من الأمور التي يكاد الإنسان في هذا البلد محسوداً عليها هي قدرته على التحمُّل والصبر والعيش على كلِّ الاحتمالات وكل الأوضاع ، فإذا توقفت عليه خدماتٍ حيوية وهي من الخدمات التي يعدُّ غيابها غير معقول في زمنٍ يعيش فيه العالم قرناً اسمه الواحد والعشرين لكنه تعايش معها وتحمَّل مشقاتها سواءً كانت خدمات الكهرباء التي جعلت الناس يكابدون لهيب حرِّ الصيف ويعودون إلى زمنٍ بعيد للعيش مع الفانوس وأعواد الأخشاب وخلاف ذلك ، وتكيَّف الإنسان على حجم معاناة غياب المحروقات عليه ثمَّ وصل به الأمر للتكيُّف على العيش في العراء ! . فقد تكون مثل هذه السلوكيات جيدة في ضرورات وظروف معينة . لكنك تجد ذات المجتمع يقع الكثيرون من أناسه في أخطاء مضرِّة بالمجتمع قاطبة ومن هذه الأخطاء . الفهم غير الدقيق لخطورة الكثرة في الانجاب فهذا يردُّ عليك بإنه مفيد لإن المجتمع يقوى كلما كَثُرَ ويستطيع بكثرته مواجهة الأعداء - مع أنه أضحى اليوم لا يستطيع التمييز بين منهم المصنفين بالأعداء وكيف يمكن له التعرف على الأصدقاء لاجتناب الوقوع في اللبس - وذاك الذي يرى أنه أكثر عقلانية فيرى أنه لا ضرر إذا أكثر الميسورون من المواليد . لكننا نجد نسبةً قليلة من الواعين لهذا الناقوس الخطير والذين ينظرون إلى كارثية استمرار هذا الموضوع ، باعتبار إن كلَّ الدول التي تقدمت وحققت قفزات مثالية في النمو الاقتصادي والصناعي قد جعلت التنظيم في المواليد واحدةً من أهم ركائز النهوض إلى جانب امتلاك ناصية العلم واحترام القوانين .. فالمجتمع في بلادنا يتزايد بشكل جنوني و الأعداد من الشباب تُضَخُّ من المدارس ومن الجامعات والكثير منهم لا يمتلكون من حصيلة التعليم سوى قصاصات النتائج التي وُزِّعت لهم ، وتشكو المدارس اليوم من تزايد مشاكل الأعداد الهائلة من الطلاب فيها فضلاً عن أن بعض المدارس قد استنفدت القدرة الاستيعابية فيها ، ناهيك عن الضرر البالغ الذي يقع على تلك العائلات جرَّاء عدم اكتراثهم لأهمية صغر حجم الأسرة سواءً كان ضرراً نفسياً أو صحيَّاً أو مادياً . كل هذا يحدث ولايوجد أي بوادر للتوعية بهذه المخاطر من أي جهة ، فالبعض لا يستطيع إدراك هذا الغول إلا بعد استفحاله .. والدولة .. أين هي الدولة ؟! . لا تمتلك هذه البلاد دولة من حين وقعت في مصيدة العصابات من ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمان ! .يقول الشاعر . لا يرتقي شعبٌ إلى أوجِ العُلا ما لم يكن بانوه من أبنائه .