شخصيا لم تفاجئني أبدا تلك الحشود الغفيرة التي توافدت إلى ميدان السبعين في العاصمة اليمنيةصنعاء تأييدا للرئيس " المخلوع " علي عبدالله صالح ..! ولا تلك التي توافدت في ساحة مجاورة لها في نفس اليوم واللحظة تأييدا لحضرة " السيد " ..! وكنت ساتفاجأ حقا , وبألم شديد ان توقع هادي شيئا مختلفا عما حدث , وستكون المصيبة أعظم بكثير لو ان مسئولا خليجيا - سياسيا أو عسكريا - كان يتوقع ان يكون ميدان السبعين خاليا من المؤيدين لصالح أو للحوثي يوم السبت الماضي , لكنني " اجزم " ان علي محسن الأحمر وجماعته كانوا يعلمون تماما إمكانية بل " حتمية " ما حدث وحتى دلالاته ومعناه .. بل كانوا يعلمون تماما ان رصيدهم الشعبي في اليمن يساوي ال" صفر " سياسيا واجتماعيا وعسكريا . في أحيان كثيرة ربما يحتاج المرء إلى مواجهة ما يشبه " النكسة " حتى يفوق على واقعه ويتعرف عليه ويتلمس حرارته حتى وان أحرقت أصابعه وأوجعت أحاسيسه , وهذا بالضبط ما تحتاجه " نخب الخليج " السياسية في هذه المرحلة تحديدا كي تقترب من الحقيقية وتتعامل على أساسها وبموجبها , خاصة وان نصائحنا التي قلناها وقالها معنا آخرون كثر بمنطقية شديدة , كتب لها الضياع وسط زحمة " الأوهام الكبيرة " التي كانت – ولا زالت – تباع ويتم تسويقها بكثافة وبانتهازية شديدة من قبل " ساكني الفنادق " في الرياض التابعين للجنرال وحزب التجمع اليمني لبيع الأوهام .. " حزب الإصلاح " وبعض الجنوبيين ممن أدمنوا الكراسي والسلطة بأي ثمن كان.
يقولون .. ان من يريد كل شيء يحصل على لاشيء ! و" الشرعية " تريد ان تطرد صالح نهائيا من اليمن حتى وان كان قد جلس على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والقبلية مدة 33 عاما مع ما يعني ذلك من الناحية العملية ودولته العميقة! وهي تريد في نفس الوقت وان تقتلع جذور الحوثي بمحتواها العقائدي حتى وان امتدت في تاريخ اليمن مئات السنين ! كما تحاول ان تقنع دول الخليج بأنها قادرة على بتر يد إيران من اليمن برا وبحرا وجوا إلى الأبد..!! ثم تريد ان تعيد عبدربه منصور هادي إلى قصر الرئاسة كي " يحكم اليمن " من هناك على طريقة الفيدرالية السويسرية مناقضا ومتناقضا مع الواقع و حقائق التاريخ التي تقول ان صنعاء لا تحتكم إلا إلى " زيدي " فقط ..! كل تلك " الوعود " التي هي اقرب إلى سراب , والتي يروج لها بشطاره كبيرة علي محسن صالح وجماعته يمكن ان تتحقق تماما وبحذافيرها في حالة واحدة فقط , وهي ستتحقق " نظريا " فيما لن تكون كذلك من الناحية العملية حتى في المرحلة القصيرة , وهنا مكمن الخطورة وعنصر المفاجأة والتضليل..ان هذه الحالة أيها السادة الأشقاء في دول التحالف العربي تتمثل في إمكانية " إيجاد " تسوية سياسية , بينما هي في حقيقية الأمر " تمثيلية سياسية " سيقبل بها صالح والسيد " علنا " بما يمكن ان يتحول في مرحلة قصيرة لاحقة إلى انتصار صريح لهما على الأرض بفعل تطبيق بنود تلك التسوية ..! إذ ستقبل صنعاء بعودة الرئيس " الضعيف " هادي إلى قصر الرئاسة فيها لكي يرعى ويدير ويشرف على انتقال السلطة بموجب التسوية السياسية , وعبر الوسائل " الشرعية " و " الديمقراطية " , وحينها ستنتقل السلطة من شرعيته إلى الشرعية الجديدة التي هي في واقع الحال دولة نظام علي عبدالله صالح العميقة وشريكه عبدالملك الحوثي الثابتة جذورها في عمق ميدان السبعين كما شاهدنا جميعا , وبعدها سيخرج الرئيس " الهادي " بهدوء شديد من الباب الخلفي إلى حيث يريد ان يذهب ! كما يمكن لعلي محسن صالح وجماعته " العسكرية" بموجب التسوية ان تستلم الأسلحة الثقيلة من جماعة الحوثي والحرس الجمهوري على ان تجري مراسم التسليم في المعسكر " ب " ثم تنتقل بعد ذلك إلى المعسكر " ج " الذي هو يتبع نفس المؤسسة العسكرية الشمالية العتيدة التي تدين بالولاء لصالح وللسيد أيضا ولا بأس من مكافأة علي محسن بنصف مقعد عسكري ان أراد ذلك ! وستضمن هذه التسوية " بالمداد " فقط لدول الخليج العربي بقاء اليمن بعيدا عن تأثير ونفوذ وهيمنة إيران , لكن هذه ال " إيران " التي هي موجودة إلى جوارنا جغرافيا.. هي أيضا موجود في قلوب الملايين منهم عقائديا .. ولأنها كذلك فسوف تعود حتما بنفوذها وتأثيرها في اقرب فرصة إلى حيث تريد ومع من تريد وبالكيفية التي تريد..! الآن وبعد كل هذه الحقائق والمعطيات الأكيدة التي لا تقبل النقض أو التشكيك , ومن اجل أن تكون ذات فائدة اكبر , وتكون الصورة أكثر وضوحا ودقة , يمكننا ان نطلب من صاحب القرار السياسي في الخليج العربي الشقيق ان يضع على طاولته خارطتين سياسيتين لشبه الجزيرة العربية احدهما تمثل مرحلة ما قبل يوم 21 مايو1990 م– إي ما قبل الوحدة اليمنية – حيث توجد دولتين في جنوب جزيرة العرب : الأولى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و الثانية الجمهورية العربية اليمنية , فيما تكون الخارطة الأخرى لنفس المنطقة اليوم التي بها دولة " الجمهورية اليمنية " فقط .. وبقليل من المقارنة بين الخارطتين وفقا للمعطيات السياسية الحالية يمكننا ان نطرح السؤال الاستراتيجي الهام : أيهما أسهل واقل كلفة وتأثيرا بالنسبة لأمن الخليج بشكل خاص , ان تمتد جميع العواقب التي تحدثنا عنها أعلاه على خارطة واسعة هي مجمل مساحة " الجمهورية اليمنية " أم تنحصر فقط في مساحة " الجمهورية العربية اليمنية " دولة الشمال ما قبل الوحدة !! باعتبار ان " الجنوب " الأكثر مساحة والأهم موقعا يعتبر منطقة خارج إطار جميع كل تلك السلبيات السياسية والأمنية والعسكرية التي أتت من اجل إزاحتها " عاصفة الحزم " ؟؟ !! ... خاصة ونحن نتحدث الآن عن مدة زمنية هي " عام كامل " من العمليات العسكرية والسياسية التي لم تتمكن فيها دول التحالف من تحقيق ما تحركت من اجله على مجمل المساحة للجمهورية اليمنية , مع ملاحظة ان ما تمكنت من تحقيقه بنجاح وبنسبة 100 % كان لها في الجنوب فقط ولم يحدث في الشمال ! أليست هذه " الحسبة " وبهذه الطريقة المنطقية ذات مدلول حقيقي وواقعي ؟ وتستحق فعلا ان يتمعن فيها صاحب القرار السياسي بعد مضي عام على عاصفة الحزم ؟ .. اعتقد نعم . ثم ... كيف يمكن لعاقل ان يخلط بين ماهو تحت يديه وفي نطاق سيطرته مع شيء آخر ليس له تأثير عليه ؟! خاصة حينما تكون نتيجة هذا " الخلط " ضياع ماهو معك وذهابه بكله إلى يد من هو عدوك وخصمك ؟! .. لماذا هذا التفريط بالجنوب وتقديمه إلى طاولة الحوار مع مفاوض آخر لا يملك على الجنوب اليوم إي تأثير أو نفوذ والذي هو في هذه الحالة علي صالح وشريكه عبدالملك الحوثي ومن خلفهما إيران ؟!! .. اشرحوا لنا أيها السادة فائدة هذا الخلل الاستراتيجي التفاوضي الكبير ان أمكن ! لماذا لا يسلم الجنوب لأبنائه فعليا ..نعم .. نقول " فعليا " وتحت إشراف ورعاية خليجية حقيقية واضحة المعالم والمراحل والأهداف , ووفقا لرؤية شاملة تضمن بناء مؤسساته المدنية والعسكرية والأمنية , وحينها وامام إي مفاوضات سياسية قادمة وببساطة وسهولة ستقول دول التحالف لصنعاء وحتى للام المتحدة اذهبوا للتفاوض مع الجنوبيين الذي سيطيرون اليوم على أرضهم بدلا من ترك الجنوب امام هذه الحالة الفوضوية الناتجة عن حسبة سياسية خاطئة هي مجمل ما استعرضناه أعلاه ! لماذا يترك الجنوب في هذه الحالة من التخبط الشاملة التي يمر بها حاليا , لسبب أن " مجموعة " بسيطة من الانتهازيين ضمن حزب الأوهام وشلة الفيد العسكري الشمالية وقلة من المخبلوين الجنوبيين المهووسين بالسلطة لديها حسابات سياسية مختلفة لمستقبل الجنوب هي لن تنتج إلى ما تحدثنا عنه بالتفصيل ؟!.. ثم من يقول ان الجنوب وشعبه الأبي سيكون لقمة سهلة لهذه الحسابات البليدة التي يعتقد هؤلاء أنهم سوف يمررونها على الجنوب الذي قرر ان ينتفض لكرامته وسيادته مهما كلفه ذلك من أثمان ناهضة ..