وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    عاجل..وفد الحوثيين يفشل مفاوضات اطلاق الاسرى في الأردن ويختلق ذرائع واشتراطات    مليشيا الحوثي تعمم صورة المطلوب (رقم 1) في صنعاء بعد اصطياد قيادي بارز    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    الدوري الاوروبي .. ليفركوزن يواصل تحقيق الفوز    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرعية العسكر في مصر بين البقاء والزوال (الجزء الأول)
نشر في عدن الغد يوم 15 - 08 - 2016

عزيزي قارئ هذا العمل الذي تلامسه هو أقرب للورقة البحثية عن كونه مقالاً او عملاً أدبياً يبحث في شرعية الحكم ومشروعيته من خلال تحليل لتاريخ مصر المعاصر مستندا علي مفاهيم قانونية وأراء فقهية ، لتدعيم وجهة نظر الكاتب المؤمن بدور الشعوب العربية في تغيير وإصلاح ما اَلت إليه أوضاعها المأساوية الاَن مرتكزاً علي كون الشرعية بيد الشعوب تمنحها متي تشاء وتسلبها متي تشاء متى لم تلتزم تلك الأنظمة بشرعيه ومشروعيه قراراتها تجاه شعوبها .
وهنا يقول ماكس فيبر رائد علم الاجتماع :- ( ان الشرعية صفة تنسب لنظام ما من قبل أولئك الخاضعين له ، من خلال عدة طرق تتمثل في :- التقاليد أو بعض المواقف العاطفية، أو عن طريق الاعتقاد العقلاني بقيمة مطلقة، أو بسبب قيامه بطرق وأساليب تعد قانونية ، ويعتبر النظام الحاكم شرعيا عند الحد الذي يشعر فيه مواطنوه أن ذلك النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة) .
كما يري الشرعية السياسية مؤسس علم الاجتماع ( ابن خلدون ) بانها :- (عقد كالذي يعقد بين البائع والمشتري ذلك ان المبايع يعاهد اميره علي المنشط والمكره ، وكانوا اذا بايعوا الأمير وعقدوا في يده تأكيداً للعهد فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري فهذه العلاقة التعاقدية المبنية علي الرضي تفسخ إذا أخل أحد المتعاقدين بشرط التعاقد ) .
ومفاد هذا ان اي نظام سياسي تتغير شرعيته تارة ويكسبها تارة وتضعف تارة وتنعدم تارة وتسترد تارة وتنتهي وتزول تارة ، وهذا ما حدث في مصر منذ ثوره يوليو 1952 وحتي تاريخ كتابة هذا العمل .
فمن يتأمل ما حدث في مصر يوم 23 يوليو 1952 يدرك ان مجموعة من الضباط المصريين تحركوا من اجل أنهاء حكم أسرة محمد علي في مصر ، وقد اقروا هم أنفسهم بأنه انقلاب علي الحكم الملكي ثم تداركوا الأمر و أطلقوا عليها ( الحركة المباركة ) ثم أُطُلق عليها مصطلح ( الثورة ) بعدما أنضم اليها وأيدها ودعمها الشعب .
وهنا يمكن ان نفسر أهمية تحديد المعني اللُغوي لفعل التغيير حتي يمكن ان نحدد مدي شرعيه هذا العمل ومدي مسوغه القانوني أمام الراي العام في الداخل وأمام الخارج لما سيترتب علي هذه الشرعية من وضع اولويات وسياسات داخلية وخارجية .
ومن الجدير بالذكر ان الجدل الدائر حتي تاريخه عن كونها ( حركه ام انقلاب ام ثورة ) لا يعنيني لان جموع المصريين حينها تبنتها علي انها ثورة ومنحتها الشرعية من هذا المنطلق .
ولكن ما لا يختلف علية احد في معظم الوثائق التي تروي هذه الحقبة ان هؤلاء الضباط لم تكن لديهم رؤية واضحه حول التغيير وحول النظام السياسي الذي سيحل بهم علي سدة الحكم في مصر, بل ان كثير مما كُتب تحدث عن ضعف المدارك السياسية ومدي محدوديتها لمجموع هؤلاء الضباط وهو ما كان اجدى بهم الالتزام بالديمقراطية الا ان التكوين الفكري والنفسي للعسكريين منعهم من ذلك وفضلوا الاستئثار بالسلطة.
وعليه قدموا سته مبادئ بهدف ترسيخ ودعم الثورة والتي وجدت ترحيبا كبيرا من المصريين وهي :-
1- القضاء علي الاستعمار
3- القضاء علي الاقطاع
5- اقامة عدالة اجتماعية
2- القضاء علي الاحتكار وسيطرة رأس المال
4- اقامة جيش وطني
6- اقامة حياة ديمقراطية سليمة
وعلي الرغم من منطقية الاسباب التي ادت الي قيام ثورة 23 يوليو مثل ( تفشي للفساد والمحسوبية , وانتشار الفقر ، واتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء ، والهزيمة في حرب فلسطين1948 ، والأشكال القمعية للسلطة متمثلة فيما عرف ( بالبوليس السياسي ) , ووجود طبقية اجتماعية فجه استأثرت بكل جوانب الحياة ) إلا أنها نفس ذات الأسباب التي طبقها ونفذها العسكريون وأدت إلي قيام ثورة 25 يناير 2011 .
وقد استطاع هؤلاء الضباط تقديم اللواء محمد نجيب رئيساً لمجلس الوزراء في سبتمبر1952 ثم تولي رئاسة الجمهورية في 1953 وبدأ الصراع بينه وبين عبد الناصر للأسباب الأتية :-
1- أراد محمد نجيب تسليم السلطة للمدنيين مع إصلاح النظام البرلماني القديم سانده في ذلك يوسف صديق وخالد محي الدين ورفضة باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة لاُن ذلك يعني العودة إلي وحداتهم العسكرية والتنحي عن العمل السياسي .
2- وجود صراعاً طبقياً لكون محمد نجيب الوحيد الذي يحمل رتبة لواء وان الصف الاول من الضباط علي رتبة مقدم .
3- الشعبية الواسعة التي استطاع ان يستحوذ عليها محمد نجيب باستثناء باقي أعضاء المجلس وهو ما يعني توافر دعماً ومشروعية شعبية ان سار نجيب نحو الديمقراطية .
ولكن الصراع حسم فيما عرف ( بأزمة مارس 1954 ) بعدما اُجبر محمد نجيب علي تقديم الاستقالة من رئاسة مجلس قيادة الثورة ووضع تحت الاقامة الجبرية حتي 1971 بعدما رفعها عنه السادات وان ظل الرجل مبعدا عن السياسة والاعلام حتي وفاته 1984 .
والملاحظ من بداية حكم العسكريين هو رفضهم وكراهيتهم التامة للديمقراطية وان هدفهم الاساسي كان التخلص من اسرة محمد علي ثم الاحزاب التقليدية وعلي راسها الوفد والتخلص من القوى السياسية الأخرى كالإخوان والشيوعيين والاتحادات العمالية ووضع قيد علي حرية الصحافة .
وعلى اثر ذلك تم تحجيم حزب الوفد وصدر قرار سياسي قضائي بحل جماعة الإخوان وتلاه التخلص من الشيوعيين والإخوان في السجون وتحجيم دور يوسف صديق و خالد محي الدين وبعدها تم اعدام عمال كفر الدوار وهم محمد مصطفي خميس و محمد عبد الرحمن البقري ( ويرجع في هذا الي ما كتب ا / محمد زكريا توفيق في مزايا وعيوب ثورة 23 يوليو – و ا / نور منصور في مجلة اوراق اشتراكية – وكتاب كنت رئيسا لمصر لمحمد نجيب وكتاب الاًن أتكلم لخالد محي الدين ) .
ومن المفارقة العجيبة تجد ما فعله الضباط الأحرار من سبل للتخلص من منافسيهم كان أسوة بما فعل محمد علي باشا حين تخلص من منافسيه ، وان كان محمد علي باشا أسس لدولة مدنية حديثة قائمة علي الصناعة والزراعة جعلت مصر إمبراطورية ذات سطوه تدهورت من بعدة بتوالي الحكام إلا ان العسكريين كان هدفهم التأسيس للحكم العسكري واعتبار مصر أرثاً خاصاً بهم على حساب التنمية والتطوير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وأن كان عبد الناصر اختلف عن تابعية من العسكريين فهو أراد دولة قوية رائدة تستطيع المواجهة تخلي عن هذا كل تابعية من بعده وحولوها الي دولة تابعة هشة .
ويعتبر احد اهم عوامل نجاح ثورة 23 يوليو هي الحالة الخاصة والمنفردة في تاريخ مصر والمرتبطة بأيديولوجية عبد الناصر وبكاريزمتة الشخصية التي أستطاع ان يوظفهما لصالح الثورة ولصالح فكرتة ليس في مصر فقط وإنما في العالم العربي والإسلامي والأفريقي .
كما استطاع الرجل ان يحدد بشكل واضح وقاطع التحديات الدولية والاقليمية التي تواجه ثورته حينها , كما اصل لفكر القومية العربية واستطاع ان يجمع علي ذلك ملايين الداعمين له في مصر والعالم العربي بالإضافة الي توسعاته ومشاريعه التنموية التي منحته مزيد من الالتفاف الشعبي وعلي رأسها ( السد العالي والحديد والصلب و الغزل والنسيج والالمونيوم و كيما والنصر للسيارات والمصانع الحربية ...... وغيرها مع تحقيق تطور ثقافي وفني ) .
ودائما ما طرح فكرة التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية كبديل للأنظمة الاستعمارية الناهبة لخيرات الشعوب علي حد وصفة ، وجميعها عوامل جعلت الرجل أيقونة للشعوب المظلومة والمنهوبة والمقهورة في العالم .
وبكل ما ذكر اضفى عبد الناصر شرعية خاصة له ولحكمة العسكري ارتبطت بشخص عبد الناصر وفكرة ( الزعيم) اكثر ما ارتبطت بقبول الشرعية والرضي بالحكم العسكري منهجا وقاعدة سياسة تتعاقب عليها الاجيال في حكم مصر .
و كان الرجل قد فشل بشكل أساسي في وضع مشروع ديمقراطي يمكن ان يُبني عليه وان يجدد هذه الشرعية ويطورها وإنما اعتماده الأول وبشكل منفرد على إنجازاته الداخلية ومهاراته السياسية .
وان كنت عزيزي القارئ من المتعصبين لشخص عبد الناصر أو من الناقمين عليه فهي وجه نظرك التي اُقدرها إلا أن الرجل من وجه نظري يُحسب له وطنيته و يحسب له تأسيس دولة قوية حققت معدلات نمو جيده جدا تقف علي مشارف الدول الرائدة صاحبة قرار سياسي خالص نابع عن أرادة وطنية وخلق حاله من الكبرياء والكرامة الخاصة لجميع المصريين والعرب و الافارقة .
وإذا بالأهداف النبيلة قد انحرفت عن مسارها بسبب عوامل مرتبطة بالمحيطين به فسيبقي عبد الناصر تجريه فريدة في تاريخ المصريين وسيظل معشوق البسطاء والضعفاء في مصر والعالم لما يحمل شخصه من رمزيه خاصة , وان جاز لي ان استعير مقوله د / يحيي القزاز حيث قال :- ( ان الحاكم الوطني يخطئ ولكن لا يخون ) نعم عبد الناصر قد اخطأ في تأسيس حكم العسكريين علي مصر , وأخطأ في أهل الثقة واعتماده عليهم ، وأخطأ في عدم تبنية مشروعا ديمقراطيا يضمن للأجيال القادمة من بعده عدم الوقوع في براثن الاستبداد .
واذا بنكسه 5 يونيو 1967 سببا رئيسيا في تراجع شرعية العسكر في حكم مصر وفتحت باباً كبيرا حول الحكم ومسئوليته ومشروعيته ومعايير الرقابة والمسألة وكذب الأعلام الموجه وتضليله للرأي العام وسوء سلوك قيادات كبري في الجيش أمثال ( عبد الحكيم عامر وصلاح نصر وشمس بدران وحمزه البسيوني ) وهو ما زاد من الشروخ في الشريعة الحائرة بقدر ما أحدثت من صدمة لجموع المصريين .
وحين اعتمدت شريعة الحكم العسكري في الفترة قبل 5 يونيو 1967 على كون اسرائيل هي العدو الاول لمصر وللأمة العربية و أتت الهزيمة واحتلت اسرائيل سيناء كاملة والجولان السورية والضفة الغربية كان حتما التساؤل حول شرعية العسكر في الحكم .
فحسم عبد الناصر الجدل القائم حينها بشخصيته وكاريزمته وبثقه الناس فيه ( بخطاب التنحي ) وإعلانه تحمل المسئولية الكاملة عما حدث, فما كان من جموع الجماهير أن اندفعت بدافع الوطنية ونادت بالحفاظ علي الرجل من أجل وطن مهدد بالضياع ومع عدم وجود بدائل شرعية اخري .
ثم جاء السادات نائباً عن عبد الناصر علي سدة الحكم في تكليف من عبد الناصر له لم يكن أمام الشعب حيلة إلا الرضاء به وقبوله بالاستفتاء العام ثقة معاده و مكررة في شخصية عبد الناصر علي الرغم من وفاته .
فوجد السادات نفسة حائراً بين اعادة الشرعية للحكم العسكري والحفاظ عليها أو الارتماء في أحضان ( مراكز القوى ) التي كانت تدرك جيدا مدي ضعف شرعية السادات وضعف منطقه لدي الرأي العام ، وهم مجموعة من رجال عبد الناصر وعلي رأسهم ( علي صبري نائب رئيس الجمهورية , وشعراوي جمعة وزير الداخلية , ومحمد فايق وزير الأعلام ، ومحمد لبيب رئيس البرلمان , وسامي شرف سكرتير رئيس الجمهورية ) , والذين حاولوا الانقلاب علي شرعية السادات بتقديم استقالات جماعية بهدف أحداث فراغ دستوري إلا أن السادات قد أستطاع أن يوظف هذا لصالحه ولصالح شرعيته المفتقدة وضحي برجال عبد الناصر مانحا نفسة شرعية جديدة من منطق ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والتحرر الوطني واسترداد سيناء ) .
وخرج المصريون دعماً لشرعية جديدة بالموافقة علي بقاء السادات بقولهم ( افرم افرم يا سادات ) وتقدم بوعود جديدة للشعب بأجراء انتخابات حرة من القاعدة الي القمة للاتحاد الاشتراكي ووعده بأنه سيشرف بنفسة عليها مع وجود مستشارين من وزارة العدل.
وبدأ السادات في تغيير شرعية ثورة يوليو الي اصباغ شرعية جديدة فيما عرف ( بثورة التصحيح) تولى فيها التخلص من غالبية رجال عبد الناصر ومن تبقي من الضباط الاحرار في يوليو وبدأ في اقرار دستور جديد للبلاد في سبتمبر 1971 لينتقل من شرعية ثورية ليوليو الي شرعية دستورية .
وهنا يجب توضيح مفهوم الشرعية الدستورية والتي تعني :- ( ان يكون الدستور بحسبان القانون الاسمي في بلد من البلاد هو المرجع لتحديد مؤسسات القائمين بتمثيلها المعبرين عن اردتها ويقتضي ان تكون تلك السلطات والمؤسسات خاضعة للدستور عاملة في اطارة لا تعدوه ولا تخرج علية ) وهو مالم يلتزم به السادات .
وان كان هدفة أنهاء الشرعية الثورية ليوليو وتثبيت ملكه بسند دستوري وقانوني جديد ، وفي نفس الوقت أرسال رسالة للغرب بأن نهج العداء للقوى الاستعمارية ( امريكا وفرنسا وانجلترا ) الذي تبنته يوليو قد زال بزوال شرعية ثورة يوليو وهوما يعني اضفاء مشروعية دولية علي حكمة تمنحه موقفا ايجابيا في التفاوض حول سيناء سلميا عام 1971 واوائل 1972 وابرزها مع جوزيف سيسكو حول نتائج روجز مع اسرائيل .
ومن المتعارف عليه في القانون الدولي ان المشروعية الدولية تعنى (الاعتراف الدولي بنظام الحكم في دوله معينه واحترام سياده الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية ) ومن هذا المعني كان يسعي إلي تحييد القوى الكبرى نسبياً عن الصراع العربي الاسرائيلي وعلى أثر ذلك قام السادات بأنشاء ( الحزب الوطني ) برئاسته بديلا عن الاتحاد الاشتراكي مرتكن الي قاعدة حزبية جديدة بعيدا عن قاعدة عبد الناصر مهيمنا على الحياة السياسية ولإعطاء انطباع للغرب ان هناك حياة حزبية ديمقراطية وليدة تنشأ استنادا الي قاعدة دستورية وقانونية بعيدا عن الشرعية الثورية .
و استطاع السادات ان يجدد الشرعية ويبعث فيها الحياة وصلت الى مجدها وذروتها بعد انتصار اكتوبر 1973 والذى منح العسكريين شرعيه جديده وثوبا فضفاضا في البقاء على حكم مصر استثمره العسكر فيما بعد اسوء استثمار .
ولكن سرعان ما تراجعت مشروعية السادات مع قرارات ألغاء الدعم فيما عرف ( بانتفاضة الخبر ) حيث مظاهرات شعبيه عارمه مصحوبه بالعنف ضد الغلاء يومي 18 و 19 يناير 1977 في محافظات مصر كان عنوانها الرئيسي رفض الإجراءات التقشفية لتحقيق عجز الموازنة وربط هذا بضرورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتدبير موارد مالية إضافية وهذا ما جاء علي لسان د/ عبد المنعم القيسوني نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية في خطابة أمام مجلس الشعب في 17 يناير 1977 و أجبر السادات بقوة الضغط الشعبي علي التراجع عن قراراته الاقتصادية .
بعد ما ترك شرخاُ كبيراُ في مشروعيته و في شرعية الحكم العسكري لما استخدم من وسائل قمعية واتهامات ملفقه من قبل ( مباحث أمن الدولة ) والتي زالت بموجب حكم المحكمة الذي أصدره المستشار حكيم منير صليب ببراءة جميع المتهمين في هذه الأحداث و فضحه للنظام وتعرية أساليبه أمام الرأي العام في مصر .
وعلي اثر ذلك بحث السادات عن سبل جديدة لمساندة شرعيته بعيداً عن ( الليبراليين والقوميين والاشتراكيين واليساريين ) فلجأ الي الشرعية الدينية مساندا للجماعات الدينية في التوغل للحياة السياسية والجامعية لخلق بديل وظهير جديد له ومنحه مشروعية ترتكن الي سند ديني ولقب
( بالرئيس المؤمن ) .
وتبددت الآمال بسفر السادات الي تل ابيب ولحقها اتفاق كامب ديفيد ليكون سببا في زوال شرعيته ومشروعيته وتبني الجماعات الدينية منطق تكفير الرئيس المؤمن لينتهي الأمر باغتياله.
ومن حينها مضت الدولة المصرية بغير أهداف واضحة للأمة ولا دوافع حقيقية قادرة علي إبقاء الدولة المصرية وحفظ الاستقرار السياسي الذي يُمكن لتحقيق تنمية جادة وحقيقية ورخاء يستفيد منه المواطن .
بل تحولت السياسة في الدولة المصرية إلي دولة قائمة علي السمسرة في كل شيء وأي شيء ومن أجل أي شيء بسبب الانفتاح الاقتصادي وكان يقود ذلك عسكر مبارك الذي توسع في تعينهم في كل المؤسسات والهيئات المدنية للدولة وأنتشر السوس والدود حاملاً عفناً قبيحاً يضرب كل اًسُس وعقائد الأمة المصرية معولاً لهدم أيه ثوابت وطنية أو فكرية أو أخلاقية .
وبحث مبارك عن مشروعية جديدة فبدء يوظف الأعلام لصالحة ولم يكن هناك بديل إلا اللعب على العاطفة الكبرى للمصريين وهي حرب أكتوبر 1973 وحرف تاريخاً كاملاً بان الرجل هو صاحب الحرب وصاحب الضربة الجوية الأولي التي لولاها ما كان النصر واختزلت البطولات الرائعة لكافة الأفرع والتشكيلات والضباط والأفراد والجنود لتجسد بطلاً من ورق وهو مبارك .
وتم تنحية العسكريون الرافضون لبقاء العسكر في الحكم وإهمالهم وعلي رأسهم اصحاب النصر الحقيقي لأكتوبر ( سعد الدين الشاذلي وعبد الغني الجمسي ) ومع مرور الزمن اُستبدل المجلس العسكري بعسكر جدد كل همهم البزنس أينما يكون وهؤلاء الأبناء الشرعيين لاتفاقية كامب ديفيد وعقدوا اتفاقيات مع امريكا وانجلترا ومن ورائهم اسرائيل سياسية واقتصادية وعسكرية بتدريب خيرة الضباط المصريين في بلدانهم وصار الجيش المصري مكشوفا عارياً أمام اسرائيل وفتحت أبواب مصر الاقتصادية والسياسية لعبث اليهود فيها .
ومن تلك اللحظة سقطت شرعية هؤلاء لانحرافهم عن العقيدة العسكرية للجيش المصري وعن أهداف ثورة يوليو 1952 ، بالإضافة ألي تفرغهم لحصد المال وما عليك عزيزي قارئ هذا إلا أن تحرك مؤشر البحث علي جوجل وتكتب ( اقتصاديات الجيش المصري ) لتفاجأ بأن كل الدراسات الاقتصادية تتحدث عن إمبراطورية كامله سيطر عليها العسكريين مبنيه علي الفساد .
وتحول رجال الحرب والسلاح إلي تجار وإقطاعيين وشتان الفارق بين من يحمل السلاح من أجل الدفاع عن أرضة وعرضة وشعبة وبين من يحمل السلاح دفاعاً عن مال سرقه من شعبة ، فالأول خير ورمز للعزة والشرف ، والثاني شر رمز للخسة ، فالأول قادر علي الحفاظ والدفاع عن الأرض والعرض ، والثاني بائع لكل شيء واي شيء فهو لا يفكر إلا فيما سيكنزه في جيبة .
ولم يعدلهم مشروعية دستورية كيفما كان يرغب السادات في ذلك ففقد العسكر شرعية يوليو ثم الشرعية الدستورية المستمدة من دستور 1971 لأنهم تخلو عن الأسُس التي قامت عليها أول جمهورية في مصر عام 1952 وتخلوا عن كامل أهدافها وانحرفوا بكل معاني الدولة والوطنية ودليلي علي ذلك ما جاء حول تعريف مفهوم الشرعية الدستورية في القانون حيث :( يتوقف مفهوم المشروعية الدستورية علي مجموعة من العوامل من أهمها المبادئ التي أسُست عليها الدولة والأهداف التي يسعي لتحقيقها الدستور والبيئة التي خرجت منها الوثيقة الدستورية ).
وللحديث بقية في الجزء الثاني
بقلم
وائل رفعت سليم
المحامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.