تحية إجلال لرجالات سبتمبر، الذين ثاروا لأجل إخراج شعبهم من غيابة الجُب الإمامي وإيجاد موطئ قدمٍ له ..تحت الشمس، بصرف النّظر عن أن ثورتهم بعد أكثر من نصف قرنٍ من الزمان، لم تُحقّق أيّاً من أهدافها، ورغم أنّ جيش جمهوريتهم تحوّل إلى ألعوبة بيد أطفال الزعيم، ثمّ إلى أداةٍ بيد فتى الكهف، حاول استخدامها لإعادة إنتاج نسخة أكثر تشوّهاً وقُبحاً وظلاماً من الكهنوتيّة الإمامية.... و تحية إكبارٍ، لأبطال أكتوبر ونوفمبر، الذين مرّغوا أنف الإمبراطوريّة العُظمى في التراب، و صنعوا لشعبهم يوماً مجيداً من أيّام العزة والتحرر، بصرف النظر عن أن جمهوريتهم الوليدة لم تكد تخرج من نفقٍ صراعاتٍ مُظلم، إلا لتدخل في نفقٍ أكثر ظلاماً و وحشيّةً... و وحشة، ورغم أنّ كثيراً من أبناء وأحفاد من صنعوا يوم التحرّر المجيد، يترحّمون على ما سبقه من عهد....
وتحية اعتزازٍ لمخلصي الجنوب والشمال، الذين سعو بنوايا صادقة لصناعة مايو، على أمل أن يُصبح نموذجاً يحتذي به أبناء يعرب لإعادة لملمة شتات وطنهم العربيّ الأكبر، بصرف النظر عن أنّ اعوجاج مايو أنتج بعد ربع قرنٍ من الزمان، كمّية من الكراهية والشقاق والفُرقة، تجعل جميع أبناء سام ابن نوح يعيدون النظر قبل أي محاولةِ توحّدٍ من أي نوع!
ثمّ تحية فخرٍ واعتزازٍ، لأشاوس الحراك الجنوبي، الذين ثاروا وقت أن طأطأ الآخرون، واستأسدوا وقت أن تدجّن الباقون، وقارعوا الطاغية حينما انشغل الأكثرون بالتمجيد والتسبيح له، واشعلوا جذوة الثورة السلميّة، قبل عقدٍ ونصف من إيقاد (ولّاعة) البوعزيزي السحريّة، بصرف النّظر عما لحق بحراكهم من تشوّهٍ وانحرافٍ بفعل حماقات القيادات الديناصوريّة، و تكاثر مُندسّي الأجهزة الأمنية، وضعاف النفوس...
و أخيراً، تحية حُبٍّ وامتنانٍ، لبراعم النرجس، و (ورد الجناين) الذي زيّن ساحات الحرّية والتغيير في مختلف مُدن اليمن، و نثر عبير الأمل على نفوس الضعفاء والمظلومين، و خنق الطاغية وأعوانه، واقتلع شجرة التوريث الخبيثة من جُذورها، بصرف النّظر عن فيضان الفوضى الذي افتعلتهُ رموز دولة الفساد العميقة ليطمر معالم الحلم الوردي الناشئ، لكنّه لم يطمر جذوة الأمل في نفوسنا، و رغم أنّ رائحة بعض نفايات العهد البائد التي تم إعادة تدويرها هنا وهناك، ما زالت تُزكم أنوفنا ...إلى اليوم.
تحية لكل هؤلاء وأولئك، وفاءاً للمبادئ والقيم النبيلة التي حملوها، وتقديراً للتضحيات التي قدّموها، وتثميناً للجهود التي بذلوها، بصرف النظر عن النتائج، التي تحكمها سُنن الله في خلقه.
و من الوفاء أيضاً، أن يتم تقييم كل تلك التجارب، بعين الموضوعية والتجرّد، بغرض الاستفادة من أخطائها، وتعيين مواطن الخلل التي أفضت إلى الفشل، ليتم تلافيها مُستقبلاً، علّنا نخرجُ أخيراً من دوامة الاحتفاليات الجوفاء بإنجازات وهمية و أهداف ضائعة، إلى فضاء الإنجازات التي يشعرُ بها المواطن البسيط في حياته اليوميّة، و تتويج تضحيات أجيال الثوار المُتعاقبة، بتحقيق بعضٍ من أهداف ثوراتهم...