شاهدت صديقي عبدالرحمن الوابلي «أبوجهاد»، الذي غادر دنيانا قبل أسابيع، قبل نحو 12 عاماً من طريق صديقنا الحميم المشترك عبدالله المحيميد «أبوضاري»، الذي فقدته الثقافة السعودية بعد كتابه «تقشير»، لأسباب شخصية تخصه، مع أنه مثقف عميق ومبدع، مع أملي الكبير بعودته.
الوابلي كما تعاملت معه يملك من الأخلاق والمثل والمبادئ الكثير، ولست بحاجة للنفاح عن مواقفه، فأعماله تعبّر عن نفسها، إنما ما ضايقني فعلاً رد الفعل بعد وفاته لدى البعض من منافحيه، ما يخالف مبادئ المثل والأطر والأخلاق العامة.
إضافة إلى مقالاته الوطنية الصادقة، أسهم الوابلي كثيراً في المشاركة في كتابة حلقات المسلسل الشهير «طاش ما طاش»، ثم مسلسل «سيلفي» اللذين كان القاسم المشترك فيهما النجم اللامع ناصر القصبي، كان من اللافت أن الوابلي يضفي عمقاً على تلك الحلقات بثقافته واطلاعه من دون إسفاف.
الهجوم الذي طاول الراحل الجميل سبق وأن ناله في حياته، فهكذا هم أعداء الحياة، لا يستطيعون مجابهة نور الحقيقة إلا بالتهجم والسخرية والازدراء والتحامل واختلاق الحقائق.
ربما كان للحلقات في مسلسل «سيلفي» أشد الأثر الذي نال من المتعاطفين مع الدواعش بشكل أو بآخر، فهي عرت وبشكل دقيق نظرة بعض المتطرفين للإسلام، بل كيف يستغلونه، والأكيد أنهم يشوهونه.
محاولة إيهام الآخرين أن الوابلي يسيء للإسلام هو وهْم بحد ذاته، ويستطيع أي محايد أن يراجع أية حلقة للمسلسل ليتيقن أن السيناريو لم يحاول بأي شكل المساس بالدين العظيم، بالقدر الذي يفضح فيه تلك الممارسات التي تحاول أن تنال مكاسب فردية أنانية محضة، على حساب «دين السماحة والسلام».
قال أحد المنتقدين وهو امتداد لشخصيته التي تعودت على البذاءة بقبيح الألفاظ: «وفاة عبدالرحمن الوابلي كاتب بعض حلقات مسلسل طاش ما طاش ومسلسل سيلفي اللهم اجعلها من أثقل ما يجد في موازينه، وما يقابل به ربه»، الرجل نفسه حاول أن يتملص ويتذاكى عندما قال: «ولماذا تتضايقون إذا كنتم ترون أن الحلقات التي كتبها ليس بها ما يخالف الشريعة»؟ والجواب ذكرته في الأعلى، فلا يوجد بها مخالفة شرعية أو أخلاقية. وسبق أن كتبت مقالة عن «سيلفي» في هذا المنبر، أعتبر الحلقات من أجمل ما كُتب عن الدواعش، وهذا هو السبب الذي جعل كثيراً منهم أو من المتعاطفين معهم يجن جنونهم، لكن المنتقد إياه كان يرى الحلقات تسيء للدين، ومن ثم بدلاً من أن يترحّم عليه فإنه أطلق ما يراه تشفياً بمن يسميهم ليبراليين وغيره. لم يفكر لحظتها بمشاعر عائلته ومحبيه، ولم يفكر في أن قبره لم يجف بعد، بل فكر بشيء واحد، هو عقلية الانتقام والكراهية، جاهلاً أو متجاهلاً أن توقيته خالف الذوق والأخلاق والقيم التي زرع مهدها محمد بن عبدالله الذي قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
كان الوابلي طوال حياته يحارب التطرف بقلمه ومنطقه الحر، من دون أن يجاهر أو يباهي بعنف أو إرهاب، ومع ذلك فإن مناوئيه لم يحاربوه بشرف، واستكثروا رحيله المهيب، وتقاطر المشيعين من مختلف الآراء والمذاهب تقديراً لشخصية جامعة فنفثوا فحيح الحقد، بينما كانوا - ويا للأسى - يصمتون كالأصنام عندما يقوم الإرهابيون بعملياتهم البشعة المتكررة.
الحق أبلج، ولا يستطيع أي مزيف أو مزور أو كاذب أو منافق أن يحجبه، وتعاطف المتطرفين وأعداء الحياة مع الدواعش أمر أوضح من شمس منتصف النهار في صحراء الربع الخالي.
فابن لادن والزرقاوي والملا عمر والبغدادي والظواهري والكثير منهم، تذكر أسماؤهم بترميز وتقديس لدى مريديهم من بعض السعوديين، فيما تبرز أنياب الحقد والكراهية والتحامل إذا أتى ذكر غازي القصيبي سابقاً، أو بكر الشدي، أو طلال مداح، أو عبدالرحمن الوابلي، ذكرت الأربعة تحديداً؛ لأن رحيلهم تخللته شماتة وتشفٍ وتهجم وفرح سادٍ لا يصدر عن قلوب مسلمة، بل عن وحوش أشك في آدميتها.
غادرنا الوابلي بصمت وسلام، غير أن رد فعل محبيه كان دليلاً آخر على أن هذه الأرض الجميلة لا تنسى عشاقها، وبالقدر الذي ينشأ من أبنائها قوارض طفيلية تكره حتى بعضها، إلا أن في المقابل جيلاً رائعاً تعلم أن الحياة ليست توغلاً في دماء الآخرين، بل في نشر ثقافة الحب والسلام والإخاء والعدالة.