كشفت مصادر يمنية أن سببين جعلا الوفد الحوثي الذي زار بغداد أخيرا يقطع جولته التي كان مفترضا أن تشمل أيضا بيروت للقاء ممثلين لحزب الله وطهران للقاء مسؤولين إيرانيين. وحظي الوفد باستقبال رسمي في بغداد من قبل رئيس الحكومة حيدر العبادي والرئيس فؤاد معصوم ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري وقادة عدد من الميليشيات التابعة للأحزاب المذهبية العراقية المحسوبة على إيران. وأوضحت هذه المصادر أنّ السبب الأول لقطع الجولة شعور سلطنة عُمان، التي تحولت إلى ممر إجباري للوفود الحوثية إلى بقية أنحاء العالم، بأنها لا تستطيع الذهاب بعيدا في عدائها للمملكة العربية السعودية وذلك في وقت تمرّ فيه العلاقة بين الرياضومسقط بأزمة صامتة. وذكرت أن السلطات العمانية، حيث يشرف وزير الدولة للشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله على الملف اليمني، فضلت إيجاد ذريعة لدعوة الوفد الحوثي إلى العودة إلى مسقط بحجة أن لديه موعدا مع إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. وقد حصل اللقاء أمس في العاصمة العُمانية. وعزت المصادر نفسها السبب الثاني لقطع جولة الوفد الحوثي إلى اعتراضات صدرت عن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. واعتبر علي عبدالله صالح أن جولة الوفد تعتبر خروجا عن التنسيق السياسي والعسكري معه، إذ أن مثل هذه الجولة تؤكد أن “المجلس السياسي الأعلى” الذي شكله الرئيس السابق مع الحوثيين محسوب على محور إقليمي تقوده إيران. وأشارت إلى أنّ جولة الوفد أثارت خلافا بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح الذي نقل عنه قوله إن تشكيل “المجلس السياسي الأعلى” استهدف إظهار الحلف القائم بين الجانبين في مظهر القادر على “اتخاذ قرارات مسؤولة دفاعا عن مصلحة اليمن وليس تأكيد ما يقال عن أنّ هذا الحلف مجرّد أداة إيرانية”. ونقلت هذه المصادر عن علي عبدالله صالح أيضا أنّ زيارة الوفد الحوثي لبغداد ولقاءاته مع قادة الميليشيات، الذين استغلوا اللقاء لمهاجمة السعودية، أكدا الصبغة الإيرانية والمذهبية للحلف الثنائي بين المؤتمر الشعبي العام (حزب علي عبدالله صالح) والحوثي، رغم سعي الحلف إلى نزع هذه الصبغة عنه. ومعروف أن الفريق المفاوض المؤتمري الحوثي لا يزال في مسقط منذ مغادرته الكويت الشهر الماضي، ذلك أن السعودية ترفض السماح للطائرة العُمانية التي تنقل أعضاء الوفد القيام برحلة مباشرة من مسقط إلى صنعاء من دون التوقف في الرياض أو جدة للتأكد من أنها لا تحمل “ممنوعات”. وواضح أن الضغط العماني حال دون سفر أعضاء الوفد إلى بيروت وطهران كي لا يعقدوا موقفهم من السعودية، ما يقود إلى تضاؤل فرص نجاح جهود السلام التي تقودها مسقط بهدف التوصل إلى حل سياسي في جارتها الغربية. وبدأت الجماعة الحوثية تتصرف كدولة متجاوزة كونها جماعة، حتى أن الحوثيين بدأوا يراسلون زعماء دول خصوصا في أميركا اللاتينية والدول المقربة من إيران، وهو وضع أقلق حليفهم صالح، كما أقلق مسقط التي عملت على ترويضهم وتأهيلهم ليكونوا جزءا من الحل بالاستعانة بالمسؤولين الإيرانيين. وكان المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد قد سلم مسودة من اتفاق مقترح لإنهاء الحرب في اليمن للوفد الحوثي في مسقط الثلاثاء، قبل أن يلتقي بالرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي في الرياض لذات السبب. وأشارت مصادر سياسية يمنية في تصريح ل”العرب” إلى أن تحركات المبعوث الدولي تصب في اتجاه استئناف مشاورات السلام اليمنية التي توقفت في السادس من أغسطس الماضي. وقالت المصادر إن الكويت مازالت المكان المحتمل لاستئناف المشاورات مع وجود تحفظات حوثية تطالب بأن تعقد الجولة القادمة في بلد غير عربي. ولم تستبعد المصادر أن تلتئم جولة المشاورات القادمة في شهر أكتوبر المقبل. وحول مضامين الحوار القادم وما إذا كانت مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري ستكون أساس الحوار المرتقب، نفى المبعوث الدولي إلى اليمن وجود اختلاف بين خطته للتسوية السياسية والأفكار التي قدمها كيري الأسبوع الماضي. وقال ولد الشيخ في تصريحات أدلى بها عقب جلسة مغلقة لمجلس الأمن بشأن التطورات في اليمن، إنه طرح خطة شاملة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية في اتفاق واحد، على أن يكون ذلك وفق تسلسل زمني محدد، مشيرا إلى أن الحوثيين وافقوا على تسليم السلاح والانسحاب من المدن طبقا لجدول زمني. ويضغط المجتمع الدولي بقوة من أجل إنهاء الحرب في اليمن وفرض اتفاق يفضي إلى تقاسم السلطة بين الحكومة الشرعية والمتمردين، غير أن مراقبين استبعدوا أن يوافق الحوثيون على أي خطة لا تكرس وجودهم كسلطة أمر واقع في صنعاء. وقد أعلن الحوثيون عن رفضهم تسليم السلاح عقب تصريحات وزير الخارجية الأميركي التي عرض فيها خطته للحل في اليمن مباشرة، فيما لا يزال الرئيس هادي يتمسك بشرعيته الدستورية ومضامين القرار 2216 والمبادرة الخليجية والحوار الوطني كمرجعية لأي حوار. وفي ظل هذه التعقيدات تعود إلى الواجهة خيارات الضغط على المتمردين وعلى رأسها خيار الحسم العسكري الذي أطل برأسه مجددا من خلال المعارك التي تشهدها منطقة “صرواح” شرقي العاصمة صنعاء.