أثار القرار الذي اتخذته السلطات الأمنية في عدن وقضى بمنع دخول القات إلى المدينة واقتصاره على يومي الخميس والجمعة، جدلاً كبيراً في أوساط المواطنين، وانقسامهم بين مؤيدين ومعارضين، ولذلك ارتأت إدارة مركز (عدن) للبحوث الاستراتيجية والإحصاء إقامة حلقة نقاشية؛ لوضع تصور شامل وواضح حول القرار، ومناقشة حيثياته وتبعاته، والآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عنه، ومدى صلاحية قوات الحزام الأمني التي نفذت القرار، وإمكانية توفير الغطاء التشريعي له – كما كان معمول به في قوانين (ج. ي. د. ش) قبل تحقيق الوحدة، والرد على الحملات الإعلامية ضده والحجج الطاعنة بصحة اتخاذه وشرعية تخويلها. عُقدت الحلقة النقاشية الموسومة بعنوان (قرار منع دخول القات إلى العاصمة المؤقتة عدن.. فوائد وأضرار!!..) نهاية الأسبوع الثالث من شهر مايو 2016م، بالشراكة بين المركز والمجلس التنسيقي للمنظمات غير الحكومية، استُضيف فيها كلاً من قائد قوات الحزام الأمني/نبيل المشوشي، والمحامي/صالح ذيبان – رئيس رابطة المحاميين، ورئيس مركز (عدن) لمكافحة المخدرات والقات/سعاد علوي، وأدار مجريات النقاش والمداخلات رئيس مؤسسة (عدن الغد) الإعلامية الصحفي/فتحي بن لزرق. وفي الكلمة الافتتاحية للحلقة قال بن لزرق: "يعتبر القرار الأخير من أهم الخطوات التي أقدمت عليها السلطات الأمنية في عدن، ووصفه الكثير من أبناء وأهالي المدينة بالقرار التاريخي الذي فاجئ الجميع، وانتظره المجتمع العدني لسنواتٍ طويلة؛ فلا الحكومات المتعاقبة استطاعت منع زراعة شجرة القات وبيعه في الأسواق، وبالمقابل لم تستطع المنظمات المدنية ووسائل الإعلام مساعدة المجتمع للحد من تعاطيه"، منوهاً إلى أن البعض راهن على عدم نجاح تطبيق القرار على أرض الواقع؛ إلا أنه تم تطبيقه منذ منتصف شهر مايو وعلى مدى ثلاثة أيام شهدت تفاعلاً شعبياً إيجابياً ملحوظاً معه ومع أفراد قوات الحزام الأمني، ورغم ذلك يبقى من الضروري الوقوف على القرار وتقييم نتائجه وآفاقه وتبعاته، وأضاف: "تحاول المؤسسات والمرافق الحكومية في عدن أن تنهض بعد الحرب الأخيرة، وسيلعب القرار دوراً كبيراً ليس في مستقبل الجنوب فقط، وإنما مستقبل اليمن ككل، على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها.. وعلى كافة شرائح المجتمع الوقوف إلى جانب المقاومة الجنوبية والسلطة المحلية؛ لتحقيق ذلك". وأشاد المحامي في مطلع ورقة عمل له، خاصة بقانونية القرار، بالفعالية كونها الأولى لمناقشة القرار بناءً على رؤى اجتماعية واقتصادية وقانونية، وأشار إلى أنه يجب قراءة القرار الأخير، حديث الساعة، بعمق ومنطق، والتعرف جيداً على صلاحياته وفوائده، مع الأخذ بالاعتبار أن لكل قرار - أياً كان في أي مجال ناتجين، إيجابي وسلبي، وآثار على كافة أصعدة وجوانب الحياة، وقال: "يحتاج القرار لحراك مجتمعي؛ ليدعمه، وكذا تأييد السلطة المحلية في خطوة مهمة كهذه خلال المرحلة المفصلية الحالية، ومحاولة الخروج من النزاع السياسي داخل المدينة، بما يساهم بتثبيت الأمن وتطبيع الحياة، ما يجلب في المستقبل مشاريع الاستثمار ويستقطب رؤوس الأموال؛ لينتعش الاقتصاد"، وواصل: "إن تناول القات صار من الروتين اليومي ولساعات طويلة لدى الكثيرين؛ ولذلك خرجت أصوات مجتمعية وقبلية رافضة للقرار، وغابت الأصوات التي تعبر عن الأضرار الاقتصادية، وهنا يجب وضع رؤية أولية تسهم بتجاوز المعضلات والابتعاد عن الحسابات الضيقة، طالما تم تغليب المصلحة العليا؛ لخلخلة التركيبة المجتمعية في البحث عن القات، التي بنيت نتيجة ممارسة سياسية ممنهجة؛ لتجاوز الهوة الكبيرة التي لا تزال تفصل بيننا والعالم الواقعي، فبعد كل تلك التضحيات خلال الحرب يجب الذهاب إلى الأفضل ولصالحنا، وأن نبتعد تماماً عن المزاجية التي تتحكم بتسيير أمورنا اليومية". وعن كيفية توفير غطاء قانوني للقرار؟ أوضح ذيبان أن الكثيرين تساءلوا عن الجهة التي أصدرته، وأُكتشف لاحقاً أن قوات الحزام الأمني - التي تمثل جزءً مهماً في المنظومة الأمنية - تقف خلفه، تنفذه وتشرف على مجرياته، رغم عدم التمهيد المسبق له!!.. لذلك لا يزال المجتمع بحاجة لفترة زمنية كي يتوافق أفراده مع القرار، وعليهم الضغط على أنفسهم في سبيل إنجاح القرار أكثر، لما فيه من مصلحة خاصة لكل واحدٍ منهم وعامة أيضاً؛ فعلى عاتق الجميع تقع التضحية، ولا تزال المقاومة الجنوبية مستمرة بتقديمها، ويرى ذيبان أن نتيجة الارتباك الذي عم المشهد السياسي عند استلام السلطة في عدن أصدر ديوان إدارة المحافظة عدة قرارات تفتقد للصلاحيات وتحتاج للمعالجات، مضيفاً: "على جميع المقربين من إدارة المحافظة مساعدتها بتقديم المشورات، وكذا تقديم تصورات واقعية وفعالة لقيادة قوات الحزام الأمني، بمن فيهم من قانونيين وأكاديميين ودكاترة جامعيين وقيادات منظمات المجتمع المدني وغيرهم.. مع تحمل الجهات الأمنية المسئولية كاملةً، وتغليبها للمصالح العليا للمحافظة"، مشيراً إلى أن السند التشريعي لأي قرار يتصل مباشرةً بالسلطة القضائية، المتوقفة عن العمل منذ انتهاء الحرب وحتى هذه اللحظة، وأن عدم إعلان إقليم عدن رسمياً ومنح المدينة الخصوصية لا يوفر إمكانية استصدار القوانين؛ لذلك تظل قرارات إدارية، يتم تنفيذه على خطوات، على أن توجد البدائل لمن تقوم حياتهم على زراعة وبيع القات، كتوفير فرص للاستثمارات والأعمال، آملاً أن تُحل الكثير من المشاكل والقضايا المجتمعية، وانخفاض في معدل الجريمة، وارتفاع لمستوى الدخل اليومي للفرد. بعد ذلك عُرض فيلم تجميعي لآراء عدد من المواطنين في الشارع إزاء القرار، ومجموعة أخرى من الآراء حول تعاطي ومضغ القات، والمواقف المختلفة حول حملة قوات الحزام الأمني لتنفيذ القرار، كما تضمن صوراً لأسواق بيع القات، ومظاهر لبيعه خارجها، وبعض المقترحات التي من شأنها دعم الحملة، وملاحظات عن الخطوات التي كان يجب إتباعها قبل تنفيذ الحملة، وأخرى للتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للقرار. وأوضح مهندس القرار/المشوشي إلى أن الحملة انطلقت منتصف شهر مايو، وبدأت بِ 30 فرد من المقاومة، ولا تزال في توسع مستمر من حيث الفترة والأفراد، وقال: "القرار لم يأتِ من فراغ؛ فكما خرجت الناس للقتال في الحرب بدون قرار، تفعل الآن لقتال عدو المجتمع، الشجرة الخبيثة، القات، ولا يحتاج ذلك لقرار سياسي، إنما مجتمعي، صحيح أن الحملة تسير وفق خطوات؛ لذلك ستأخذ وقتها الكافي، رغم ما أثير حولها من زوبعة إعلامية مضادة، مع أن عمليات القتل العبثية والاغتيالات لم تأخذ كل الاهتمام كما فعل القرار، الذي جاء لصالح المجتمع، وهناك رابط وثيق بين بيع القات وحدوث جرائم القتل، فأسواق القات تلم من كل حدب وصوب من خارج المدينة، كما أن القات نوع من أنواع المخدرات، ومجرم إدخاله إلى كثير من الدول، فما البال بتعاطيه؟!.. اختلطت الأمور فصرنا لا نعرف القتلة ولا نميز الغرماء في المجتمع نتيجة انتشار بيع وتعاطي القات، الذي يقف خلف الكثير من المشاكل الاجتماعية والقضايا الجنائية"، مشيراً إلى الحملة الأمنية لإيقاف مجهولي الهوية وترحيلهم وحملة منع دخول القات جاءتا لترتيب الأوضاع الأمنية داخل المدينة، وأن القرار وراء كلٍ منهما ميداني أمني بحت، وأن انتظار الموافقة السياسية عليهما كان ليأخذ وقتاً طويلاً بينما المدينة تعاني من اضطراب في الجانب الأمني، والمواطنين في المدينة بحاجة لإخراجهم من أزمة تعصف بهم وخاصةً بعد انتهاء الحرب، وما يجعلنا مطمئنين الموافقة والمباركة الرسمية للحملتين لضبط الأمن في العاصمة المؤقتة، تمثلت باتصالات من وزراء أكدوا على الحاجة لمثل هذه الحملات الأمنية لإرساء والاستقرار وتثبيت الأمن في المدن الخارجة من الحرب، متمنياً إن يكون القرار لبنة أولى في طريق تخليص عدن من الآفات والظواهر السلبية. وأكد المشوشي على عدة نقاط متعلقة بالقرار الأخير، منها: الحاجة للغطاء القانوني والتشجيع المجتمعي، وكذا الحاجة للوقت الكافي للاستيعاب والتقبل من المجتمع، وأهمية الشراكة مع منظمات المجتمع المدني للارتقاء بمستوى الوعي المجتمعي، والمواكبة الإعلامية المحايدة والصادقة، وإحياء وإنعاش المتنفسات العامة، وجميعها تصب في سبيل إنجاح تنفيذ القرار على أرض الواقع، لما فيه مصلحة استعادة عدن.. المدينة والمدينة، واستعادة دورها الريادي، والحفاظ على هذه المكتسبات الكبيرة والمهمة - بحسبه، كما أكد القرارات ستتوالى طالما تحظى بمساندة شعبية ودعم مجتمعي، اما فيه من تحقيق للمصالح العامة، وأضاف: "يقول البعض أن الحملة قطعت أرزاق عدد من أسر بائعي القات، بينما في المقابل هناك المئات من أسر متعاطي القات حُرمت من قوت يومها، وأسر أخرى دُمرت، وأخرى تعاني من مشاكل كثيرة، فمعيلوها صرفوا أموالهم بشراء القات، بينما أفراد أسرهم بأمس الحاجة لها، ولن يتوقفوا عن ذلك طالما القات بأنواعه وسمومه وأسعاره المتفاوتة مكدس في أسواق خُصصت له، نحن في قوات الحزام الأمني لم نمنع السلع الغذائية أو الأدوية من دخول المدينة، إنما منعنا آفة/مخدر، القات، الشجرة التي شملت أضرارها جوانب عديدة في الحياة، إن وصولنا إلى هذه المرحلة ومباركة السلطة المحلية ودعم عامة الناس يجعلنا مستمرين بتنفيذ القرار". من جانبها نوهت علوي أن عامة الناس في عدن تفاجئوا بالقرار، وتساءلوا عن الجهة المخولة بإصداره؛ ولم يمر اليوم الأول من الحملة الميدانية الخاصة بتنفيذ القرار؛ إلا واتضحت الرؤية للأغلب، وعابت على قوات الحزام الأمني عدم إشراك المجتمع المدني، وخصت بالذكر مركز (عدن) لمكافحة المخدرات والقات، والدور الذي كان من الممكن أن يقدمه كرافد؛ لتوضيح القرار أكثر في الشارع العدني، وإيصال أهدافه وظروفه، فللمركز أبحاث ودراسات متخصصة ومركزة في هذا الجانب – بحسبها، وفي مطلع ورقة العمل المقدمة تطرقت علوي بحديثها بنبذة موجزة إلى ماهية شجرة القات، ودراسة الباحثين لها، ومناطق زراعته، وآثاره وأضراره، وعن تاريخ ظهور القات في اليمن قالت: "دخلت شجرة القات إلى اليمن مع الاحتلال الحبشي عام 525 للميلاد، وعرفت الشجرة طريقها إلى الضالع في خمسينيات القرن الماضي – أي قبل أقل من مئة عام، ولم يكن للقات ذلك الإقبال على زراعته وبيعه أبان الاستعمار البريطاني لعدن؛ فكان ويتم إيصاله لعدن عن طريق نقطة في مديرية دار سعد؛ بآلية مقننة ومحددة، ليومي الخميس والجمعة من كل أسبوع؛ فالسلطات الأمنية آنذاك كانت تحاول جاهدةً الحفاظ على عدن من الآفات، أتذكر جيداً استحوذ القات على ذلك الاهتمام الكبير وسيطر على الواقع في الجنوب وعدن تحديداً، يوم الاثنين الموافق لتوقيع الوحدة اليمنية بين الشطرين – أي في يوم غير اليومين المتاح فيهما إدخال القات إلى عدن، وأقيم مهرجان جماهيري احتفائي بتحقيق الوحدة، امتد من باب المندب وحتى محافظة المهرة، التي كان تمنع دخول القات إليها عدا يومي الخميس والجمعة، تعاطى ومضغ القات أغلب المشاركين في المهرجان من محافظات مختلفة". وواصلت علوي: "جاء القرار في وقته، ونجاح تطبيقه في عدن قد يؤدي إلى تعميمه ونجاحه في المحافظات المجاورة لها، ومع ذلك تظل الحاجة ماسة لتكاتف جميع شرائح المجتمع؛ لدعم القرار، وخاصةً أننا نمر بحالة عجز شديد خلال هذه الفترة في عدن، والوسائل الإعلامية لا تؤدي الدور المناط بها؛ لبث التوعية بأهمية القرار، مقابل الهجمة الإعلامية الشرسة القادمة من الشمال؛ لإفشاله، التي تذكرني بمشاهد من الحرب الأخيرة في عدن، حيث لم يكن يُسمح بمرور المواد الغذائية والأدوية إلى المديريات، ويواجه ذلك بإطلاق النيران على جالبيها، بينما كانت مراقح القات تنفذ بكل سهولة ودون عراقيل من خلال النقاط التي يسيطر عليها أفراد القوات المسلحة التابعة لجماعة الحوثي وصالح"، وتشير إلى أنه رغم تلك الصور القاسية والمأساوية التي يتداولها الناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تعليم الأطفال سلوكيات تعاطي القات؛ إلا أن الجهات الرسمية والأهلية المعنية تفتقر لإحصائيات دقيقة عن أضرار القات في جميع مجالات الحياة، وبالأخص في الجانب الصحي؛ وتضيف: "ومع ذلك تشير آخر الإحصائيات إلى أن عشرين ألف شخص في اليمن يموتون بسبب إصابتهم بمرض السرطان، وأغلب الحالات مصابة بسرطان الفم واللثة، الذي لا يجدي معه عمليات الاستئصال والتجميل – فما الذي يمكن إزالته من مكان حساس في وجه الإنسان؟ كما أن أغلب الحالات لا يمتد بها العمر أكثر من عام بعد تلك الحالات، ومن تلك الإحصائيات أيضاً أن 8.13% من بين تلك الحالات مصابة بسرطان الجهاز الهضمي، 9% بسرطان الفم واللثة، بينما وصل عدد السموم المجهولة إلى 3000 نوع، أبرزها (توباز)، السم الأبيض الذي يستخدم في إسرائيل للرش على مواد الزينة، ويتم تهريبه إلى اليمن، وترش تلك السموم على أشجار القات بثلاث مراحل، قبل زراعتها وفي مرحلة متقدمة من نموها وبعد قطافها، وجميعها تسبب حالات من الهستيرية والهلوسة والتخيلات لمتعاطي القات، وللأسف فإن عدد كبير من مراكز البحوث الزراعية قد تم تدميرها، حتى تُفقد الاثباتات ولا يُفضح أمر تجارها ومورديها، ولأن السموم تتغلغل في الأراضي التي يُزرع قات؛ فهي بحاجة لجرف التربة إلى عمق يصل 12 متر تحت سطح الأرض؛ لزراعة محاصيل أخرى لعدة مرات، حتى تُشفى تلك التربة تماماً"، كما نوهت إلى أن اليمن رفضت التوقيع على اتفاقية مع منظمة مكافحة المخدرات، ولا تجمعها مشاريع مشتركة مع منظمات دولية المعنية بالصحة". واختتمت علوي: "أفقد القات الكثيرين الإحساس بأهمية الحياة، قيمنا وأخلاقنا؛ لأنه يمس ويهدد جميع جوانب حياتنا؛ لذلك على الجميع من عامة الناس وسياسيين وإعلاميين ومثقفين وغيرهم الالتفاف حول القرار، ودعمه، وتدارك القادم، والتوعية الميدانية من قبل منظمات المجتمع المدني، وعدم أخذه بعصبية؛ للحد والقضاء على جميع الآفات التي تهدد المجتمع، في بلدٍ صار الوافد لها يعرفها وأهلها بزراعة وتعاطي القات".