المتابع للشأن الجنوبي والمراقب لتصرفات القيادات الجنوبية ككل أكانت تلك ( المنظوية في إطار الشرعية ) والتي لا تمتلك غير الترقب الحذر لما ستفرزه تطورات الأوضاع في يمن ما بعد مبادرة ولد الشيخ وانتظار موقعها من خارطة ما بعد المبادرة ، أو تلك القابعة في مدارات التيه والمتخبطة في قراءة الواقع السياسي وكيفية التعامل معه ( قيادات الحراك اللامتشرعنة ) ؛ يدرك جيداً أن الجنوب ما بعد العاصفة يمضي نحو مستقبل لا يقل غموضاً عن مستقبل الجنوب ما قبل العاصفة ولا ينقصه قتامة ، ووحدها الأحداث والتطورات التي تتسارع دون إرادة اللاعب الجنوبي هي من تخدم الجنوب على هيئة أقدار تتوالى شاء الله أن تكون في صالحنا كقدر عاصفة الحزم مثلاً ... وإذا ما فصلَّنا الحالة الجنوبية الثورية التائهة بالنظر إلى شِقَّي الحراك والمقاومة لوجدنا أن الواقع الجنوبي الثوري اليوم يتجه نحو الوضوح في التخبط واللارؤية . هذا الواقع لم يكن وليد اللحظة ولم يأتِ نتاج التطورات الأخيرة وإفرازات الحرب وحسب بل هو أشبه بمتلازمة التخبط والتفكير الثوري الجنوبي في مختلف المراحل النضالية منذ انطلاقة الحراك السلمي وحتى اللحظة والذي يهوي بالثورة في حلاكة اللامعلوم لتأتي الأقدار ككل مرة وتكون عامل إنقاذ غير مكتمل لها . المشهد الثوري الجنوبي اليوم يتوزع بين قطبين مختلفين في التوجه وتجمعهما حالة التخبط واللاوضوح في منهاجهما . هذان القطبان هما : 1- قيادات الحراك والمقاومة الجنوبية التي انخرطت في الشرعية . 2- قيادات الحراك والمقاومة الجنوبية التي ترفض الانخراط في مناصب الشرعية أو على الأقل تتحفظ . وبالعودة الى التقييم والتدقيق في نهج قطبي المشهد الثوري الجنوبي يمكننا بسهولة معرفة ماهية السياسة الجنوبية ونهج الحركة الثورية الجنوبية اللتان تتغلب أمران التخبط والعاطفة . فبالنظر مثلاً إلى القطب الأول ( قيادات الحراك التي انخرطت في مناصب بالشرعية ) يمكننا جيداً أن نستخلص أن هذا القطب يسير بلا رؤية ولا خارطة واضحة لكيفية السيطرة على المؤسسات الجنوبية خصوصاً في ضل حالة اللاقبول للمطلب الجنوبي من قبل دول التحالف والتي ستضع بكل تأكيد لاءات وخطوط حمراء عليهم لمنع فرض الواقع الجنوبي على الأرض الجنوبية من جهة وحالة التفتت والتشتت التي تتعيشه فصائل المقاومة والحراك على حد سواء والتي تجعلهما الحلقة الأضعف في أي سلسلة حل قادم من جهة أخرى . وإذا إن السياسة تقتضي وضع الفرضيات وطرح تصور لكيفية التعامل عند كل فرضية واحتمال ومن هنا لو افترضنا مثلاً أنه تم التوافق على مبادرة ولد الشيخ وقبلت بها أطراف الصراع ككل بطريقة أو بأخرى فأين هي القضية الجنوبية منها ؟ وهل يستطيع اللاعب الجنوبي المشتتة أجزاءه أن يفرض نفسه كطرف لا يمكن تجاوزه وفقاً للأمر الواقع الذي يتحدث هذا الطرف أنه سيفرضه من خلال مواقعهم في الشرعية ؟ ماذا لو تم إقالة هؤلاء ؟ هل استطاعوا أن ينتزعوا ضمانات تمكنهم من فرض الأمر الواقع كانتزاع أسلحة تمكن الجنوب من الدفاع عن نفسه فيما لو توقفت عاصفة الحزم ؟ أو مثلاً انتزاع رصيد مالي باسم اعادة الإعمار أو غيره يمكننا من فرض الإرادة الجنوبية مقابل القبول بالدخول في هذه المناصب ؟؟ ماذا لو انتهى الحوثي في الشمال طريقة أو بأخرى وكيف ستتعامل معنا دول التحالف حينها ونحن بهكذا وضع مشتت وممزق ؟؟! إلى أين المسير ومتى ينتهي ؟ وهل من عجز عن توفير كهرباء سيسهل عليه استعادة الوطن المحتل بهكذا نهج ؟ إن الاستمرار بهكذا نهج وبلا رؤية وبطريقة أشبه ما تكون بدعممة اللهجة العامية ولن ينتج سوى الانتصار الشخصي لهذا القطب وليس الانتصار للوطن . هناك الان تزاوج بين الشرعية ومن يمثل القضية وذلك لا يعني ان كل منهما تنازل عن مشروعه واهدافه فبالوقت الذي يفكر من ذهب الى الشرعية لاستغلال الشرعية لتحقيق أهدافه فالشرعية أيضاً تفكر آلاف الأضعاف في استغلاهم أيضاً لتحقيق أهدافها وكلاً يحاول استغلال الآخر لتحقيق أهدافه والغلبية ستكون لمن يمتلك المشروعية من اللاعب الخارجي ... أما عن القطب الثاني المتمثل بقيادات الحراك والمقاومة التي لم تذهب الى الشرعية فهذا القطب لا يقل تخبطاً عن القطب الأول بل قد يزيد عليه في التخبط واللارؤية . قيادات هذا القطب لا تمتلك أي رؤية مقنعة ولا خارطة نضالية وتعيش في حالة تيهان ما جعل معظم الجماهير تصفق للقطب الأول لغياب أي رؤية لدى القطب الثاني . إن على هذه القيادات أن تدرك أن التنظير ليس وحده كافياً لإنقاذ الوطن ، وأن التصريحات ليست حلاً أيضاً ، وأن عليهم أن يبحثوا عن رؤية تجمعهم لا أن يبقوا حبيسي أفكارهم ومنازلهم أيضاً . هل يمتلك قيادات هذا القطب الجرأه والشجاعة لالتقاء والبحث عما يجمعهم والخروج برؤية واضحة وتصور للمرحلة وللحلول المناسبة لها . إن بقاءنا رهن هكذا تخبط سيسهل على كل الأطراف الخارجية اختراقنا وجعلنا شبيهين بمناديل الفاين تستخدمنا الدول الخارجية عند حاجتها لنا ثم ترمي بنا أرضاً بعد الاستخدام أو عند الاستغناء عنا . إن الحقيقة التي يجهلها الجنوبيين هي أن التحالف بحاجة لهم أكثر من حاجتهم هم له وأن السياسة مصالح ومصالحنا اجتمعت مع مصلحة دول التحالف العربي كون العدو واحد وخطره واحد أيضاً ، وكون العدو يستهدفنا جميعاً وهو ما يعني أن علينا ألا نكن مجرد أداة بيد التحالف لاستخدامنا في تحقيق أهدافه وننسى نحن أهدافنا . كما أن الجنوبيين يجهلون حقيقة أن السياسة لا تحتكم إلا للمصالح وأن الشعارات الدينية والقومية وغيرها ليست سوى ورقة رابحة لبعض الدول لبسط نفوذها .لذافالتوافق المذهبي مع أياً من الدول لا يعني أنها دائماً في صفنا بل هي في صف مصالحها لا غير . هل تساءلنا لماذا عدن الجنوبية تختلف أوضاعها عن حضرموت الجنوبية أيضاً ؟ هل يتعامل التحالف مع عدن كما يتعامل مع حضرموت ( سياسياً ، وخدماتياً ، وعسكرياً ؟ أسئلة ان أجبنا عنها بواقعية فسندرك حجم المخطط الخطير لذي يستهدفنا والذي يعتمد أساساً لتنفيذه على هشاشة الوضع الجنوبي المثير للشفقة . قد يقول قائل ما هو الحل إذاً إذا كان كلا القطبين ليس على الطريق الصحيح ؟! أن علينا أن نستشعر حقيقة واحدة وهي وجهة نظر شخصية بطبيعة الحال وهي أن الجنوب بحاجة في هذه المرحلة لتفعيل مسارين السيطرة على الأرض والمؤسسات وتفعيل الوهج الثوري الشعبي وهذا لا يتحقق إلا بوجود مجلس أو حامل أو كيان يجمع قيادات الحراك والمقاومة ويتولى عملية تنظيم هذين المسارين بحيث يتم من خلال هذا المجلس أو الكيان ترشيح أناس لتولي مناصب معينة للسيطرة على المؤسسات وفرض الإرادة الثورية وشرعية المقاومة ، وكذا توجيه الشارع وتهيئته وتعبئته ثورياً بحيث لا تكن هناك عبثية ووقع لحظي سريعاً ما ينتهي بانتهاء حدث ما كما لا تكن هناك اجتهدات فردية يمكن من خلالها خلخلة وفكفكة المقاومة والحراك كما هو حاصل الآن . مازالت لدينا فرصة لتوحيد الجهود وفرض قيمتنا الحقيقة باعتبارنا أصحاب الأرض وشركاء أساسيون في صنع الانتصار لذا فمن المعيب إن يتم التعامل معنا كأتباع وكأوراق يتم استخدامها للحاجة فقط والعيب هذا هو عيبنا نحن لا غير فهل نتدارك الوضع قبل أن يفلت من بين أيدينا ؟