منذ ما يقارب نصف قرن واليمن تعيش في صراع وحروب تحت مسميات مختلفة ، ومع كل هذا الصراع والفوضى يعيش الشعب اليمني حالة من الهدوء والسكينة ، فاليمني مخزن ومفتهن لا يبالي بالوضع همه حق القات ، ويعتبر نفسه قد ملك الدنيا إذا طلّع راشن الشهر ( الدقيق والزيت والأرز والسكر والبسباس الأحمر وطماطم المدهش ) ، وعندما يأتي بهذه المواد ويسمع عن رفع الأسعار بعدها بيوم ، يقول : بلا مبالاة خلها تحبل بربح طلعت راشن الشهر ، ويقرح معه القات ، لأنه طلّع الراشن قبل رفع الأسعار ، وعندما تسأله ، وكيف من الشهر القادم ؟ يقول : با يحلها ربك ... خلنا نخزن ونفتهن . إنه بالفعل شعب متوكل على ربه ولا يبالي بحكومة ولا غيرها ، لأنه شعب حكيم ، حكمته في الحياة : من خازوق إلى خازوق نسم ، أي من شهر إلى شهر متنفس وستتغير الأحوال ، ويأتي الشهر الثاني ويسمع البشارة من زوجته وهي تقول له : لا تطلع راشن عاده با يكفينا الراشن الذي طلعت الشهر السابق هذا الشهر أيضاً ، ويذهب ويخزن ويفتهن ويضحك ويعود إلى بيته سعيداً ، وينتهي الشهر ويحلها ربك لليمني الذي لا يملك في هذه الدنيا إلا راتبه ، ولكنه بحق شعب متوكل على الله ، فيرزقه الله كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطاناً .
إن الغالبية العظمى من اليمنيين سعداء على الرغم من فقرهم الشديد ، فاليمني لا يبالي بالمرض فعلاج السعلة عنده في البيت كركم مع قليل سكر ويتعافى المريض ، والجرح علاجه قشر الرمان ، فاليمني أكثر أدويته معه في البيت . لقد كرم الله هذا الشعب بدعوة نبيه له بالبركة ، فراتب الشهر يكفيه الشهر والشهرين والثلاثة ، فهو الشعب الذي يتمتع بكل ما يتمتع به الأغنياء فهو يشرب الحساء ( المرق ) مثلهم ، ولكنه حلال زلال واحد ماجي مع قليل من البهارات وتطلع مرقة ولا أفضل منها مرقة في العالم ، أما فاكهته فنكهة التفاح أو البرتقال أو الأناناس ، ويشربها ويحمد الله على هذه النعمة ، إنه الشعب الوحيد في العالم الذي يعاني من الفقر ويحمد الله ، لأن الغنى عنده ( لقيمات يقمن صلبه ) فالشعب اليمني شعب سعيد في بلاد مخبوطة .