نشؤ الحضارات هي نتاج حركة البشرية وامتزاجها عبر الغزوات او الهجرات المتبادلة بحثا عن مستوى معيشي أفضل او السيطرة على المقدرات الاقتصادية لتلك الدول ,هذه الغزوات والهجرات ساهمت في التبادل الثقافي والاقتصادي والعلمي وكان لها تاثيرها في نمط الحياة اجتماعيا ولغويا وبيئيا. لايمكن لاي حضارة ان تتدعي بتفوقها لان وجودها وديمومتها وتقدمها تمت عبر التلاقي والتواصل والامتزاج بين مختلف الشعوب. نعيش في عالم يشهد تغييرات كبيرة وفي ظل ظهور نزعة الشعبوية وكراهية الاجانب وخاصة المهاجرين في بعض الدول متناسين بان التقدم والازدهار العلمي والتقني في مجتمعاتها ناتج من مساهمة هؤلاء العقول والإبداعات .الولايات المتّحدة الأمريكيّة هذا البلد العملاق إقتصادياً وعلمياً وتقنيا وعسكريا هو مزيج من المهاجرين القادمين من العديد من دول العالم والذين ساهموا في وضع هذا البلد في المقدمة ,فكيف لمروجي أيديولوجية الشعبوية الجديدة ان ينكروا هذا الواقع التاريخي ,دول العالم وعددها 205 نجد فيها التنوع العرقي واللغوي والفكري ومن الصعب ان نفصل العلاقة المباشرة بين هذه الأمم على مدى التاريخ وهذا ما نجده في العلاقة بين العرب والإسبان . وحسب المؤرخون بان أسبانيا كانت تستضيف أكثر من 400 ألف من يهود السفارديم (تعود أصولهم الأولى ليهود أيبيريا (إسبانيا والبرتغال) ) في 1492 حيث طرد الملوك الكاثوليك في تلك السنة بمقدار النصف منهم تقريبا. أيضا في عام 1609 تم نفي مئات الآلاف من العرب المغاربة ،الذين كان من المفترض ان يكونوا من ورثة ماضي سبعة قرون من وجود المسلمين في شبة جزيرة أيبيريا. ولكن الكروموسومات لها قصة مختلفة ما لا يقل عن 20 ٪ من السكان هو سليل السفارديم في إسبانيا اليوم. وآخر 11 ٪ من شمال أفريقيا. اي من مسلمي المغرب العربي وهذا مايثبت بانهم متواجدين هنا ولم يغادروا الاندلس وحسب أحدث دراسة علمية جينية بان كروموزومات المغاربة تتركز في غرب شبه الجزيرة الإيْبِيرِيّة . وتطرق البحث كذلك على مستوى عال من تنصير المسلمين واليهود وفقا لمؤلفي دراسات الجينية حيث تنامت الهجرات الكبيرة في عصور ما قبل التاريخ ولكن يوجد مجال واسع في التعمق في هذا الجانب واكتشاف المزيد من البشر في كل منطقة جغرافية وكذلك ربط العلاقة بين الغزو والهجرة وغيرها من التنقلات السكانية والمدونة في سجلات التاريخ، في شبه الجزيرة الإيْبِيرِيّة تصادفت و لفترات تاريخية طويلة اثنين من السكان وهم المسلمين من شمال أفريقيا ويهود السفارديم الذين لهم أصول جغرافية مختلفة جدا وبالتالي يمكن تتبع تلك العلامات الوراثية من سلالة الآب الى الأبناء حيث لم يضعف بعد مرور آلاف السنين. فريق من علماء من بريطانيا وإسبانيا وفرنسا والبرتغال واسرائيل إجروا تحليل جيني على 1140 من الرجال في 18منطقة من سكان شبه الجزيرة وجزر البليار. والنتيجة التي توصلوا اليها بان الإسبان من أصول مغاربية هم 11% و20% من أصول يهود السفارديم حيث اظهرت هذه الدراسة مراحل التحول الديني طوعيا او قسريا مدفوعة بسبب المرحلة التاريخية والاجتماعية او نتيجة التعصب الديني والذي أدى إلى اندماج سريع لاحفاد العرب والسفارديم في بنية المجتمع الإسباني وفِي دراسة اخرى قامت بنشرها المجلة الدروية الأمريكيّة لعلم الوراثة وهي نتاج لبحث قام بها ايضا علماء في جامعة ليستر في بريطانيا وجامعة بومبيودو فابرا في برشلونة في إسبانيا. ان مسافة ال 15 كيلو متر من مياه مضيق جبل طارق التي تفصل إسبانيا عن المغرب لم تكن أبدا حليفا للابيريين من فرض نقاوة عرقهم وخاصة وان أول اتصال تاريخي تم تدوينه تمثل العبور من المغرب إلى شبه الجزيرة الإيْبِيرِيّة والتي تضم إسبانيا والبرتغال لجيوش العربية والبربر في عام 711 ميلادية حيث استطاعوا ان يسيطروا على الجزء الاكبر خلال فترة آربعةَ آعوآمَ من الغزو المباشر حتى سيطروا عليها بشكل كامل خلال 5 قرون. الإسبان من أصول السفاديم فيبلغ عددهم نحو 8 ملايين نسمة حسب أحدث دراسة. لايوجد دليل على وجود انحدار بين الجنوب والشمال في صبغيات شمال أفريقيا.وبدلا من ذلك ثمة انقسام في الغرب (عالية التردد) والشرق (منخفضة),الأندلس لديها واحد من أدنى المعدلات ويتماشى ذلك مع طرد الموريسكيون اي المسلمون الذين بقوا في إسبانيا تحت الحكم المسيحي بعد سقوط المملكة الإسلامية وخُيروا بين اعتناق المسيحية بامر من الملك الاسباني فيليبي الثالث في 1609 التي قضت ايضا على الأحياء التي كان يقطنها اليهود في الأندلس وفالنسيا ولكنهم لم يستطيعوا عمل شيء ضد تلك المناطق المتفرقة وكذلك الاحياء المتكاملة فإن كروموزومات الإسبان من أصول السفارديم تبدوا منقسمة في إقليم متجانس باستثناء في شمال شرق قشتلة وكاتالونيا وجبال البرانس حيث التردد الوراثي منخض جدا. نتائج هذه الدراسة الحديثة والتي نشرتها الصحافة الأسبانية يدل وبصورة قاطعة بان الشخصية الأسبانية جزء منها لها أصول عربية وسفاردية. وأن التأثير العربي كان أكبر حجما لا بتكوين هذه الشخصية والتي أكدها هذا البحث العلمي بل تجاوز ذالك في العديد من الجوانب. الحديث عن فترة التواجد العربي الإسلامي في الأندلس حظى باهتمام كبير من قبل الأكاديميين والمؤرخين في العديد من دول العالم وخاصة في إسبانيا حيث تم نشر العديد من الأبحاث والدراسات والكتب برزت فيها وجهات نظر وآراء مختلفة تجاه بعض جوانب هذا التواجد وخاصة حقيقة التعايش بين الديانات الثلاثة حيث يتمسك بعض المؤرخين بان التعايش لم تكن حقيقة تاريخية بل أسطورة اما البعض الآخر يؤكد بوجود فترة من التعايش والتجانس بين الديانات الثلاثة مستلهمين بذلك فترة الازدهار ألتي شهدته الأندلس في كافة نواحي الحياة في عهد عبد الرحمن بن معاوية (عبد الرحمن الداخل) أول خلفاء قرطبة, ولو لا هذا التعايش لكان مستحيلا تحقيقة. بالرغم من الأندلس شهدت في حقبة تاريخية عدم الإستقرار و الحروب والتناحرات بين العرب أنفسهم وبدورها كان لها انعكاسات سلبية على بقية الطوائف الدينية بالرغم من ذلك اجمع المؤرخين بدور التواجد العربي الإسلامي في إحداث نهضة كبيرة تميزت بها الأندلس عن محيطها الأوروبي والعالمي كما أن الموروث العربي كان وما زال له حضور قوي وعلى سبيل المثال الكثير من مفردات اللغة العربية والتي دخلت واستقرت في قاموس اللغة الإسبانية والعدد لهذه الكلمات تتأرجح بين 4000 الى 6000 كلمة ولكن فيكتور غارسيا دي لاكونشا مدير معهد ثيربانانتي وهي مؤسسة ثقافية تم تأسيسها في عام 1991 لنشر اللغة والثقافة الأسبانية في العديد من دول العالم صرح بان 10000 كلمة عربية تم حصرها وتدوينها في قاموس الأكاديمية الملكية للغة الأسبانية . هذا التاكيد جاء على هامش الملتقى البرلماني الإسباني المغربي والذي عقد في مدريد في سبتمبر عام 2013, مساهمة اليمنيين في جيوش الفتوحات الإسلامية كانله حضورة القوي وعلى ذكر اليمنيين عند مروري بالشوارع والأزقة الضيقة في مدينة قرطبة وخاصة الملاصقة لجامع قرطبة والذي مازال يحتفظ بطابعة المعماري العربي والإسلامي تذكرت حدث تاريخي تمثل في الصراع الدموي بين القبائل القيسية واليمنية في عام 742م في قرطبة والتي تحولت الى مجزرة رهيبة بين الطرفين استخدمت فيها السكاكين والحجارة ونشرته مجلة أوراق التابعة للبيت العربي في مدريد في عددها الصادر في 13 مايو 2014 بعنوان بعض التأملات النقدية حول خلافة قرطبة وأسطورة التعايش للاكاديمي والمؤرخ الإسباني ادواردو مانثانو مورينو. ما نراه اليوم من صراع دموي وطائفي في بعض الدول العربية حيث دخل على الخط تقاطع في المصالح الإقليمية والدولية فان التاريخ يعيد نفسه والعالم لم يتغير بعد الى الأفضل . إسبانيا تتميز عن بقية دول أوروبا الغربية ,أولا بقربها الجغرافي بدول المغرب العربي وكذالك امتزاج ماضيها باسهامات الحضارة العربية والإسلامية وجعلت منها منارة في فترة كانت تعيش فيها دول أوروبا ظلمات الجهل والتخلف الاجتماعي والحضاري مما جعل هذا الوجود متميز باعتباره جلب الى الأندلس اللبنات الأولى نحو الإشراقة الحضارية والثقافية وجعلها منارة العمارة والعلم والثقافة ومازالت بعض تلك المعالم حاضره الى يومنا منها قصر الحمراء في غرناطة وجامع قرطبة في مدينة قرطبة وبرج الجيرالدا في إشبيلية وقصر الجعفرية في سرقسطة والعديد من الاثار والحصون وكل هذه المواقع تعتبر من بين أبرز المعالم السياحية لهذا البلد حيث يزورها الملايين من أنحاء العالم وهي بمثابة الإشعاع الذي تركة العرب في الافق الاسباني يتجدد نورة في كل فجر جديد شاهد على أمجاد وماضي عريق لايمكن ان نتباكى عليه بل يجب علينا ان نواجه الحاضر وأفق المستقبل بكل عزيمة وثبات اما عن حقبة التواجد العربي الإسلامي في إسبانيا مازالت النقاشات والدراسات والبحوث مستمرة ومفتوحة….