اخترَعوا النظارات لتنهي مشكلة قصر النظر في البصر ، لكنهم لم يخترعوا بعد نظارات تنهي مشكلة قصر النظر في البصيرة والفكر ، وهذه للأسف مشكلة بعضنا من الجنوبيين الذين يعتقدون انهم يعيشون في كوكب آخر غير الكوكب الذي تتواجد به تعز ، ربما هم لا يعرفون ان اقرب مسافة بين حدود تعز المحافظة وعدنالمدينة لا تتجاوز 75 كم فقط . لم يكلف هذا البعض نفسه ليجد اجابه على السؤال لماذا يستميت الحوافش للإمساك بتلابيب تعز ؟ ولماذا لا ينسحبون من تعز لتعزيز دفاعات صنعاء وهي الأولى بالحماية والدفاع خصوصا وان مدفعية الجيش الوطني تهز جبالها المحيطة من بعد 20 كم فقط ؟ في الواقع هم يحاولون إخضاع تعز وأعينهم على الجائزة الكبرى عدن ، فجغرافيا تعز ملاصقة لها ولو انك وقفت على جبل المقاطرة ليلاً فسوف تتراءى أمامك انوار مدينة عدن ( هذا ايام كان هناك كهرباء في زمن الإستعمار البغيض !) ، هذا يعني ان تعز يمكن ان تفتح اكثر من طريق الى عدن ، وهو بالضبط ما يفعله الحوافش اليوم اذ يحاولون شق طريقهم عبر الأحكوم والمقاطرة ، والشريجة ، والوازعية ، وذباب ،.. وهي جميعها طرق تؤدي الى عدن ، لأنهم يريدون ان يكونوا في اقرب نقطة للوثوب عليها مرة اخرى عندما تحين الفرصة . والآن ياجنوبيين فكروا ... الذين يحاولون شق طريقهم لإحتلال عدن ليسوا ابناء تعز ، بل هم حشود ميليشيات جاءت من صعدة وصنعاء وعمران وذمار ، مدججة بكل انواع الأسلحة واكثرها فتكا وتدميرا ، تريد ان تجعل من تعز ممرا آمنا للوصول اليكم . والذين يتصدون لهذه الجحافل هم ابناء تعز ، وهم يدفعون ضريبة هذا التصدي شهداء يسقطون ، وجرحى ينزفون ، ومنازل تُهدَّم على رؤوس قاطنيها ، وحصار يخنق المدينة وساكنيها ، صحيح هم يدافعون عن انفسهم وعائلاتهم ومدينتهم تعز ، ولكنهم في المحصلة يدافعون عنكم وعن عائلاتكم ومدينتكم عدن لأن العدو الذي يقاومونه هو ايضا عدوكم بالأمس واليوم وغدا . كيف يقصُر فكركم عن رؤية ان من تقاتله تعز اليوم هو العدو المتربص بكم ، وان نصرها هو نصركم وهزيمتها - لا قدر الله - هي هزيمة لكم ، لأنكم ستكونون الفريسة التالية لهذا العدو المشترك؟ عودوا الى التاريخ وسوف يخبركم انه لم يحدث ان كانت تعز في اي يوم وبأي صورة من الصور مصدر تهديد للجنوب عموما ولعدن بوجه خاص رغم الجوار الجغرافي ، يستوي في هذا تاريخ ما قبل مجيء الإستعمار وبعده , وقبل نيل الإستقلال وبعده ، وقبل الوحدة والى الآن ، تعز لا تهدد احداً لكن التهديد كان دائما وابدا مصدره الهضبه حيث الأطماع القبلية والسلالية التي تستهدف عدن كما تستهدف تعز وكل المناطق الحضرية والمدنية في الشمال والجنوب معاً .. قبل ايام كان هناك تصريح لعوض بن مبارك السفير في واشنطن قال فيه انه في احدى حوارات جمال بنعمر مع عبد الملك الحوثي سأل بنعمر الحوثي هل تعتقد ان تعز والحديدة ومأرب سوف يقبلون ان يُحكموا بنفس الطريقة التي كانوا يُحكمون بها في السابق ؟ اجابه الحوثي الشمال "حقنا ".. وعندما سأله وماذا عن الجنوب ؟ قال في الجنوب سوف نقاتل حتى آخر رجل ، هذا هو الخطر المحدق بكم يا جنوبيين وان لم تتنبهوا له فأنتم تستحقون كل ما يلحق بكم . هل عندكم اي ارتياب او شك بأن العدو الذي يوجِع تعز ويؤلمها اليوم هو العدو نفسه الذي اجتاح الجنوب واستباحها قبل ما يقرب من 20 عام ، وهو نفسه الذي اوجع عدن وآلمها قبل عام فقط من الآن ؟ أم ان ذاكرتنا مثقوبه الى هذه الدرجة ؟ ، هذا يصل بنا الى استنتاج منطقي وواقعي هو ان تنصروا تعز فقد نصرتم انفسكم ، وان تخذلوها فأنتم في الواقع كالذي يعاقب ذراعه بالبتر لأنه يشك في ولاء ذراعه له. تُحمِّلون عبد الفتاح والشرجبي وكثيرين من ابناء تعز مسؤولية الضيم والقهر والتنكيل الذي لحق بكم إبان حكم الجبهة القومية والحزب الإشتراكي ، ولا احد ينكر مسؤوليتهم مع مجموع من حكموا الجنوب بعد الإستقلال فقد كانوا جزأً من نظام التحق به كثيرون بما فيهم قيادات جنوبية لا تزالون تمجدونهم وترفعون صورهم اليوم في كل مناسبة . ثم ان الجريمة هي مسؤولية شخصية يتحمل وزرها من قام بها ولا تنسحب هذه المسؤولية على غيره ، ومع ذلك فمن الإنصاف القول ان الجرائم والفظائع التي ارتكبت خلال تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الجنوب تمت في معظمها بأيدٍ جنوبية . لكن هذا كله تاريخ ، فلماذا نسمح لإحداث حصلت قبل ما يقرب من نصف قرن ان تتحكم بحياتنا اليوم ؟ الا يصدُق على الذين قادوا الجنوب قبل نصف قرن القول بأنهم " أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ؟ اذن فلنترك امرهم للتاريخ بما فيهم من لا يزال منهم على قيد الحياة ، وان كان الواجب يقتضي احالتهم الى التقاعد بانتظار حكم التاريخ لهم او عليهم ، وليس رفع صورهم في الساحات والمليونيات . لا يجب ان نبدد تفكيرنا وجهدنا في اجترار الماضي بل المستقبل هو ما يجب ان يشغلنا ، ولكي نكسب تحدي المستقبل علينا ان نفهم الواقع من حولنا كما هو من غير تزييف او تضليل او تحليق في سماء الأوهام ، وهذا هو الواقع كما نراه : اولاً : ان التهديد كان ولا يزال وسيظل هو محاولة الحوافش فرض سيطرتهم وهيمنتهم على الأرض والإنسان خارج الهضبة ، واطماعهم في الجنوب هي في نفس مستوى - او تفوق - مثيلتها في تعز والبيضاء ومأرب والجوف والحديدة ... الخ . ثانياً : إن مصير الجنوب مرتبط في هذه المرحلة بمصير المحافظات الشمالية التي تتعرض لعدوان الحوافش ، وفي هذه الحالة فإن مصلحة الجنوبيين الحياتية والمستقبلية تقتضي القاء ثقلهم كله في المعركة لتحقيق نصر حاسم ونهائي على العدو المشترك . ثالثاً : كون الحوافش هم مصدر العدوان الذي يهدد الجميع ، فهذا يستوجب ان تكون الحرب في مواجهتهم واحدة ، النصر الذي يتحقق على اي جبهه منها هو انتصار للجميع ، كما ان الهزيمة – لا قدر الله - في ايٍ من معاركها هي خسارة مشتركة بين الجميع . رابعاً : إن تطلع الجنوبيين لتقرير مصيرهم هو حق مشروع ولكنه غير قابل للتحقيق في هذه الظروف على امل حدوث اختراق فعلي في الموقف الدولي ، والى ان يتحقق هذا الاختراق فإن مشروع الفيدرالية والأقاليم يوفر فرصة تاريخية - على الأقل - لتنفيذ بعض تطلعاتهم الهادفة الى تحقيق المواطنة المتساوية والعدالة في توزيع السلطة والثروة ، عملا بالقول المأثور " مالا يُدرك كله .. لا يُترك كله " ، ومن يدري لعل النجاح في تحقيق العدل ورفع المظالم السياسية والاجتماعية – ان تَحقق - سوف يغير المزاج العام للجنوبيين بشكل جذري. خامساً : المواجهة المحتدمة في تعز اليوم هي معركة كسر عظم ليس لتعز وحدها بل ولعدن ايضا ، ذلك ان انكسار تعز سوف ينقل الخطر مباشرة الى بوابة عدن الغربية ، في حين ان انتصارها سوف يزيل هذه المخاطر بشكل كامل ونهائي . بناء على ما سبق فإن من يرددون المقولات التي تسعى لحرف الأنظار عن العدو الحقيقي للجنوب وتوجيهها بدلا عن ذلك نحو تعز هم – في ظني - نوعين من الجنوبيين : 1. حسني نية - وهم الأكثرية الساحقة - ممن تتحكم بهم عواطفهم فينقلون ما يسمعون او يقرأون من غير ان يتعبوا انفسهم في التمحيص والتدقيق والتحليل ، اعتمادا على ان هذه المقولات يرددها على مسامعهم شخصيات يثقون بوطنيتها ووعيها وثقافتها . 2. سيئ النية - وهم قلة قليلة - ممن يرتبطون بأجهزة حوافشية تصيغ لهم المقولات والشائعات ويتولون هم انزالها والترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص ، بهدف خلط الأوراق وتشتيت جهود الخصوم ، وبث الفرقة والنزاع في جبهة التصدي للانقلاب . وخلاصة القول ان الاخطاء التكتيكية يمكن احتمال نتائجها السيئة اذا تم متابعة تصحيحها وتعديلها بصورة مستمرة ودائمة ، وبخلاف ذلك فإن الأخطاء الاستراتيجية تتسبب بكوارث ونكبات يصعب في المعتاد ترميمها واصلاحها ، ومحاولة تشويه وعي الجنوبيين بالقول ان معركة تعز لا تعنيهم هو من نوع هذه الأخطاء الاستراتيجية التي قد تؤدي الى نكبات ومحن لا سبيل الى تجنب نتائجها المدمرة على الجنوب قبل غيره .