{وأجعل هذا البلد آمناً وأرزاق أهله من الثمرات} هذا هو شرط بناء المجتمع "أمن ورزق" ومنه ننطلق إلى بناء الدولة وقال في موضع آخر {فليعبدوا ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف} بمعنى ؛ بعد بناء المجتمع بأساس قوي "رزق وأمن" التي وفَّرها الله لكم عليكم القيام بواجب عبادته ، وعلى هذا يمكنا القياس لنقول لا إحترام ولاطاعة لسلطة أو قيادة عجزت عن توفير الأمن وفرص طلب الرزق ؛ فكيف إذا كانت هذه السلطة هي التي عطلت فرص العمل والصحة والتعليم والكهرباء وباقي الخدمات بفسادها وعجزها وبدعوى (لاصوت يعلو فوق صوت المعركة)...؟؟
في 1957 أعلنت ماليزيا استقلالها ؛ ومع إعلان الاستقلال تشكلت منضمتان إرهابيتان الأولى حزب إسلامي والثانية حزب شيوعي أسسته أقلية صينية مدعومة من الصين . . . ولكن ماليزيا لم تقل (لاصوت يعلو فوق صوت المعركة) بل جعلت أولويتها بناء ماليزيا وتنميتها اقتصاديا وعلميا وصحيا واجتماعيا وجعلت محاربة الإرهاب إجراءات أمنية روتينية .
واستمرت المنضمتان الإرهابيتين في الاغتيال والتفجير على مدار عقود منذ عهد أول رئيس وزراء تنكو عبدالرحمن وحتى زمن ولاية مهاتير محمد ... وكلما تحسنت حياة الشعب الماليزي كانت الحلقة تضيق حول المنظمات الإرهابية ، وأصبح الشعب صف واحد ضدها ، بل حتى الغابات ضاقت عليها ولم تعد مخبئ آمن لها ، حتى ذابت هذه المنظمات وانتهت ولم تعد تذكر .
وفي اسبانيا تأسست منظمة ايتا الانفصالية في 1959 ومارست الإرهاب ؛ ونفس ماحدث في ماليزيا حدث في اسبانيا ؛ اندفعت القيادة نحو التنمية والبناء وتحريك عجلة الإنتاج ، وجعلت محاربة الإرهاب إجراءات أمنية روتينية .
ونتذكر أيضاً الحالة الأسكتلندية ؛ عندما خاض ملوك انجلترا عبر مئات السنين حروباً طاحنة عجزت عن اسقاط الثورة الأسكتلندية ، وعندما تغيرت السياسة الانجليزية في ال50 سنة الأخيرة وتحولت نحو البناء والتنمية وتوفير حياة كريمة للمواطن الإسكتلندي بالتساوي مع المواطن الانجليزي سقطت الثورة .
لقد مضى عام منذ انتهت معارك تحرير الجنوب ، وتبقى من المهام العسكرية المهام الأمنية الروتينية فقط . . . ومنذ عام أنا وغيري كتبنا ونادينا ولكن القيادة لا تسمعنا . . . عامٌ مضى ومازال الشعار المخادع "لاصوت يعلو فوق صوت المعركة" هو السيد القائد ، بمعنى ؛ هس لاتتكلم عن التنمية ومكافحة الفساد والتخلص من الفشل فنحن في حرب تحرير وحرب ضد الإرهاب..!!!!
وحتى لو كنا في حالة حرب فهذا لايمنع من وضع خطط استراتيجية للتنمية ، فاغلب دول العالم التي خاضت حروب كانت تبني وتطور وتتقدم خلال سنوات الحرب . . . تلك الدول كانت توزع المهام بين مكلفين بالمهام العسكرية وآخرين يكلفون بالمهام التنموية ، فلماذا لانفعل مثلهم..؟
أخشى ما أخشاه أن يكون هذا الشعار الزائف هو وسيلة للتنصل من أداء الواجب وللتغطية على تنفيذ أوامر طرف خفي يريد هذا الوضع للجنوب حتى إشعار آخر .
إنَّ شعبنا اليوم يريد رؤية خطط واضحة ؛ حتى يعرف كل مواطن واجباته في هذه الخطط ؛ يريد توجيهات وتعليمات تضع له معالم طريق البناء والتنمية حتى يشارك في بناء وطنه وتنميته وتأمينه . . . الشعب لايريد سماع وعود وأوهام ، ولايريد رؤية شماعات الفشل .
على حكَّام الجنوب اليوم أن يدركوا أن الصراع في اليمن لن ينتهي خلال أشهر ولا سنوات ؛ هو صراع طويل فيه المؤامرات والعمالة والخيانة والارتزاق وخلايا الإرهاب والمناوشات وفيه المواجهات المسلحة . . . فلاينتظروا نهايته ، فهو لن ينتهي على الأقل خلال العشر سنوات القادمة .
إنَّ محاربة الإرهاب تبدأ بالتنمية وتحسين حياة الناس ؛ اقتصاديا وصحياً وعلمياً وثقافياً وأخيراً بالقوة المسلحة . . . لأنَّ نمو المنظمات الإرهابية سببه حالة الركود والفقر والحاجة ، فلو تحركت الحياة ووضعت الخطط التنموية وتم تنفيذها لن تجد المنظمات الإرهابية من ينظم إليها ، ولن تجد البيئة التي تختبأ فيها ، وتسهل عملية تطويقها وقصر نشاطها ، بل والقضاء عليها مهما كانت قوة العدو الذي يؤسسها ويقف خلفها . هكذا يقول العلم والتاريخ .