الثقافة والحضارة يمثلان سلوكاً يجسده الإنسان في حياته اليومية. بل ويورثه الأبناء والأحفاد متى ما ظلت الظروف موائمة لهكذا سلوك. كنت في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي مديراً لمدرسة الشهيد جندوح الموحدة(قرية عبر لسلوم) وكنت أثناء توجهي صباحاً مشياً على الأقدام أصادف يومياً امرأة في الخمسينات من العمر تحث الخطى متجهة إلى الحوطة، بينما أتجه أنا إلى قريتها لأبدأ عملي في مدرستها.
كنت ألتقيها في ذات التوقيت وفي نفس المكان تقريباً. . أنا طالع من الجشو( اسم عبر) وهي نازلة إليه. وكانت دائماً تسألني عندما نلتقي :"شوه الحل ، يابني". تعني: كم الساعة؟
وحتى أرضي فضولي، وأعرف السر الذي يدفع تلك المرأة إلى السوال الدائم عن الوقت(أو الحل، بلهجتها).سألت عنها فقيل لي بأنها تعمل في مصنع العزف الكائن (أيامها) في موقع سينما الجنوب في الشارع الخلفي في الحوطة.
حقيقة لقد أكبرت في تلك المرأة هذا القلق والحرص على الحضور وقت بدء الدوام في مصنعها، كما كان يطلق عليه حينها. رغم أن الراتب الذي كان يعطى للعاملات فيه ضئيل (150 شلن، بحسب علمي).
ذات المثال في الانضباط في الحضور والالتزام بتوقيت الدوام كنت أجده في اثنين من شخصياتنا الاجتماعية (الحاج صالح مسعود(الريح) والشاعر عبد الخالق مفتاح)، يرحمهما الله ، اللذين كانا يعملان لدى مؤسسة البناء الكائنة في إدارة الكهرباء حالياً(خلف مكتب الثقافة) كنت التقيهما صباح كل يوم وأنا ذاهب إلى الكلية أمام إدارة أمن المحافظة، وفي نفس التوقيت تقريبا.
السؤال هنا هل هذه الروح ماتزال موجودةً بيننا هذه الأيام؟ وهل هناك نماذج في الانضباط للعمل تحاكي في سلوكها والتزامها النماذج التي ذكرت؟ قد تكون هناك نماذج في الانضباط والالتزام بمواعيد الدوام وكذلك في الأداء، لمنها، للأسف، تمثل الاستثناء، وليس القاعدة كما كان الحال في أيام تلك النماذج .
ترى ما الذي حدث لنا لتتغير أخلاقنا وقيمنا ومواقفنا تجاه العمل؟
في اعتقادي أننا، منذ وحدة الفيد والضم والإلحاق، تعرضنا، كجنوبيين، لأسوأ حملة ممنهجة لإفساد أخلاقنا ومنظومة قيمنا وما نعانيه اليوم هو نتاج طبيعي لها. إنها التركة الأسوأ لنظام الاحتلال اليمني التي ينبغي علينا العمل على اجتثاثها واستعادة كل قيمنا وأخلاقنا الجميلة التي افتقدناها منذ دخولنا وحلة الوحدة.