين معه على الدول العربية، خاصة الكبرى منها، لاسيما السعودية ومصر، اتخاذ خطوات عملية لتدعيم وتفعيل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، خاصة في مجالات تحلية المياه، وإنتاج الكهرباء، وضرورة أن يصاحب ذلك برنامج لتطوير التعليم والبحث العلمي والتنمية التكنولوجية، وبما يفضى إلى توطين التكنولوجيا النووية السلمية لتحقيق بعض التوازن مع القوة النووية الإسرائيلية، ويسهم في إيجاد التوازن في المعرفة النووية – التي تشكل أحد أهم الأبعاد في مسألة التوازن الاستراتيجي بين إسرائيل والدول العربية- عند الاتفاق على إخلاء المنطقة من البرامج النووية.
3- تغير مضمون بعض التهديدات الأمنية التقليدية، وتغير الوزن النسبي لأهميتها ، حيث لا تزال التهديدات التقليدية للأمن القومي للدول قائمة، ومنها ما هو خارجي، وما هو داخلي. إلا أن الجديد في هذا الشأن- بعد الثورات العربية في كل من ليبيا واليمن وسوريا - يتمثل في التداخل الواضح بين المصادر الداخلية والخارجية لهذه التهديدات، وتغير محتوى الكثير منها. فليس من الضروري أن يتم الاختراق الخارجي لحدود الدولة بالقوة العسكرية لإلحاق خسائر وأضرار استراتيجية بها، وإنما يمكن تحقيق ذلك بأساليب وطرق مختلفة لإثارة القلاقل، وإشعال أعمال العنف والتخريب، والإخلال بالاستقرار الداخلي، والتشويه المتعمد للصورة الذهنية للنظام السياسي، والتشكيك في مصادر شرعيته، وذلك في محاولة للوصول إلى إبراز جوانب الضعف التي قد تكون غير قائمة على أنها دليل على فشل الدولة في القيام بمهامها الأساسية تجاه مواطنيها.
4- تنامى التهديدات الداخلية في الدول العربية في مرحلة ما بعد الثورات، خاصة في ليبيا ومصر وسوريا، وذلك اعتمادا على إعادة الهيكلة والتكييف التي تجرى في هذه المجتمعات، وفقًا لقواعد وأسس جديدة تتلاءم مع متطلبات ما بعد الثورة ، وهو ما ينتج عنه، وفقًا للخبرة التاريخية البشرية، إلحاق أضرار بأعداد كبيرة من البشر الذين يقعون ضحية لهذه التغيرات، الأمر الذي يجعل منهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، وبأشكال وصور مختلفة، وبدوافع متباينة. فإذا ما أضيف إلى ذلك المصادر التقليدية الداخلية لتهديد الأمن، كسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والخلافات الإثنية والعرقية والدينية والمذهبية، فإن ذلك يفسر الازدياد الواضح للأهمية النسبية لمصادر التهديد الداخلي للأمن القومي، خاصة مع زيادة وكثافة انتشار السلاح غير الرسمي في أيدي المواطنين، كما في ليبيا ومصر، وبما يهدد سيادة الدولة على أراضيها(6).
لذا، فإن التحدي الأكبر أمام حكومات ليبيا ومصر واليمن وسوريا، في مرحلة لاحقة، هو جمع هذه الأسلحة من المواطنين، وإعلاء سيادة وتطبيق القانون على جميع المواطنين بدون تمييز، واحترام حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
*من رضا محمد هلال - استاذة علوم سياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.