الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    ليفاندوفسكي يقود التشكيل المتوقع لبرشلونة ضد فالنسيا    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة بحثية : تجربة الدولة اليمنية في مواجهة ‘‘أنصار الشريعة‘‘
نشر في عدن الغد يوم 17 - 10 - 2012

انطلاقا من ايمان صحيفة "عدن الغد"بأهمية الدراسات والابحاث السياسية التي تتناول ظواهر سياسية واجتماعية عامة تقدم الصحيفة دراسة بحثية للباحث "عوض بن عوض القيسي" تتطرق إلى جهود الحكومة اليمنية في مواجهة (أنصار الشريعة )في الجنوب .
ولاهمية الدراسة تنشر صحيفة "عدن الغد" نص الدراسة متمنية ان تلاقي حظها من الدراسة والمتابعة من قبل الباحثين .
دراسة بحثية : تجربة الدولة اليمنية في مواجهة ‘‘أنصار الشريعة‘‘

الباحث : عوض القيسي
إن الناظر في تجربة الدولة اليمنية في المواجهات مع أنصار الشريعة ليرى أنها قد استعملت إجراءات وتدابير مستوحاة من النظريات الغربية التي تصنف تحت مسمى مكافحة التمردcounter-insurgency.
والتمرد insurgencyوفقا للأدبيات العسكرية الغربية يشمل أي خروج مسلح ومنظم على سلطة حاكمة محلية أو استعمارية للتخلص منها و إحلال سلطة بديلة عنها ينشئه المتمردون.
أما مكافحة التمرد counter-insurgencyفتعرف بأنها "مجموع التدابير العسكرية وشبه العسكرية و الاقتصادية والنفسية والمدنية التي تتخذها سلطة حاكمة لهزيمة التمرد".
والتدابير- كما رأينا من التعريف – تتنوع على صعد عدة غير الصعيد العسكري. ويجب أن تكون متناغمة معه حتى تأتي بغايتها المنشودة.
لكننا سنكتفي هنا بمناقشة الصُعد الأمنية و العسكرية والإعلامية, فأما الصعد السياسية فقد تكفلت الإدارة الأمريكية والدولة السعودية بالعزل السياسي التام لتنظيم القاعدة من زمن قديم وظلوا على ذلك إلى يومنا. وقد يسر لهم ذلك ما قامت به القاعدة من أعمال كانت تظاهر بها في العلن. و أما التدابير الاقتصادية فسنضرب عنها صفحا لأنها لا يكاد يصل منها إلى العلن شيء يمكن لنا أن نتناوله.
و نشير هنا إلى الجهود التي بذلتها الإدارة الأمريكية في العالم أجمع وما شنت من حملات إعلامية و استخبارية وعسكرية قد نجحت في ترهيب معظم الناس من التحالف مع القاعدة ,بل جعلتهم ينفرون منها لخشيتهم من عواقب الاتهام بالإرهاب.
وعلي أن أشير قبل البدء في عرض جهود الدولة في مواجهة "أنصار الشريعة" إلى أن ما قدمته هنا ليس بالدراسة المستوفية للمصادر والمراجع لكنها مقاربة موضوعية لم ألُ جهدا في التدقيق في صحة معلوماتها والبعد عن الإسراف في الاستنتاجات المبنية على نظرية المؤامرة دون تقديم أدنى برهان, و تحاشيت في أسلوب كتابتها أساليب الدعاية التي تطفح بالإثارة في الألفاظ المستعملة وبالاستنتاجات التي لا تبني على مقدمات منطقية ثم تدعي أن ما جاءت به هو الحق وما سواه هو الباطل, وأخيرا لست أدعي في ما قدمت من استنتاجات أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه لكنها عندي آراء صحيحة إلى أن يثبت عكسها.
وإليك الصعد التي سنتناولها :
أولا- الصعيد الاستخباري : و التدابير المتخذة على هذا الصعيد هي ما تتخذه الأجهزة الأمنية و الاستخبارية في الجمهورية اليمنية من تدابير رامية إلى وأد التمرد أو اختراقه لإضعافه .ومن هذه التدابير:
1- اختراق " أنصار الشريعة " بزرع المصادر البشرية التي تجمع المعلومات وتراقب الأشخاص وتحركاتهم وتبلغ عنهم أولا بأول.
2- المداهمات الليلية لبيوت أعضاء التنظيم والاعتقال لمدد طويلة تصل إلى أربع سنوات دون محاكمة.
والجلي من أمر المداهمات الليلية أن المقصود منها ترويع لا المعتقل وحده بل المتعاطفين مع التنظيم أو غيرهم ممن يخشى أن يميلوا إليه.وغاية هذا الترويع إحداث أثر رادع لدى الناس لكي لا ينضووا تحت جناح أي تنظيم يعادي السلطة الحاكمة. أما السجن الطويل فالمراد به فضلا عن سابقه تحطيم إرادة المعتقل حتى لا يعاود التمرد على السلطة الحاكمة. وهذان الإجراءان لا شك أن لهما أثر رادع في كثير من الناس لاسيما الناظرين. لكن من تعرض لمثل هذه الإجراءات القاسية والمخالفة للقانون اليمني تختلف استجاباتهم فمنهم من يخرج من السجن وفي نفسه نقمة شديدة على السلطة القائمة و لا سيما موظفو الأمن, لشعوره أنهم ظلموه وأهانوا كرامته ودنسوا حرمة بيته دون أن يصدر منه شيء يستحق عليه ذلك برأيه .وهذه الحالة أكثر ما تكون حدة عند من سيقوا إلى السجن للاشتباه ولم يكن لهم ضلع أو من كان يريد الذهاب إلى العراق, فهؤلاء يرون أنهم لم يخالفوا القانون فعوقبوا على لا شيء.لذا يزداد في نفس صاحب هذه الحالة الحقد وتشحذ أيام السجن في نفسه الرغبة في الانتقام وسرعان ما يقتنع بمقولة "كفر الحكام وأعوانهم من رجال الأمن", ومن داخل السجن تبدأ رؤية استحلال دم العسكر. يقول أحد كتاب مجلة صدى الملاحم واصفا حال أحد معتقليهم بسبب محاولة ذهابه الى العراق : "ولقد ابتُلي وعُذب في سجونهم صابراً محتسباً، ومكث عندهم قرابة الشهرين والنصف (يقصد السوريين),ثم سُلم إلى اليمن ليكمل مسيرة البلاء في سجون الأسود العنسي والتي مكث فيها قرابة السنة والسبعة أشهر وفي هذه السجون تعلم عقيدة الولاء والبراء وعرف حكم الطواغيت الحاكمين لبلادنا بغير ما أنزل الله والموالين لأعداء الله وحُكم أعوانهم من المرتدين فصبر في تلك السجون ولم تتخلخل عقيدته بل ترجمها عملياً فكان شرساً على أعداء الله لا يخاف في الله لومة لائم ... فما زاد بعد خروجه إلا إصرارا و ثباتا على المواصلة لهذه الطريق ونصرة الإسلام والمسلمين".
وأساليب المداهمات الليلية لبيوت فيها عائلات في المجتمع اليمني الذي يمقت هذا التصرف ويعده تدنيسا للبيوت, والسجن دون محاكمة لم تُجدِ الدولة نفعا بل أخرجت أشد المحاربين صلابة للحكومة, يقول احد كتاب مجلة "صدى الملاحم" واصفا بعبارات موتورة ما كان يمارسه الأمن السياسي ضدهم : " فكم أسروا من الأبرياء, و كم قتلوا تحت سياط وحشيتهم وعذابهم من الأخيار, وآلاف المظلومين و المكلومين الذين وضعوا في الأقفاص ينالهم أذى السجان، و تسلب منهم حريتهم، ويحرمون
من أبسط حقوقهم كم من عجوز مكلومة في ابنها , و كم من أرملة تشكو قتل زوجها أو تيتيم عيالها...وكم من شيخ مسن حرم من ابنه لا يجد إلا الدعوات يستمطر بها النصر من ذي الركن الشديد, و كم بيت داهمه هؤلاء الأنذال وانتهكوا حرمته".
وهذا الإجراء أفرز أيضا لدى القاعدة رغبة عارمة في الانتقام و تدابير مضادة تتمثل في الحملة المستمرة للقتل المستهدف لضباط الأمن وأفراده الناشطين في الحملة على "أنصار الشريعة". يقول أحد كتابهم متوعدا من سماهم "العصابة المرتدة" في معرض حديثه عن الإغارة على مبنى الأمن السياسي في عدن عام 2010: "هل تذكرون كلام شهيدنا شامل الصنعاني –رحمه الله- : تبايعنا على الموت، وتعاهدنا على الشهادة في ديارنا، والجهاد في أرضنا، و وعدٌ علينا أن نكدر عيشكم، وعارٌ علينا أن تعيشوا آمنين، ولن تحلم أيها العنسي و لا أنتم يا آل سلول ولا عبيدكم وأذنابكم بالأمن والأمان حتى يعيشه إخواننا المطاردين على أرض الجزيرة".

3- الاستئناس: وهذا يكون بالتلطف بالمساجين وتقديم المغريات المالية وإيجاد الأعمال التجارية لهم التي ستشغلهم عما كانوا فيه.
وهذا التدبير كان ناجعا في الماضي وأثبت نجاحه مع تنظيم الجهاد وتنظيم "جيش عدن أبين".

ولا شك أن هناك تدابير أخرى على الصعيد الاستخباري لكنها لا تصل إلينا لما ضرب حولها من الأستار الكثيفة,لذا سنتجاوزها حتى لا نلج في باب التكهنات.

ثانيا- الصعيد العسكري: تتسم التدابير المتبعة على الصعيد العسكري باستخدام القوة العسكرية مباشرة لإدارة الصراع وتفتيت قوة القاعدة,أو ضرب المناطق السكانية التي يتواجدون فيها لخلق بيئة طاردة لهم.وتتنوع هذه الٍتدابير من حيث الأهداف والوسائل, وإليك إياها:
1-المواجهة العسكرية المباشرة: حدثت المواجهات العسكرية المباشرة مع أنصار الشريعة في محافظة أبين في الكود وزنجبار والحرور ولودر.وقد استمرت المعارك في المنطقتين الأولى والثانية ما يربو على سنة. وقد دخلت القوات الحكومية في المواجهات بعد استيلاء "أنصار الشريعة" على زنجبار والكود في 23/5/2011. وكان المراد فيما يبدو وقف توسع"أنصار الشريعة" نحو عدن ولحج ثم تحطيم قوتهم والقضاء المبرم عليهم بواسطة المعارك والقوة النارية الهائلة التي تمتلكها القوات الحكومية فضلا عن الإسناد الجوي من سلاح الطيران السعودي ومن الطائرات الأمريكية دون طيار ثم في المرحلة الأخيرة حًكي عن إسناد بنيران القطع البحرية الأمريكية والبريطانية. وقد ظل أسلوب المواجهة المباشرة عديم الجدوى لما يقرب من سنة وفشل في تدمير قوة القاعدة الرئيسية حتى بعد أن بدأ بالنجاح وبدأت آثاره بالظهور في مايو و يونيو عام 2012مع انسحاب قوة القاعدة المهاجمة للودر بعد خسائر يقال أنها فادحة في الأرواح وبعد اشتداد الهجمات عليهم في جبهات أبين الثلاث (الحرور والكود وزنجبار).
ويبدو أن "أنصار الشريعة" بعد اشتداد وطأة المعارك في دلتا أبين بتكثيف القصف الجوي والمدفعي وبفتح جبهة الحرور وتشديد الخناق عليهم بواسطة "اللجان الشعبية" والحرس الجمهوري المتقدمين من جهة لودر إلى العرقوب نحو شقرة قد أدركوا أن هناك مناورة لتطويقهم استراتيجيا في الدلتا تبدأ بعد الاستيلاء على شقرة بقطع خط الإمداد القادم من عزان وتنتهي بعد وضعهم بين فكي كماشة طرفها الشرقي في وادي حسان وطرفها الغربي في الكود ووادي بنا وحينها سيستنزفون بهجمات مستمرة من جميع الجهات ستجبرهم على استنفاد ذخيرتهم و محروقاتهم و مؤونتهم وموادهم الطبية دون أن يستطيعوا إعادة الإمداد والتموين, وفي النهاية سيقع الأحياء منهم في الأسر وتكون هزيمتهم مدوية. لذلك يبدو أنهم اتخذوا قرار الانسحاب الاستراتيجي من الدلتا وشقرة و أسموه "انحيازا" أي تحيز الفئة التي في أبين إلى غيرها. ومن وجهة نظر عسكرية صرفة بعيدة عن الأساليب الدعائية التي أظهرت الحدث في وسائل الإعلام كأنه هزيمة ماحقة و أنه قد تم القضاء على "أنصار الشريعة" تماما في أبين كان قرار الانسحاب ذكيا و ينبي عن حنكة عسكرية لدى قادة هذه الجماعة, حيث أن الانسحاب حد من وقوع عدد كبير منهم في الأسر والقتل لو أنهم ظلوا جامدين, و حال دون تحقق الهزيمة الماحقة التي رامها من وضع خطة التطويق الاستراتيجي.
وقد نجحوا في تأمين سحب قوتهم سالمة باتجاه منطقة "ضِيقة" التي ينبي اسمها عن حقيقتها و ينبي تاريخها المنسي عام 94 عن هول القتال فيها.
أما أسباب فشل الحسم العسكري لما يقارب السنة فلا يعود إلى حظوة "أنصار الشريعة" بتفوق في الأعداد والعتاد بل هم على خلاف ذلك ,لكن تفوقهم في المعارك في المرحلة الأولى من الحرب يعود في رأي الكاتب إلى الأسباب الآتية:
أ‌-ضعف مستوى التدريب والتأهيل لدى ضباط الجيش وأفراده. فمعظم هؤلاء لا يجيدون استعمال الأسلحة التي لديهم وليس لدى ضباطهم معرفة بالتكتيك العسكري ولاسيما التكتيكات المضادة للعصابات. لذلك إن استعملوا القصف الناري الكثيف بددوا قوتهم النارية في غير طائل وإن تقدموا في هجوم كان الجنود والدبابات هدفا يسيرا للقناصة وصائدي الدبابات.
يقابل ذلك عند "أنصار الشريعة" إتقانهم استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من بنادق آلية ورشاشات وبنادق قنص وقنابل ومتفجرات تستخدم ضمن تكتيكات مبتكرة, فضلا عن الهاون الذي جعلوا منه سلاحا فتاكا بسبب دقة تهديفهم به, وعليه يعتمدون في صد الهجمات القوية لمشاة الجيش.
أما تكتيك "أنصار الشريعة" في نشر قوتهم فيبدو شديد البساطة والفاعلية كذلك . ينشرون قوتهم الصغيرة في الدفاع على شبه أنساق رقيقة وبالعمق على عدة نقاط على الطرق الرئيسة وبجماعات صغيرة لا تزيد عن العشرة فيما يُرى من تمركزهم حين كانوا يسيطرون على الأرض في جبهة الكود, فضلا عن بعض المفارز الصغيرة التي كانت توضع على الأجناب تحسبا لأي مناورة التفاف. وكانوا يبالغون في انتشار هذه الجماعات حين ينشط القصف المدفعي أو الجوي. وهذا التكتيك يؤمن الحماية الكافية من القصفين الجوي والمدفعي لأن انتشار مقاتلي "أنصار الشريعة " بالعمق مع قطع مدفعية قليلة العدد للجيش يجعل نيرانها مشتتة إن حاولوا أن يصلوا بها إلى كل أهدافهم ,إذ من المستحيل - مع هذا الانتشار للمقاتلين- إيصال القذائف إلى كل فرد منهم على حدة. وما يصل من قذائف فإنها تصيب أو تقتل فردا أو اثنين على الأكثر. وانتشار قوة "أنصار الشريعة" بالعمق بأنساق رقيقة جدا يوحي بيسر اختراق مواقعهم , لكن الجانب الآخر لهذا الترتيب القتالي–لاسيما إن علمنا أن الجيش لا يستطيع القتال خارج الطرق الرئيسية غالبا - هو الحركية العالية لكافة أنساقه التي تتقارب و تتضام إن اقتضت حاجات صد الهجوم ذلك, وللتكتيكات الخداعية التي توهم المهاجمين بكثرة المدافعين, وللاحتياط المتحرك الذي يبقى خارج ميدان المعركة ويظل متأهبا لتعزيز أي موقع يواجه موقفا تكتيكيا حرجا.وبذا يُضمن تشكيل جبهة قوية تصد القوة الزاحفة.
ب‌- يمكننا أن نستنتج من سوء الأداء الشديد للجيش في أبين أنهم لم يتمكنوا من تكوين رصيد تراكمي من الخبرات القتالية في مواجهة حرب العصابات برغم العدد الكبير من المعارك والحروب الستة التي خاضها الجيش في صعدة. ولنا أن نستنتج أيضا من أداء "أنصار الشريعة" أنهم قد كونوا رصيدا تراكميا فعالا من الخبرات القتالية الفردية والجمعية خلال مسيرة تنظيمهم الطويلة في أفغانستان والشيشان والعراق والصومال وأخيرا اليمن ويسند هذا الرأي أن "أنصار الشريعة " على قلتهم تمكنوا من طرد الجيش من مواقع كثيرة كان يسيطر عليها وتمكنوا حتى آخر يوم لوجودهم في الجبهات في أبين من منع الجيش من إحداث أي خرق أو تقدم فعال في جبهتهم واستطاعوا حين الانسحاب أن يؤمنوا الانسحاب من خطر المطاردة بل وحتى من القصف الجوي. وهو أمر لم تتمكن منه قوات نظامية كالجيش المصري حين انسحابه من سيناء عام 1967 والجيش العراقي حين انسحابه من الكويت عام 1991 حيث فتكت بهم الطائرات فتكا ذريعا.
و يبقى للجيش إنجاز وحيد هو نجاحه في منع تقدم "أنصار الشريعة" نحو عدن والاستيلاء عليها.
ج - انتشار الخور والجبن وضعف الروح القتالية وانعدام روح الفريق لدى قطاعات الجيش. ويمكن استنتاج ذلك من الحالات التي كثرت وتواترت بها الأخبار عن الانسحابات والهربات والاستسلامات الجماعية دون أوامر من قبل أفراد الجيش وأحيانا ضباطه "لأنصار الشريعة". و السبب في ذلك بحسب رأينا انعدام أي جهود حقيقية لشُعب التوجيه المعنوي مما يبدو أنه أدى إلى فقدان العسكري للشعور بعدالة الحرب التي يخوضها,فضلا عن شعوره أن قيادته العليا العسكرية والسياسية تراه شيئا يمكن الاستغناء عنه و استبداله إن قتل أو أسر, ولا تعول على تحسين ظروف حياته المعيشية ويضاف إلى ذلك الفساد المتفشي في الجيش الذي يقضم جزء من المخصصات الضئيلة للجنود. كل هذه الأمور مثبطة ومحبطة بل ومدمرة لروح القتال عند أي عسكري في حرب ضروس. وحتى لا تكون استنتاجاتنا هذه رجما بالغيب فإننا نستشهد بحادثتين فأما الأولى فما رواه المقدم عباس البغواني ركن التوجيه المعنوي للواء 111 في لودر لمندوب صحيفة الشارع حيث قال: "إنني حين هاجمت وزملائي مقاتلي القاعدة في محطة الكهرباء وجدنا مقاتلين أحدهما صومالي والثاني باكستاني وقفا أمامنا بصمود كأنهما صبة خرسانية, لم يوليا الأدبار رغم أنهما في وطن غير وطنهما,أما نحن فالجندي سرعان ما يولي هاربا. إن الإهمال وعدم الاهتمام به كمقاتل هو السبب وراء هروبه من أرض المعركة .... إن هذا الشخص الذي وصل إلى الجبهة أصبح الموت يتربص به ويجب أن تحسن معاملته وتوفر احتياجاته وخاصة في ظل ظروف هو يشعر فيها أن له مخصصات يأخذها غيره فلهذا سرعان ما ينسحب".
و أما الحادثة الأخرى فأسرى إغارة دوفس الذين هدد "أنصار الشريعة" بقتلهم فلم تكلف القيادة السياسية والعسكرية نفسها ببذل أدنى جهد لاستخلاصهم من الأسر حتى كادوا أن يفقدوا أرواحهم. هذا الأمر جعلهم يصرحون بعد إطلاق سراحهم بأنهم لن يعودوا إلى الجيش الذي تخلى عنهم.
على خلاف ذلك نجد أن "أنصار الشريعة" تنتشر عندهم الشجاعة والإقدام ويشعرون بروح قتالية عالية ورغبة عارمة في المواجهة لا للجيش اليمني فحسب بل للقوات الأمريكية. فالمقاتل لديهم يشعر أن لديه قضية يقاتل لأجلها وأن حربه عادلة. ومما يشد أزر المقاتل لدى هذه الجماعة أنهم يرون أمراءهم بجانبهم يقاسمونهم حياة السراء والضراء ويقتلون كما يقتل الأفراد العاديين. يقول أحد كتابهم : "أما السبب الثاني لتفوق المجاهدين أنهم مرتبطون مع بعضهم و بقيادتهم بارتباط روحي ووجداني وفكري وثيق جداً، فهم متحابون جداً فيما بينهم، ويفدي بعضهم بعضا ًبروحه، وقيادتهم كذلك تبادلهم الحب و الفداء، فلا نجد أن الأمير أو القائد يعطي الأوامر وهو في قصره بعيدا عن ميدان المعركة و جنوده يتجرعون المر كما هو الحال بالنسبة للعدو ...أما قادة المجاهدين فهم في الصف الأول دائماً، فها هو الملا عمر و الشيخ أسامة و الدكتور أيمن حفظهما لله ومن معهم من المجاهدين يقاتلون مع أفرادهم، ويعيشون نفس المستوى الذي يعيشه باقي الأخوة إن لم يكن أشد أحيانا، وكم من قيادات الصف الأول للمجاهدين استشهدوا؛ كالقائد أبي حفص المصري، و القائد خطاب، والقائد شامل باساييف و الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، و الشيخين أبي عمر البغدادي و أبي حمزة المهاجر ... "
ولا ننسى أن نذكر هنا أن جهود التعبئة العقائدية التي تبدأ من لحظة محاولة استمالة الفرد للدخول معهم تستمر وتتعدد أشكالها من حلقات قرآنية ومحاضرات و كتيبات ومجلات ومنشورات وأناشيد حماسية وعروض لأفلام جهادية وأجواء محرضة على القتال ومحقرة للموت في سبيل المبدأ ومرغبة للفداء كل هذه الأمور بعد أن يعبأ بها الفرد من "أنصار الشريعة" تجعله مقاتلا شديد الصلابة غير هياب لاقتحام الموت ينفذ ما يطلب منه فتكون النتيجة ما يرى من مآثره القتالية من جسارة في الهجوم وصلابة وثبات في الدفاع وروح الفداء في العمليات التي يقتلون فيها أنفسهم.
د- ومما أضعف خيار الحسم العسكري في أبين أن وحدات الجيش وكذلك القيادتين السياسية و العسكرية العليا كانت منقسمة على نفسها ويدب بينها الشقاق بل وتتربص بعضها ببعض. وتفتقر الوحدات في خط المواجهة إلى روح الفريق ويعوزها الولاء المفترض لمثل أعلى هو المصلحة العليا لأهل البلاد, ناهيك عما يمزقها من ولاءات مناطقية وطائفية وفئوية, بينما على الجانب الآخر تجد "أنصار الشريعة" يسودهم الانسجام الشديد على تنوع بلادهم وأعراقهم. ولعل ذلك يعود إلى العقيدة الدينية التي يطلقون عليها "الولاء والبراء" التي فيما يبدوا قد نجحت في صهر معتنقيها في قالب واحد.
ه- افتقار الجيش لوجود عقيدة عسكرية رسمية مكتوبة تعرف التمرد وتبين التدابير التي ينبغي اتباعها في حال مكافحته مما جعلهم يتخبطون بل ويتبعون تدابير إجرامية بحق المدنيين العزل الذين كانوا قاطنين في المناطق التي سيطر عليها "أنصار الشريعة".
4- نشر القوات في البؤر النشطة مثلما حدث في لودر في أغسطس 2010 عندما وقعت اشتباكات بين قوات للجيش والأمن المركزي مع القاعدة وأدت إلى مقتل أكثر16من الجنود, فأرسل اللواء 111 إلى لودر لتعزيز القوة العسكرية الصغيرة هناك.
يستنتج من هذا الفعل أن القيادة العليا آنذاك قد ظنت أنها بإرسالها قوة عسكرية بقوام لواء وبتهديدها بتدمير لودر على رؤوس ساكنيها ستنجح في التهدئة لكن ما حصل كان خلاف ذلك إذ أنها بفعلها قد أغرت المقاتلين من القاعدة وربما غيرهم باستهداف تلك القوات.
والمتتبع للتاريخ العسكري العام يجد أن هذا الأسلوب في مكافحة التمردات والثورات كان من أقل الأساليب جدوى في المواجهة مع الثوار والمتمردين في بلاد عديدة مثل فيتنام والجزائر وأفغانستان و العراق وفي اليمن الجنوبي أيام الكفاح ضد الاستعمار البريطاني وخصوصا في ما بات يعرف بمحافظة أبين اليوم. وتكون النتائج أسوأ لهذا الأسلوب حين يكون الخيار الوحيد ولا يردف بتدابير أخرى. إذ يغدو هذا الأمر مبتغى المقاتلين لأنه يشتت القوات, فيسعى المقاتلون إلى التكثير من البؤر الساخنة في أماكن متباعدة من البلاد لاستفزاز السلطة لتنشر مزيدا من القوات في أماكن متباعدة يكون من نتائجها تشتيت القوات, ثم في المناطق نفسها يمعن المقاتلون في أعمال من قبيل الإغارات والكمائن وينطلقون من أماكن عديدة فيضطرون القوة الحكومية أن تتوزع على هذه المواقع ويكون الأمر مزيدا من التشتيت للقوة والتضييع لأهم مبدأين من مبادئ الحرب وهما الحشد و الاقتصاد في القوى.وهذا ما حدث في مديرية لودر حيث وضعت قوة من اللواء 111 حول كهرباء لودر ثم تلة يسوف وهكذا بعد ضربات عدة وكمائن عدة بجانب جبل عكد عام 2010 وضعت كتيبتان هناك فانفتحت شهية القاعدة إلى مزيد من أعمال حرب العصابات من مناوشات ليلية بنيران البنادق ونيران الهاون على المواقع , ناهيك عن سيارات اللواء وعربات الحميضة التي كانت تنتقل بين مواقع الجيش في المديرية فقد أغرت مقاتلي القاعدة بنصب كمائن سهلة لاصطيادها, يعودون بعدها ولم يصبهم قتل أو جرح وقد غنموا من السلاح والآليات.
أسلوب نشر القوات وتشتيتها هو ما كان يسعى له مقاتلو القاعدة قبل الثورة الشبابية بسعيهم لاستفزاز الجيش وتشتيته في مناطق عدة شاسعة, إذ بهذه الوسيلة يضمنون تقطيع أوصال الجيش ثم إبادته بالتجزئة. يقول أحد كتاب مجلة صدى الملاحم : " ثم أنت من بعد ذلك ليس لك أرض محددة، بل كل الأرض لك، فعندما يهجم عليك العدو في أبين تضرب في صعدة، وعندما تتقدم عليك الحملات في شبوة تضرب في صنعاء، وعندما تشتد عليك الأمور في الضالع تكثف من الضربات في حضرموت، فيتمدد العدو على أكبر رقعة، وتنقل المعركة إلى وكر العدو، إلى حيث يكون أقوى وأكثر أمنا ".
هذه الأساليب القتالية البسيطة لدى القاعدة وأساليب أخرى مثل اختطاف العسكر واغتيالهم ورمي جثثهم على مقربة من المعسكرات وكذلك زرع الألغام المفجرة عن بعد ساهمت في انعدام الشعور بالأمن النفسي لدى العسكر وفي استنزاف روحهم القتالية لاسيما أن العسكر كانوا يتواجدون في أرض يشعرون بأنهم أغراب فيها ويسمعون من الناس صراحة دعوتهم إلى الرحيل منها والسبب في ذلك عائد إلى المظالم و الإساءات المتراكمة والتهميش السياسي وغيرها من الأمور التي أضحت تشكل اليوم لب القضية الجنوبية.
وهكذا ظل اللواء 111 يستنزف في رجاله و في روحه القتالية لأكثر من عام ونصف حتى إذا أزف اليوم الذي قرر فيه "أنصار الشريعة" الاستيلاء على لودر وهجموا هجومهم المباغت على مواقع اللواء 111 بجانب الكهرباء وفي تلة يسوف فر هؤلاء العسكر من مواقعهم ومن لم يسعه الفرار سلم نفسه وموقعه وسلاحه "لأنصار الشريعة", أما الذين كانوا من اللواء في الموقع الآخر من المدينة فقد لاذوا مع الفارين "باللجان الشعبية" التي اتخذت موقف الدفاع وتمكنت من صد هجوم "أنصار الشريعة" على أطراف المدينة الجنوبية.
إن تجربة لودر قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن أسلوب نشر القوات في البؤر الساخنة ثم الإمعان في توزيعها على المواقع أسلوب فاشل في مكافحة القوى المناوئة للسلطة بعد أن صار الجيش الذي جيء به إلى المنطقة للتهدئة وكان يأمل أعضاء "اللجان الشعبية" أنه سيدافع عنهم من أي هجوم عليهم صار عالة على اللجان وأهالي مدينة لودر.
5- العقوبات الجماعية لسكان المناطق التي يستولي عليها "أنصار الشريعة". هذا التدبير طبق في محافظة أبين في زنجبار و باجدار والكود, حيث قصفت منازل السكان العزل دون تمييز ودونما حاجة عسكرية مما أدى إلى تشريدهم .وحين تظاهر النازحون في عدن بعد ما يقرب من 10 أشهر ليضغطوا على الحكومة للسماح لفتح طريق أبين والسماح لهم بالعودة إلى مساكنهم تظاهرت السلطات بالقبول وسمحت لهم بالعودة ,لكن بعد ثلاثة أيام أعاد اللواء 25 قصفه لمنازل الساكنين بحسب إفادات من عاد من النازحين فاضطروا للعودة إلى عدن.
والغرض من هذا التدبير إيجاد رأي عام ناقم على "أنصار الشريعة" لاسيما حين يعزز بتدبير آخر هو ترويج الشائعات التي تتهم هؤلاء أنهم من تسبب في خراب الديار و تشريد الأسر لأنهم يرمون من بين البيوت.
هذا الأسلوب- كما رأى الكاتب وعاين من أثاره بين الناس – من أكثر الأساليب فاعلية في أثارة الرعب لدى عامة الناس من الموت والخراب والتشريد ومن أكثرها إثارة للسخط في قلوبهم على " أنصار الشريعة ", بل إن هذا التدبير قد جعل أناسا من المتعاطفين معهم ينقلبون ساخطين ويعدونهم سببا في الدمار والتهجير الذي حصل في أبين. ويبدوا هذا التدبير من وجهة نظر عسكرية صرفة بعيدة عن الوازع الديني والأخلاقي تدبيرا ناجعا في خلق بيئة طاردة للقاعدة, لكنه من ناحية أخلاقية عمل مُجرَّم في كل الشرائع السماوية والأرضية, بل ويعد فاعله في القانون الدولي مرتكب لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولا ننسى هنا أن الجيش الذي يقوم بهذه الجرائم أكثر أفراده من المحافظات الشمالية ويدمرون مدنا جنوبية ويشردون أهلها ويقتلونهم, و لم يسلم من قصفهم مسجد أو مستشفى. لذا فالعاقبة ستكون تعميقا للشرخ في اللحمة الوطنية و مزيدا من الحقد المناطقي والطائفي الذي ستظل جذوته متقدة لسنين طويلة, ولا يعلم أحد ما الوجهة التي سيتجه إليها هذا الحقد ولا كيف سينفجر. فضلا عن ذلك فإن قسما من الناس الذين مسهم الأذى تكون ردة فعله معاكسة لما يراد, إذ إن كثيرا منهم بعد أن يرى بلاده تدمر وأهله يقتلون ويشردون وبعد أن يمتلئ قلبه حقدا على الجيش وحين يسمع الخطاب الدعوي التحريضي ل"أنصار الشريعة" الداعي للثأر من الجيش لما يرتكبه من جرائم بحق الآمنين و أن " أنصار الشريعة" جاؤوا لنصرة المسلمين والقصاص للمظلومين من الظالمين" يجد هذا الخطاب في نفسه قبولا كبيرا فينضم إليهم لينتقم من الجرائم التي وقعت على أهله وبلده.
6- المجازر الجماعية للسكان الأبرياء من رجال ونساء وأطفال. وقد حدث هذا مرتين فأما أحدثهما فمجزرة أهالي الصبول في السيارة التي كانت تقلهم على طريق رداع التي راح ضحيتها ثلاثة عشر قتيلا وعددا من الجرحى و التي في ما يبدوا أن غرضها كان إثارة نقمة أهالي الضحايا على بعض آل الذهب الذين كانوا يؤوون جموعا من " أنصار الشريعة " و أما أولاهما فمجزرة المعجلة في محافظة أبين في 17/12/2009. وقد ذهب ضحية هذه المجزرة قرابة الستين معظمهم من النساء والأطفال, ولم يقتل من تنظيم القاعدة إلا رجل واحد يُكنَّى بأبي صالح الكازمي. وقد حدثت هذه المجزرة بستة صواريخ توماهوك ذات رؤوس تحوي قنابل عنقودية, وقد انطلقت فيما نرجح من البوارج الأمريكية في بحر العرب, ونرجح كذلك أنها لقِّمت بمعلومات جاءت من الأجهزة الأمنية اليمنية. وكانت المجزرة برضى القيادة السياسية العليا لليمن آنذاك , وكانت المجزرة مقصودة كما ظهر من وثائق ويكي ليكس وكما بدا من كلام رشاد العليمي الذي ظهر ثاني أيام المجزرة مهددا ومتوعدا "من يأوي عناصر القاعدة " بأنه سيتعرض للضرب. وبهذا ظهر للمتتبع للجهود الحكومية في مكافحة تنظيم القاعدة أن الغاية من هذه المجزرة إرهاب السكان المدنيين وترويعهم حتى يوجدوا في نفوسهم الكره والنفور الشديدين من أعضاء التنظيم وحتى تنشأ بيئة طاردة لهم من الحضن الدافئ (مناطق القبائل في أبين و شبوة ومأرب) , فكيف كانت الاستجابة ؟
حققت المجزرة قدرا من الرعب بين الناس في أرياف المحافظات الجنوبية لاسيما أبين و شبوة وأوجدت بين الناس بيئة كارهة لتنظيم القاعدة الذي ألفوه وتعايشوا مع أفراده حقبة من الزمان . لكن في الجانب الآخر أحدثت هذه المجزرة ردود فعل عنيفة أولها حدوث شرخ عميق في اللحمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.