قبل عامين، كان المتشددون الإسلاميون يفجرون دور السينما في مدينة بيشاورالباكستانية، ما قاد إلى توقف صناعة السينما الناطقة باللغة البشتونية في المنطقة. الآن وفي ظل حدوث تحسن كبير في الأمن، بدأ المخرجون في بيشاور يعودون مرة أخرى إلى العمل وبدأت دور السينما تفتح أبوابها للجمهور من جديد. تاريخياً، تمثل بيشاور، عاصمة إقليم خيبر بختون خوا التي تقع في شمال غرب البلاد، قلب صناعة السينما الناطقة باللغة البشتونية في باكستان. ولكن منذ عام 2007 تقريباً، أصبحت المدينة تُعرف بشيء آخر: العنف والتطرف. حدث هذا عندما سيطرت حركة طالبان وجماعات مسلحة إسلامية أخرى على مناطق شاسعة مما يعرف باسم المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، التي تنتشر على طول الحدود مع أفغانستان وتسكنها غالبية من عرقية البشتون. تقع خيبر بختون خوا بجوار المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية مباشرة، وعلى الرغم من أن المسلحين لم يحتلوا بيشاور مطلقاً، إلا أنهم يتمتعون بنفوذ قوي وواضح هناك. وبالنسبة للسينمائيين والموسيقيين والفنانين الآخرين، كانت تلك أيام مظلمة، حيث تعرَّض كثير منهم للتهديد، بل وقتل بعضهم فعلاً. فقد قتلت المغنية الشعبية، غولنار، التي كانت تستخدم اسماً واحداً فقط، مثل العديد من البشتون، برصاص مسلحين مجهولين في بيشاور في ديسمبر 2013. وقتل مهاجمون مجهولون ممثلة تلفزيونية محلية بشتونية، مسرات شاهين، في أغسطس عام 2015 في منطقة نوشيرا في إقليم خيبر بختون خوا. كما تم تفجير أكثر من عشرة محلات لبيع الموسيقى، ولقي 13 شخصاً مصرعهم في تفجير سينما شامة في وسط مدينة بيشاور في 2014. وقال شهيد خان، وهو مخرج أفلام: " في تلك الأيام، كان من المستحيل تقريباً الخروج [لتصوير الأفلام]، حيث كان المسلحون يشنون هجمات في كل مكان تقريباً في البلاد ... كما أن غالبية زملائنا تركوا هذه المهنة بسبب التهديدات المستمرة من حركة طالبان". والجدير بالذكر أن الجيش الباكستاني شن حملة هجومية في أكتوبر 2014 وانتهت رسمياً في وقت سابق من هذا العام بعد بسط الحكومة سيطرتها على جزء كبير من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية والمناطق المحيطة بها. والآن، بعد طرد المسلحين من بيشاور، أصبحت مقاعد دور السينما ممتلئة عن آخرها. شهيد خان هو أحد أقطاب صناعة الأفلام المحلية، يكتب ويخرج ويقوم بأدوار البطولة في أفلامه. وعلاوة على ذلك، يمتلك شهيد خان واحدة من اثنين من دور السينما الناطقة باللغة البشتونية في المدينة وطرح فيلمين في 13 سبتمبر، بالتزامن مع عطلة عيد الأضحى. وتعليقاً على ذلك، قال شهيد: "نحن نحقق أرباحاً جيدة في هذا العيد لأن الناس يتوافدون بأعداد كبيرة لمشاهدة أفلامنا ... تحسن الوضع الأمني والقانوني شجع الناس على الذهاب إلى دور السينما". وقد تسببت الحملة العسكرية في إرباك الوضع للغاية، إذ أدّت إلى نزوح أكثر من 300,000 أسرة في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية وإقليم خيبر بختون خوا مع احتدام القتال وتدمير المنازل والمدارس وغيرها من البُنى التحتية. وبنهاية شهر أغسطس، تمكنت 181,856 أسرة من العودة إلى ديارها، وفقاً لتقرير صادر عن مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). انظر: النازحون الباكستانيون بسبب الحرب يعودون لاقتصاد مدمر لكن يمكن القول أن الحملة قد نجحت في ظل أن الإسلاميين لم يعودوا يتحكمون في المراكز الحضرية وبعدما تم طردهم من العديد من المناطق الريفية. مع ذلك، إذا كان الجيش قد جلب السلام، فإنه سلام هش. فلا يزال هناك وجود مكثف للقوات في بيشاور، ويجب على الناس الذين يدخلون ويخرجون من المدينة المرور عبر عمليات تفتيش أمنية مشددة على حواجز التفتيش التي يديرها الجيش. في الوقت نفسه، أدى التحسن أمني في المنطقة، وإن كان ضعيفاً، إلى إحداث نهضة في صناعة الأفلام. وتأكيداً لهذا، قال شهيد لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن العام الماضي شهد إنتاج سبعة أفلام، أي قرابة العدد نفسه الذي كان يتم إنتاجه قبل الحملة التي شنها الناشطون الإسلاميون على الفنون والثقافة. وخلال هذا العام، طرحت تسعة أفلام بالفعل، ما يمثل أكبر عدد في تاريخ السينمائيين البشتون. ولا تزال صناعة السينما تتكبد خسائر تصل إلى قرابة 7 ملايين روبية (66,835 دولاراً) سنوياً نتيجة لإغلاق أكثر من 19 دار سينما في إقليم خيبر بختون خوا منذ عام 2007، ولا تزال معظمها مغلقة، وفقاً لأرشد خان، شقيق شهيد، الذي يعمل أيضاً منتجاً ومخرجاً للأفلام الناطقة باللغة البشتونية. وتعقيباً على ذلك، قال أرشد: "لقد أغلقت دور السينما هذه بعد تلقي أصحابها تهديدات من المسلحين، ولكن ينبغي أن يعاد فتحها الآن بعد استعادة السلام إلى المنطقة". وقد تحسن الوضع المالي كثيراً، وفقا لأرشد: "في أيام الإرهاب، كنا نواجه خسارة تقارب 3 ملايين روبية (28,643 دولاراً) في كل فيلم بسبب تدني عدد الحضور"، مشيراً إلى أن تكلفة إنتاج الفيلم تبلغ في المتوسط 4 ملايين روبية. أفلام مثيرة والآن، لم تحدث زيادة كبيرة في إنتاج الأفلام الناطقة باللغة البشتونية فقط، بل إن بعضها أضحى يتحدى الإسلاميين بشكل مباشر، ويسلط الضوء في الوقت ذاته على المشكلات الخطيرة التي أخفقت الحكومة في معالجتها. أحد تلك الأفلام الجديدة من إنتاج شهيد خان بعنوان (اقبلوا بلطجتي) ويسعى لإظهار كيف يدفه الظلم والفساد والبطالة يدفعوا الشباب للارتماء في أحضان العصابات الإجرامية والجماعات المسلحة. وقد وصلت هذه الرسالة لمحمد جبران، الذي جاء مع خمسة من أصدقائه لمشاهدة فيلم خان الجديد. وتعليقاً على هذا الفيلم، قال محمد جبران: "الأفلام البشتونية تشكل جزءاً من ثقافتنا، فهي تعلمنا الوقوف في وجه الطغاة والمعتدين والمسلحين ... نحن سعداء بمشاهدة هذه الأفلام مرة أخرى بلغتنا الأم".