لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلل إقليمي: التداعيات المحتملة للتدخل الدولي في الأزمة السورية
نشر في عدن الغد يوم 12 - 10 - 2012

بالرغم من أن الثورة السورية تأتي كحلقة من حلقات الربيع العربي الذي بدأ في تونس،ثم مصر، وليبيا، واليمن، فإن تحول الثورة في سوريا إلى صراع مسلح بين النظام والمعارضة ألقى بتأثيراته على منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، لاسيما مع الدعوات المطالبة بالتدخل العسكري الدولي، على غرار الحالة الليبية التي سقط فيها نظام القذافي.
بيد أن ثمة تداعيات محتملة لهذا التدخل العسكري الدولي، لاسيما على صعيد خريطة التوازنات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، وهو ما يسعى التقرير التالي إلى رصدها، وتحليل آثارها على الإقليم.
أولا- خيارات التدخل العسكري في سوريا:
ثمة معطيات في الحالة السورية تفرض سيناريوهات وخيارات للتدخل العسكري تختلف عن الحالة الليبية. فبرغم وجود تشابه بين النظامين السوري والليبي، وأسلوبهما في إدارة البلاد، فإن الخطوط الفاصلة في المجتمع السوري لا تتطابق مع التقسيم الجغرافي للبلاد، حيث لا توجد في سوريا منطقة مثل بنغازي الليبية، ليتمكن المعارضون من فرض سيطرتهم عليها واستخدامها كمعقل في حربهم مع النظام، كما حدث في الحالة الليبية، علاوة على أن الانشقاقات التي حصلت في الجيش السوري تقتصر في معظم الأحيان على عسكريين منخفضي الرتب من الطائفة السنية، ولم تمتد إلى الطائفة العلوية شديدة الولاء للرئيس الأسد وأسرته، بعكس الانشقاقات الهائلة التي حصلت في الجيش الليبي التي وصلت للرتب العسكرية الكبرى. إضافة إلى أن الانشقاقات اللبيبة شملت وحدات عسكرية كاملة بعتادها من الأسلحة الثقيلة، مما أعطى للمعارضة الليبية قوة ملموسة في مواجهتها مع نظام القذافي.
يضاف لما سبق عدم وجود منابع نفط في سوريا كتلك المتوافرة في ليبيا، وهو الأمر الذي لم يشجع العديد من الدول الأوروبية على المشاركة في التدخل العسكري في سوريا، ناهيك عن قوة وكفاءة القدرات العسكرية لسوريا، خاصة قواتها الجوية ، مما سيجر القوات الدولية إلى حرب مكلفة ماليا وإنسانيا، تعجز الدول الأوروبية والولايات المتحدة عن تكبدها.
وعلى ذلك، فثمة خيارات - طرحتها الدوائر الغربية - أمام القوى الإقليمية والدولية المساندة للمعارضة السورية للضغط على نظام بشار الأسد، ومن أبرزها(1):
1- تصعيد الأنشطة الاستخبارية ضد نظام الأسد، ويقضي هذا الخيار بفتح القوى الإقليمية والدولية المساندة للمعارضة قنوات اتصال مباشر مع قيادات عسكرية من ذوى الرتب الكبيرة، خاصة من الطائفة العلوية الموالية للرئيس ، وتشجيع الانقلاب على نظام الرئيس بشار الأسد، والانشقاق عليه بوحداتهم العسكرية، وزيادة التنسيق الأمني والعسكري مع قيادات الجيش السوري الحر، وتبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية معه.
ويتضمن هذا الخيار تنفيذ عمليات اغتيال للقيادات العسكرية الأكثر قربا من الرئيس السوري، وفشل عملية استقطابها لصفوف المعارضة، علاوة على القيام بعمليات تخريبية للمنشآت العسكرية في المدن السورية، ويترافق مع ذلك استمرار القوى الإقليمية والدولية في ممارسة الضغوط السياسية على نظام بشار، عبر فرض عقوبات اقتصادية على النظام، وعقد لقاءات رسمية مع المعارضة من سوريا، وإحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها نظام الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية، بدعوى قيامه بحرب إبادة جماعية، وهو ما تعززه تقارير فرق المراقبة الدولية التي أرسلتها الجامعة العربية والأمم المتحدة في أواخر عام 2011.
2- تعزيز العلاقات مع المعارضة السورية بكافة أطيافها، وتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية والتدريب السياسي والعسكري، مع العمل على إنهاء الانقسامات فيما بينها للتوصل إلى تصور لشكل النظام السياسي في مرحلة ما بعد الأسد. ويمكن رصد بعض المؤشرات الخاصة بهذا الخيار، إذ تتعاون كل من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا مع تركيا في إعداد برامج تدريبية لبعض عناصر الجيش السوري على الأراضي التركية، وبالاستعانة بالخبراء العسكريين من هذه الدول.
وكما تشير تقارير غربية، فإن الولايات المتحدة وفرنسا وقطر ساندت جماعات المعارضة المسلحة بالأموال والمواد الغذائية، وأجهزة الاتصالات الحديثة المرتبطة بالأقمار الصناعية، علاوة على توفير الأسلحة الخفيفة، والصواريخ الأمريكية المحمولة على الكتف لإسقاط طائرات الهليكوبتر، وتوصيلها لجماعات المعارضة وبعض ميليشيات الجيش السوري الحر عن طريق الأراضي التركية والعراقية.
3-توفير الدعم والتغطية الجوية العسكرية لقوات المعارضة السورية، من خلال الدفع ببعض الخبراء العسكريين الأجانب، خاصة من جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، مصحوبين بعناصر وأفراد من المارينز والكوماندوز للعمل مع قوات المعارضة المسلحة في الأراضي السورية المستهدفة، بالإضافة إلى استخدام القوات الجوية الأجنبية في عمليات الاستطلاع الجوى على الأراضي السورية، وتوجيه قوات المعارضة لمناطق تمركز القوات الحكومية لتدميرها والقضاء عليها، علاوة على تدريب قوات الجيش السوري الحر على استهداف وتدمير القواعد، و التحصينات العسكرية القوية، بالإضافة إلى الاستيلاء على القواعد العسكرية الجوية النائية أو ضعيفة الحراسة والاستيلاء عليها ، بما يكفل الانتقال إلى تحرير مناطق ومدن سورية بالكامل، والحفاظ عليها .
ويتطلب هذا السيناريو من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا العمل على رفع كفاءة تدريب الجيش السوري الحر على استخدامه التكتيكات العسكرية الجديدة ، مما سيؤدي إلى ارتفاع فعالية عمليات الجيش، بالإضافة إلى مد قوات الجيش الحر بأسلحة أكثر تطورا لاستنزاف وتدمير القوات والمعدات العسكرية لنظام الأسد. كما يتطلب هذا السيناريو أيضا استعدادات لا يمكن إخفاؤها مثل نقل الطائرات التي ستنفذ عمليات الاستطلاع إلى المنطقة ، وعلى سبيل المثال إلى قبرص وتركيا واليونان، بالإضافة إلى تصعيد النشاط الاستخباراتي بالقرب من حدود سورية لتحديد أماكن وجود عناصر نظام الدفاع الجوي السوري.
4 - حرمان النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية(2)، حيث أدت ضراوة العمليات العسكرية بين القوات الحكومية وقوات المعارضة في سوريا إلى إثارة المخاوف من استخدام نظام الأسد لمخزونه الهائل من الأسلحة الكيميائية ضد قوات المعارضة. وقد تأكدت هذه المخاوف في 16 يوليو 2012 عندما حذر نواف الفارس - سفير سوريا السابق في العراق الذي فر أخيرا إلى الأردن - من أن النظام سيستخدم الأسلحة الكيميائية، إذا ما حوصرت قواته، وأصبح عاجزا عن كبح الهجمات العسكرية لقوات المعارضة.
ودفعت هذه المخاوف إلى المطالبة باتخاذ إجراءات للتعامل مع هذا التهديد ، خاصة أن برنامج الأسلحة الكيميائية السوري يشمل آلاف قذائف المدفعية الأنبوبية والصاروخية الممتلئة بمواد مسببة للبثور شبيهة بغاز الخردل، إلى جانب آلاف القنابل المليئة بغاز الأعصاب "السارين" وربما غاز "في إكس"، فضلاً عن رءوس حربية من ذات النوع الثنائي والعنقودي المليئة بغاز الأعصاب، والمحملة في جميع أنظمة الصواريخ الرئيسية لديها، كما يعتقد أن البنية التحتية لأسلحتها الكيميائية تشمل العديد من منشآت الإنتاج ومواقع تخزين متعددة، معظمها متفرق في النصف الغربي من سوريا.
ومن البدائل والخيارات التي تفكر الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل وتركيا في اتباعها لحرمان نظام الأسد من استخدام مخزونه من الأسلحة الكيميائية:
- قيام إسرائيل والولايات المتحدة ودول معنية أخرى بمنع تسرب الأسلحة الكيميائية أو استخدامها عن طريق شن غارات جوية على مخابئ هذه الأسلحة (لمنع الوصول إلى المنشآت أو تدمير الذخائر). غير أن هذا الخيار يستلزم تحييد الدفاعات الجوية السورية التي تزيد من تعقيد تلك المهمة التي هي صعبة بالفعل، نظرا لاحتمال تدمير الغارات الجوية أعداداً كبيرة من ذخيرة الأسلحة الكيميائية السورية، وبالتالي انطلاق بعض العناصر الكيميائية في الهواء، مما سيعرض حياة المدنيين في المناطق المجاورة للخطر .
- الدفع بالجنود على أرض المعركة، يعد هذا البديل الأكثر انتظاماً وقبولا، حيث إن السبيل الأفضل لمنع تسريب أو استخدام الذخيرة هو الدفع بقوات العمليات الخاصة ، والقوات التقليدية للاستيلاء على منشآت الأسلحة الكيميائية المعرضة للخطر وتأمينها. وقد يتطلب ذلك - اعتماداً على مدى الجهود ونطاقها - الدفع بآلاف- إن لم يكن عشرات الآلاف- من الجنود، وإجراء عمليات استخباراتية واستطلاعية ، فضلاً عن عمليات المراقبة والدعم الجوي الكبيرة، يصل، وفقا لواضعي خطط وزارة الدفاع الأمريكية، إلى نحو الخمسة وسبعين ألف جندي ، ويجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد المتمردين وقوات النظام على حد سواء، علاوة على أن تكون قادرة على العمل في بيئة ملوثة، فيما إذا قامت قوات النظام بقصف مواقع الأسلحة الكيميائية من أجل تعقيد مهمتها.
- الردع والاحتواء : يتعين على الولايات المتحدة أن تقنع نظام الأسد بأن استخدام الأسلحة الكيميائية سوف يغير قواعد اللعبة، وقد يؤدي إلى تدخل عسكري دولي فوري ، كما يجب على الولايات المتحدة أن تواصل العمل مع جيران سوريا من أجل إحكام السيطرة الأمنية على الحدود، وضمان عدم تسرب الأسلحة الكيميائية إلى خارج سوريا، وما يشمله ذلك الاستعداد من دعم الجهود العسكرية للحلفاء لمنع التسريب المنظم للذخائر الكيميائية إلى خارج سوريا.
ثانيا- تداعيات التدخل العسكري في سوريا على المنطقة:
لا شك فى أن التطورات المستقبلية القريبة للصراع القائم في سوريا بين نظام الأسد والمعارضة المسلحة في سوريا سيكون لها العديد من العواقب والتداعيات على التوازن العسكري الإقليمي بين الدول العربية وإسرائيل من جهة ، وعلى إمكانات وقدرة الدول العربية على مواجهة المشكلات الأمنية الداخلية من جهة أخرى، علاوة على بروز فرص وخيارات جديدة، ينبغي على الدول العربية التفكير فيها، والسعي الجدي لتطبيقها لوقف الخلل في التوازن الاستراتيجي بينها وبين الدول غير العربية في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- استمرار الخلل في التوازن العسكري في المنطقة لصالح إسرائيل، إذ تذهب توقعات المراقبين إلى أن الثورة الليبية والثورة السورية وما تلاها من انهيار القوة العسكرية في البلدين، وصعوبة،إن لم يكن استحالة، استعادتها لذات قدراتها وكفاءتها القتالية التي كانت عليها في مرحلة ما قبل هذه الثورات، علاوة على انغماس القوات المسلحة المصرية في عملية القضاء على جيوب الجماعات الإرهابية في سيناء - قد ضمنت هذه التطورات جميعها لإسرائيل تفوقا عسكريا واضحا على كافة جيرانها، مما يفضي إلى تراجع أو تجميد فرص السلام في الشرق الأوسط لمدة طويلة تصل لنحو خمس سنوات.
وقد دفع ذلك بعض الخبراء إلى القول باتجاه إسرائيل إلى رفضها التام للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في سوريا ولبنان وفلسطين، وبالتالي الضغط على دول المنطقة بالقوة ، خاصة بعد تقليص سوريا – في ظل الظروف التي تمر بها حاليا - لمساعدتها العسكرية لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان، مما يسهم- وفقا لمائير داجان، الرئيس السابق ل"الموساد"، في تبديد التهديدات العسكرية العربية عن إسرائيل لثلاث أو خمس سنوات قادمة، حيث أسهمت النتائج العسكرية لهذه الثورات في إبعاد الخطر العسكري عنها(3). علاوة على انشغال الحكومة المصرية – صاحبة القوة العسكرية العربية الوحيدة التي تتقارب من حيث الكم والنوع، تسليحاً وتجهيزاً وتدريباً، مع نظيرتها الإسرائيلية- في المستقبل القريب والمدى المتوسط في توفير حلول لأزمتها الاقتصادية.
في ظل هذه الظروف، لم يكن من المستغرب قيام حكومة نتنياهو بزيادة مخصصات الإنفاق العسكري في عام 2012 بنحو ثلاثة مليارات شيكل إضافية، أي 780 مليون دولار، وبنسبة 6 % عما كانت عليه في عام 2011 ، والتي وصلت لنحو 50 مليار شيكل ( نحو 12 مليار دولار)، متحدية بذلك النداءات المطالبة بخفض الإنفاق، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة(4).
2- تدفع التطورات العسكرية في سوريا وفي الصراع الغربي مع إيران إلى عدم اقتناع قادة إسرائيل بفكرة التخلي عن الأسلحة النووية، بعد انهيار النظم الاستبدادية في كل ليبيا وسوريا ومصر، نظراً لحاجة إسرائيل- من وجهة نظرهم- للسلاح النووي للحفاظ على ما تم التوصل إليه بالسلام، بالإضافة إلى تهديدها من جانب بعض دول المنطقة، مثل إيران، التي يتعاظم التهديد الأمنى والعسكري في ظل استمرارها في برنامجها النووى، أو للمحافظة على التوازن الإقليمي مع دول أخرى مثل تركيا ومصر ودول الخليج، خاصة السعودية، من وجهة النظر الإسرائيلية(5).
ولا يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية سترغب في ممارسة أية ضغوط على إسرائيل لإنشائها منطقة خالية من الأسلحة النووية، وهو ما يتناقض مع موقفها من دول أخرى في المنطقة مثل إيران، بل وموقفها من مناطق أخرى من العالم، مثل كوريا الشمالية، مما يتعين معه على الدول العربية، خاصة الكبرى منها، لاسيما السعودية ومصر، اتخاذ خطوات عملية لتدعيم وتفعيل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، خاصة في مجالات تحلية المياه، وإنتاج الكهرباء، وضرورة أن يصاحب ذلك برنامج لتطوير التعليم والبحث العلمي والتنمية التكنولوجية، وبما يفضى إلى توطين التكنولوجيا النووية السلمية لتحقيق بعض التوازن مع القوة النووية الإسرائيلية، ويسهم في إيجاد التوازن في المعرفة النووية – التي تشكل أحد أهم الأبعاد في مسألة التوازن الاستراتيجي بين إسرائيل والدول العربية- عند الاتفاق على إخلاء المنطقة من البرامج النووية.
3- تغير مضمون بعض التهديدات الأمنية التقليدية، وتغير الوزن النسبي لأهميتها ، حيث لا تزال التهديدات التقليدية للأمن القومي للدول قائمة، ومنها ما هو خارجي، وما هو داخلي. إلا أن الجديد في هذا الشأن- بعد الثورات العربية في كل من ليبيا واليمن وسوريا - يتمثل في التداخل الواضح بين المصادر الداخلية والخارجية لهذه التهديدات، وتغير محتوى الكثير منها. فليس من الضروري أن يتم الاختراق الخارجي لحدود الدولة بالقوة العسكرية لإلحاق خسائر وأضرار استراتيجية بها، وإنما يمكن تحقيق ذلك بأساليب وطرق مختلفة لإثارة القلاقل، وإشعال أعمال العنف والتخريب، والإخلال بالاستقرار الداخلي، والتشويه المتعمد للصورة الذهنية للنظام السياسي، والتشكيك في مصادر شرعيته، وذلك في محاولة للوصول إلى إبراز جوانب الضعف التي قد تكون غير قائمة على أنها دليل على فشل الدولة في القيام بمهامها الأساسية تجاه مواطنيها.
4- تنامى التهديدات الداخلية في الدول العربية في مرحلة ما بعد الثورات، خاصة في ليبيا ومصر وسوريا، وذلك اعتمادا على إعادة الهيكلة والتكييف التي تجرى في هذه المجتمعات، وفقًا لقواعد وأسس جديدة تتلاءم مع متطلبات ما بعد الثورة ، وهو ما ينتج عنه، وفقًا للخبرة التاريخية البشرية، إلحاق أضرار بأعداد كبيرة من البشر الذين يقعون ضحية لهذه التغيرات، الأمر الذي يجعل منهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، وبأشكال وصور مختلفة، وبدوافع متباينة. فإذا ما أضيف إلى ذلك المصادر التقليدية الداخلية لتهديد الأمن، كسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والخلافات الإثنية والعرقية والدينية والمذهبية، فإن ذلك يفسر الازدياد الواضح للأهمية النسبية لمصادر التهديد الداخلي للأمن القومي، خاصة مع زيادة وكثافة انتشار السلاح غير الرسمي في أيدي المواطنين، كما في ليبيا ومصر، وبما يهدد سيادة الدولة على أراضيها(6).
لذا، فإن التحدي الأكبر أمام حكومات ليبيا ومصر واليمن وسوريا، في مرحلة لاحقة، هو جمع هذه الأسلحة من المواطنين، وإعلاء سيادة وتطبيق القانون على جميع المواطنين بدون تمييز، واحترام حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
*من رضا محمد هلال - استاذة علوم سياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.