قد يكون من شأن الموقف الصلب الذي اتخذه الرئيس الامريكي باراك اوباما ازاء عملية السلام في الشرق الاوسط ان يكون أكثر إقناعا للعرب بأن امريكا تقف الى جانبهم من كل المقارنات التي اوردها في كلمته التي القاها يوم الخميس بين ثوراتهم والانتفاضات التي شهدتها الولاياتالمتحدة في تاريخها ك(حفلة شاي بوسطن) والاحتجاج الذي قامت به المواطنة السوداء روزا باركس من اجل الحقوق المدنية. فلقد تكلم رؤساء امريكيون في السابق عن حدود 1967.
ومن جهة، فإنه من البديهي ان تضم اية دولة فلسطينية قطاع غزةوالضفة الغربية وهي الاراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب 1967.
ولكن ما قاله الرئيس اوباما يوم الخميس كان جديدا مع ذلك.
فالمفاوضات - اية مفاوضات - هي في اغلب الاحيان اقرب الى سلسلة من التطورات من النتيجة النهائية. ولكن اوباما قال إن الاتفاق حول حدود 1967 يجب ان يكون اساس المفاوضات، اي ان الحدود يجب ان تكون نقطة بدء العملية التفاوضية وليس نهايتها.
وشرح الرئيس الامريكي طريقة تفكيره في مقابلة اجرتها معه بي بي سي عقب القائه كلمته مباشرة، فقال: "إن طرحنا هو كما يلي: لنبدأ ببحث مسألتي الاراضي والامن."
"لا يحل بحث هذين الامرين كل القضايا، فسوف تبقى قضايا كالقدس واللاجئين، ولكن اذا حققنا تقدما في بلورة ما يجب ان يكون عليه شكل حل الدولتين وتصبح تلك حقيقة يعترف بها الجانبان، سيصبح امر تقديم تنازلات لحل المعضلتين المذكورتين اسهل وايسر."
بالرغم من ان اوباما معروف بهدوئه، الا انه من الواضح انه يشعر بانزعاج لاخفاقه في تحقيق تقدم في ملف الشرق الاوسط.
قال الرئيس اوباما: "لقد سئم المجتمع الدولي من هذه العملية اللانهائية التي لا تنتج حلا."
من الصعب جدا تصديق ان الرئيس اوباما لم يشعر بالغضب ازاء قرار رئيس الحكومة الاسرائيلية استئناف بناء المستوطنات بعد ان طلب منه تعليق ذلك.
لم يعجب هذا الموقف ميت رومني، احد كبار المرشحين الجمهوريين المحتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
قال رومني: "لقد رمى الرئيس اوباما اسرائيل تحت عجلات حافلة. فقد غمز من قناة اسرائيل وقوض قدرتها على التفاوض من اجل السلام. كما انتهك واحدا من المبادئ الاساسية للسياسة الخارجية الامريكية، الا وهو الوقوف بحزم الى جانب اصدقاءنا."
ومن نافلة القول إن موقف الرئيس الامريكي لم يعجب رئيس الحكومة الاسرائيلية.
فقد اصدر مكتب بنيامين نتنياهو بيانا غاضبا جاء فيه: "يتوقع رئيس الحكومة نتنياهو ان يستلم تأكيدا من الرئيس اوباما للالتزامات التي قطعتها الولاياتالمتحدة على نفسها عام 2004، والتي نالت تأييد حجرتي الكونغرس بشكل ساحق."
"تتعلق هذه الالتزامات، ضمن امور اخرى، بعدم اضطرار اسرائيل للانسحاب الى حدود عام 1967 - وهي حدود لا يمكن الدفاع عنها، وتترك مراكز سكانية اسرائيلية كبيرة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) خارج حدود اسرائيل."
من جانبه، عبر مركز سايمون فيزنثال (المهتم بتعقب "مجرمي المحرقة اليهودية") عن خيبة امله بالقول: "لا يمكن اعتماد العودة الى حدود 1967 اساسا للتفاوض، حتى اذا اعتمدنا مبدأ تبادل الاراضي، في حين يلتزم نصف المسؤولين الفلسطينيين على الاقل بمبدأ تدمير اسرائيل."
ولكن بالطبع كانت هناك ردود فعل ايجابية لموقف اوباما.
مع ذلك، يصعب على الاسرائيليين تقبل هذا الموقف. ولكن ما الذي حققه اوباما؟
من العسير تصور ان يسهل هذا الموقف استئناف العملية التفاوضية. قد ينجح موقف اوباما الجديد في تصوير نتنياهو على انه جزء من المشكلة، وانه "رجل الامس". وقد ينجح من ناحية اخرى في ثني الفلسطينيين عن التوجه الى الاممالمتحدة في سبتمبر / ايلول المقبل للحصول على اعتراف رمزي بدولتهم.
وقد ينجح هذا الموقف في تصوير اوباما على انه يقف الى جانب الشارع العربي - اكثر من زعمه بأن دعم الديمقراطية في العالم العربي هي اولوية امريكا.
ولكن ربما الاهم من هذا وذاك هو ان هذا الموقف يعزز صورة اوباما كمقامر ذكي، وهي الصورة التي اكتسبها بعد مقتل اسامة بن لادن.