أصدر زميلي العزيز يحي محمد حسين العام الماضي كتيبا صغيرا تضمن حكاية للأطفال، وهو عمل رائع يضاف إلى أدب الأطفال الذي يعاني من قصور من لدن الدارسين والمبدعين، فيعد ذلك العمل نبتة بحاجة إلى العناية والاهتمام حتى تصير غرساً. ومعروف أن العزيز يحي أستاذ أكاديمي في مجال القانون، واتجهت معظم اهتماماته في الجوانب القانونية المتمثلة في: الحماية القانونية لحقوق الملكية الفكرية في النطاقين الرقمي والتقليدي، وتناول الباحث الأعمال الفنية والإبداعية في المصنفات الرقمية والتقليدية بوصفها من القضايا المعقدة بسبب طبيعتها الفنية، وهو ما انعكس على القواعد القانونية التي أظهرت في بعض الأحيان عدم قدرتها على إحاطتها بالحماية القانونية اللازمة، فقدم في هذا المجال دراسات علمية جادة، أراد من خلالها تقديم القواعد القانونية التي تساهم في حماية حقوق المبدعين.هذا الاهتمام بحقوق المبدعين لا شك بأنه جعل الباحث قريباً من الإبداع. وفي سنوات الدراسة التي جمعتنا معاً كان مهتما بقضايا الفن، ويمتلك معرفة واسعة في هذا المجال، إلى جانب تمتعه بموهبة شعرية. ولا غرابة بعد ذلك أن يصدر في العام الماضي(2016) أول عمل أدبي في مجال أدب الطفل الذي تمثَّل في تلك الحكاية الموسومة(بنت السلطان والثلاثة الفرسان) التي أراد من خلالها تقديم بعض القيم التربوية والأخلاقية وبث روح المغامرة الهادفة إلى تحقيق النجاحات في الحياة، إذ تتضمن الحكاية عدداً من القيم التربوية التي ينبغي أن تغرس في الطفل منذ نعومة أظفاره، هذا الأمر سنلمسه في الطريقة التي اتبعها أبو الفرسان الثلاثة في تربية أولاده((علمهم من الحياة أمور كثيرة، أهمها حسن الطبع ومحاسن التطبع :كالوفاء والصدق والشهامة وقوة الصبر وكل معاني الرجولة)) ((وتعلموا من أبيهم الحكمة وحسن التدبير والتقدير وموازنة الأمور ومعالجتها، بل وتطبعوا بطبائع الكرم وعزة النفس وحب المغامرة))،ثم سنجد الكاتب يبث بعض القيم عبر أفعال الشخصيات، فالابن الأكبر( شداد) يجد في طريقه رجلا نائما تحت شجرة، ويجد بالقرب منه(حيَّة) تريد أن تلذعه، فيترك الهدف الذي خرج من أجله، ويصارع الحيَّة حتى يقتلها دون أن يشعر الرجل النائم، والابن الثاني (عنيد) يقوم بإنقاذ أم وابنتها من الغرق في النهر، ويصطحبهما إلى بر الأمان، والثالث (وليد) يجد في طريقه رجلين متخاصمين، فيصلح بينهما، ثم سنلمس روح التضحية والفداء وحب المغامرة في سياق تطور الأحداث، وذلك عندما يدخل الفرسان في صراع مع بنت السلطان وحاشيتها. بنية الحكاية: تحمل الحكاية عنوان(بنت السلطان و الثلاثة الفرسان )، ومن العنوان ندرك الحكاية، ولأن النص على وفق جوليا کريستيفا هو عبارة عن "لوحة فسيفسائية" من الاقتباسات، وکل نص هو تشّرب وتحويل لنصوص أخرى"، فسنلمس هذا التناص من عنوان الحكاية التي تستند في مرجعيتها على الحكايات والأساطير التي تتردد في الحكايات الشعبية عن السلطان وبنته الوحيدة، أو عن ابن السلطان، أو عن السلطان وزوجاته، وغيرها من الحكايات الشفاهية التي يختزنها الوعي الجمعي". ولكي نستطيع معرفة بنية الحكاية بسهولة ويسر يمكن أن نقسمها إلى مجموعة من الوحدات السردية تربية الأب لأولاده الثلاثة(شديد،عنيد،وليد) اختبار الأب لأولاده الثلاثة إخبار الأب لأولاده عن بنت السلطان رحلة الفرسان إلى مدينة الأوراق شرط بنت السلطان لمن يريد أن يتزوج بها إخفاق بنت السلطان في السباق رحلة الفرسان لتنفيذ الشرط الثاني عودة الفرسان رحلة الفرسان لتنفيذ الشرط الثالث تعرض الفرسان للمؤامرة من حاجب السلطان زواج بنت السلطان من الأخ الأصغر ومنذ الوحدة السردية الأولى التي تعد الحافز المركزي للسرد إلى الوحدة السردية الأخيرة سنجد أنفسنا أمام حكاية تدخل في إطار الحكاية الشعبية، التي تندرج ضمن حكاية المغامرات، القائمة على البطولات، وتنهض على أساس بنية مركزية هي الفروسية، وتتمفصل إلى شبكة من العلاقات المتصارعة والمتضادة. لذلك تبدأ الحكاية بحديث الراوي عن الأب وأولاده الثلاثة، ثم يقوم الأب باختبار أولاده بعد بلوغهم سن الرشد، وذلك عندما يطلب منم الذهاب إلى أماكن متفرقة في الصباح الباكر والقيام بأي عمل فيه خير للناس. ثم بعد ذلك يذهب الفرسان الثلاثة إلى المدينة التي تسكنها بنت السلطان وهنا يتطور الحدث ويتأزم إلى أن يصل إلى الذروة. يصل الفرسان المدينة فيقرأون الشرط على أبوابها، وهو السباق مع بنت السلطان، يسمعون أحاديث كثيرة عن مهارة بنت السلطان وفروسيتها، فيبدأ الخوف يتسلل إلى نفوسهم يشير الأخ الأكبر أن يتقدم هو إلى السباق، وينصح أخويه بالعودة، فيرفض الأخ الأوسط الفكرة ويريد أن يتقدم هو، وترفض الفكرتان من الأخ الأصغر، ويدعوهم إلى خوض السباق معا. وهكذا يبدأ السباق وتختار بنت السلطان الأخ الأصغر وليد، فيتفوق على بنت السلطان في السباق، فتسود حالة من الذهول وسط الجمهور المحتشد، فيقوم السلطان بوقف السباق ويسحب ابنته إلى مخدعها، ويعلن السلطان إعادة السباق من جديد بين ابنته والأخوين(شديد، وعنيد)، وتكون النتيجة كسابقتها(انتصار شديد وعنيد)،ثم ينقلنا الراوي بعد ذلك إلى حدث جديد وموقف جديد،إذ تعلن بنت السلطان عن شرط جديد للفرسان((أن تأتوني بشرط جديد لم أجد أو أرى أو أسمع أفضل منه في هذه الدنيا))، وهكذا ينفذ الأخوة شروطها التي وضعتها، فتتزوج أخيرا بالأخ الأصغر. وبالنظر إلى وحدات النص نتبين البنية الحكائية البسيطة التي تتشكل منها الحكاية، فهي تأخذ شكلاً تسلسلياً بسيطاً، يقوم على ثلاث حركات أساسية: الاستعداد لشروط بنت السلطان، وخوضها ونتيجتها التي انتهت لصالح الفرسان الثلاثة. وباندراج هذه الحكاية ضمن الحكايات الشعبية وبالصورة التي اتخذتها، فهي تنتمي إلى نوع سردي محدد يستقي مادته من المورث الحكائي الشعبي. ولأن هذه الحكاية موجهة إلى الأطفال، فلابدّ أن تمتاز عن "حكاية الكبار بالمحافظة على الترتيب التاريخي للزمن بحيث ترتب الحوادث ترتيبا تصاعديا من البداية إلى النهاية من دون تلاعب في هذا الترتيب، فالحدث الأول يعرض البيئة والشخصيات ويطرح بداية الفكرة الرئيسة، ثم ترد الحوادث الأخرى حاملة تفاعل الشخصيات مع البيئة وحوادثها، فتنمو الفكرة الرئيسة وتنضج وتتأزم ثم تؤول إلى نهاية محددة معبرة عن المغزى بوضوح"(). في الحكاية موضوع الدراسة، سنجدها تبدأ على وفق نمط الحكايات الشعبية بالفعل(حكي)، ثم يحدد الراوي الزمن الذي تجري فيه الأحداث(الزمن القديم)، وينقلنا مباشرة إلى الشخصيات التي ستتمحور حولها أحداث الحكاية(الأب، أولاده الثلاثة (شديد،عنيد، وليد)، بنت السلطان).ثم سنلمس الفكرة الرئيسة في الصفحة الثانية مع ظهور بنت السلطان، وتتحدد هذه الفكرة في بنت السلطان والشروط التي تضعها لمن يريد الزواج بها. وإذا نظرنا إلى الوضعية التي يتخذّها الراوي، وطبيعة علاقته بما يدور من أحداث داخل العمل الحكائي، فسنجد هيمنة الرؤية من الخلف، فالراوي العليم يحيط بكل شيء، فهو أكثر معرفة من الشخصية ويكون" وجوده ملموساً من التعليقات التي يسوقها والأحكام العامة التي يعطيها، ومن الحقائق التي يدخلها إلى العالم التخييلي مستمدة من العالم الحقيقي، والتي تتجاوز محور معرفة الشخصيات، فكأنه يتنقل في الزمان والمكان دون معاناة"().فهو يعرفنا بالشخصيات ويصف بواطنها وظاهرها، ويتدخل في تغيير مسار الأحداث، ولا يمكن الحد من وجوده.(( كان لكل واحد من الأبناء الثلاثة صفة خاصة تميزه عن أخيه، فشديد كان طويل القامة عالي الهامة، أبيض اللون تعلو خده شامة، وشعره يتدلى ليلامس كتفيه، شجاعا مقداما لا يتردد في شيء عقد العزم عليه، يحب التضحية في سبيل حياة غيره يسرح في التفكير وشرود الذهن، قليل الكلام والابتسام، كثير السهر قليل المنام))ص13. أما إذا نظرنا إلى الصيغة السردية؛ أي الطريقة التي قدمت بها الحكاية، سنلاحظ هيمنة صيغة الخطاب المسرود، إذ تصلنا الأحداث من خلال حديث الراوي((أخذ الأخوان الثلاثة يقطعون الطريق بخفة تسابق الرياح وسرعة تضاهي البرق حتى وصلوا إلى مدينة الأوراق، حيث تعيش بنت السلطان، فرأوا هيبة لهذه المدينة ورهبة يرسمها الحراس المصطفون بخيولهم على جانبي الطريق))ص13. ويستخدم السارد في بعض المواقف صيغة المعروض غير المباشر، إذ تصلنا الأخبار من خلال حديث السارد الذي يقوم بنقل كلا الشخصيات، وذلك باستخدام الفعل(قال، قالوا، قالت).((قالت لهما يحق لكما ذلك، ولكن جزاء الإخفاق هو حد السيف، كما تعلمون، فالشرط ليس بالبساطة التي تظنانها. قالوا: نحن موافقون)).ص40 ولابدّ أن نشير إلى أن الحكايات الموجهة للأطفال تتطلب من الكاتب ضرورة استخدام لغة أدبية بسيطة تتفق مع المراحل العمرية للأطفال، فعلى " صعيد الألفاظ والتراكيب اللغوية – الدعوة لاستخدام الألفاظ والتراكيب السهلة، وتجنب الغريبة غير المألوفة منها، والإقلال من المفردات والتراكيب المجازية إلا ما جاء منها عفو الخاطر، واللجوء إلى التكرار في الألفاظ والتعابير.وعلى صعيد الجملة، تركيبها ونحوها – استخدام الجمل القصيرة أو المتوسطة الطول، وتجنب الجمل الطويلة المعقدة. استخدام الجمل والألفاظ الدالة على المعاني الحسية وتجنب المجرد المعنوي.وعلى صعيد الأساليب – تحري الوضوح والجمال والدقة وتجنب الإسراف في الزركشة والزخرف والثراء اللغوي المتكلف، وتجنب أسلوب التلميح والمجازات الغامضة الصعبة، والاقتراب من خصائص "لغة الكلام" والاستفادة من أسلوب الراوي في الحكاية الشعبية الشفهية"(). وبالنظر إلى الحكاية موضوع الدراسة سنجد الكاتب استخدم لغة بسيطة يستطيع الطفل أن يستوعبها بسهولة ويسر، ربما تظهر بعض الجمل أو الأوصاف المعقدة، لكنها قلية قياسا بالمحتوى العام، ففي بداية سرد الأحداث سنجد الكاتب يستفيد من أسلوب الرواي في الحكاية الشعبية((حكي في قديم الزمان أنه كان هناك رجل حكيم ذو عقل راجح موزون)). لقد أراد الكاتب أن ينسج حكاية مغايرة يحقق فيها نوعا من الابتكار الفردي تحددت معالمه في أسلوب الأداء السردي، وفي رسم الشخصيات، والأحداث، وخلق عناصر الإثارة والتشويق لجذب انتباه الأطفال.
* أستاذ الأدب الحديث جامعة عدن - كلية التربية طورالباحة