تتبادل جميع الاطراف الاقليمية والدولية الرسائل بشأن المرحلة القادمة في منطقة الشرق الاوسط التي يبدو انها ستكون اكثر تعقيدا و اشد سخونة . كان من غير المتوقع للكثيرين فوز اليميني المتطرف ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، ووصوله الى البيت الابيض كان اشبه بزلزال ضرب في عمق المحيط وفاجئ كل المعنيين بتسونامي يتجه اليهم ولا وقت يسمح بمزيد من التريث .
استنفار كبير تشهده المنطقة من قبل الجميع في محاولة لاستكشاف المرحلة القادمة وارسال الرسائل التفحّصيه وتلقى الصدى ، والعمل حثيثا على بدء الترتيب في ضوء المتوقع و رجع الصدى .
شهدت فترة اوباما تهدئة بقدر ما في حدة السياسة الامريكية في المنطقة ماسمح بخروج الاتفاق النووي الايراني و بالتلاقي بقدر ما بين امريكاوايران في الحرب على الارهاب في العراق ، كما سمحت بحراك سياسي ودبلوماسي وُجدت فيه ايران بمعيّة امريكا بشكل مباشر ضمن تفاعلات الملف السوري ، وكذلك من آثارها ضآلة الحضور الايراني في حرب اليمن ، لكن تلك التهدئة قوبلت بحضور أعلى لسياسات خصوم ايران في المنطقة بهدف تغطية العجز المترتب عليها في مواجهة مد النفوذ الايراني و توقعاته ، وهذا الامر منع اقتراب الملف السوري من الحل ، و دفع بالسعودية للذهاب الى حرب تباشرها بنفسها - لاول مرة - في اليمن ، كما خلفّ حدة و مشادات في العراق و في مصر بقدر ما .
أحاديث ترامب في حملته الانتخابية كانت مخيبة لأمال حلفاء واشنطن في المنطقة ومبشرة بمزيد من التخلي عنهم و كاشفة عن وجود تناقض كبير قادم مع سياساتهم ، و هو امر يمكن إدراكه من خلال حديثه عن حرب كاملة ضد الارهاب التي لن تقف عند حدود وستخرج عن هامش المناورة ، وحديثه العدائي تجاه بعضهم .
وبالمقابل كان حديثه عن ايران والسياسة العدائية التي سينتهجها تجاهها بمثابة السقف لأحاديثه عن سياسته تجاه حلفائه في المنطقة ما يجعلهم قد ضمنوا كحد ادنى عدم تطرف سياسته ضدهم ، فلن تخرج حدة أحاديثه تلك الى الواقع لإعتبار السياسة المتطرفة القادمة تجاه ايران . لكنهم لم يتبينوا بعد فيما اذا كانت سياسته القادمة كافية لحاجتهم من الادارة الامريكية ام لا .
ايران بدورها كانت مراقبا حثيثا لأحاديث ترامب ، وبالنسبة لها لا احتمالية لديها فصورة السياسة القادمة لواشنطن تجاهها واضحة المعالم تماما ، فالأمر ليس أحاديث عدائية ضمن التنافس الرئاسي وحسب وانما هناك تململ واضح للاتفاق النووي الموقع مع واشنطن، و هناك إقرار لقوانين عقوبات ضدها وهي خطوة عدائية عملية من كونجرس جمهوري سيضاف اليه رئيس جمهوري متطرف عما قريب .
الولاياتالمتحدة و ايران كمتخاصمين في المنطقة ، وايران و السعودية كمتنافسين اقليميين جميعهم يعملون لترتيب المشهد القادم في المنطقة في نشاط حثيث عنوانه " الامن القومي " و كلا بحسب مفهومه الخاص لأمنه .
رسائل ترامب و اقرار العقوبات من الكونجرس ووضع الاتفاق النووي مع ايران في محل التقويض وليس محل البناء هي رسالة بمفهوم الامن القومي الامريكي في المنطقة للمرحلة القادمة ، ولسان حال السياسة الامريكية هو ان الامن القومي للكيان الاسرائيلي هو من متضمنات الامن القومي الامريكي ، ولن يستمر النظر اليه - كما كان في عهد اوباما - امنا قوميا لكيان حليف .
وضوح الصورة لدى ايران جعلها تبادر بارسال رسائلها بمفهوم امنها القومي بتصريحاتها عن سعيها لبناء قواعد عسكرية في اليمن وسوريا و عن إستكمال سيطرتها على الخليج و مضيق هرمز ، ولسان حال ايران هو انها ستنطلق في فهمها لامنها القومي للمرحلة القادمة من نفس فهمها له قبل الاتفاق النووي ، وانها ستعمل على زيادة الاستقطاب والحضور خارج حدودها و بمستوى اعلى من ماكان عليه قبل الاتفاق النووي الايراني وسيشمل ذلك حضورا عسكريا حيثما أتيح .
السعودية ودول الخليج ليست على نفس وضوح الصورة عن ماهية السياسة الامريكية القادمة و مع انها قد ضمنت انها لن تكون متطرفة ضدها كنوع من الترتيب على السياسة الامريكية التي ستكون متطرفة تجاه ايران - بل ان احتمال زيادة الاقتراب بين سياسة حلفاء امريكا وبين السياسة الامريكية يظل قائما لذات الاعتبار و لمقابلة المستوى الاعلى لمفهوم الامن القومي القادم الذي حملته الرسائل الايرانية - الا انه لا يمكن لها القطع بطبيعة السياسة الامريكية القادمة ، فالمفاجآت الامريكية لحلفائها في المنطقة ليست بالهينة من ما يفرض عليها اقصى درجات الحذر .
عدم وضوح الرؤية السعودية تجاه السياسة الامريكية القادمة هذا يسايره وضوح كامل في الرؤية بشأن الاعتماد الكلي على الدور الامريكي في المنطقة أيا كانت السياسة الامريكية المتبناه من اداراتها فجرح طعنة الاتفاق النووي الايراني لم يندمل بعد .
في ضوء ذلك لم تتأخر السعودية في الرد على الرسالة الايرانية - بمعزل عن التيقن فيما يتعلق بالسياسة الامريكية القادمة - وارسلت رسالتها بمفهوم أمنها القومي للمرحلة القادمة من خلال الاعلان عن جولة للملك سلمان بن عبدالعزيز في دول الخليج و لكن مع استثناء سلطنة عمان وهي احدى دول مجلس التعاون الخليجي ، و لسان حال السعودية انها ستنطلق في مفهومها لأمنها القومي بزيادة تصليب جبهتها ضد ايران من جهة ، و عزل كل الدول التي ترفض ان تتحمل بأجندات معادية لإيران في سياساتها من جهة ثانية ، او لنقل ان السعودية ستعمل في المنطقة حاملة نفس مزاج الأمن القومي الأمريكي إثر ضربات ال 11 من سبتمبر التي عبر عنها الرئيس الأمريكي حينها بالقول " من ليس معنا فهو ضدنا " وهو ما بدأته السعودية باستثناء عمان من زيارات شملت كل دول الخليج ، و قبل ان تعمم ذلك في المنطقة بكلها .