من مذكرات الرئيس القاضي / عبد الرحمن بن يحيى الأرياني الفصل الأول كان الإمام أحمد قد أطمأن تماماً بعد قيام الاتحاد بينه وبين جمال عبد الناصر وبعد الاتفاق مع بريطانيا على المهادنة .. وبذلك ضمن انه قد سد جميع منافذ النور وأوصد جميع أبواب العمل ضده بإخماد صوت الأحرار الذي كان ينطلق من القاهرة فعاد إلى الركون والراحة والإسراف في المخدرات وعلى رأسها المورفين الذي كان يلجأ إليه كلما استفاق ضميره لينبهه إلى ما قام به من إسراف وسفك دماء المواطنين اليمنيين بما في ذلك ثلاثة من إخوانه أبناء أبيه ، وقد كان يلجأ للمورفين لينسيه جرائمه ونصحه الأطباء بالإقلاع عن تعاطي المورفين ولكنه رفض نصيحة الأطباء حتى انهارت أعصابه وأصبح كالمشلول لا يقدر على الحركة والكلام ثم اختار السفر إلى إيطاليا وأمر بالتجهيز للسفر وأعدت خمس طائرات يمنية وإثيوبية ومرافقيه من المعارضة قرر سفرهم معه.
وفي 16/4/1959م تحرك الموكب إلى مطار تعز وقد حمل الإمام إلى الطائرة حملاً واليأس خيّم على الجميع من علاجه وقد حملت الطائرة أكثر من (64) امرأة من زوجاته الأربع وجواريه والخادمات الغاطسات في الحلي والمجوهرات .. ونزلت الطائرة التي تحمل المعارضين له في أسمره قبله ومنم الرئيس الأرياني ثم نزل الإمام بعده على قدميه بعد استعمال المخدر في الطائرة.
وفي إيطاليا نقل الإمام إلى المستشفى مباشرة من المطار في روما وزوجاته والجواري في فندق درجة ثانية يدفع على كل واحدة في اليوم اثنى عشر ألف ربلة ما يعادل سبعة جنيهات وشاهد بعض الصحفيين نزولهن من السيارات وهن محجبات وعددهن كبير وكتبت بعض الصحف الإيطالية عن الإمام وعن (الحريم) وهذا الاسم أثار الصحفيين لأنه مثل تقارير ألف ليلة وليلة .. حيث قالت بعض الصحف أن لدى الإمام مأتي امرأة وأربع زوجات شرعيات والباقي غير شرعيات وظفر بتصوير الحريم وهن محجبات ولحقهم الحرس المرافقين وسلوا عليهم الجنابي وبعض المرافقين بالبنادق وسلمت لهم آلة التصوير خوفاً من منظر الجنابي الممشوقة بأيدي الجنود والبنادق الموجهة إلى صدورهم.
ومن شدة الفضول تسلّق أحدهم شجرة عالية أمام الفندق والتقط صورة للنساء وهنَّ في شرفة الفندق بدون حجاب وعند نزول المصور من الشجرة لاحقه الجنود في الشوارع وتمكن من إخراج الفيلم من الكاميرا ورماه لفتاة دون أن يلاحظ الجنود وهربت بالفيلم في سيارة بعيداً عن الفندق وسلمهم الكاميرا وحطموها ونشرت الصحف تحت عنوان بارز [حكومة المتوحشين في روما نشرت صور الحريم في شرفت الفندق وهن بدون حجاب وصور الجنود حاملين الخناجر والبنادق في الشوارع ] يطاردون الصحفيين والمواطنين الذين تجمّعوا حول الفندق واضطرت الحكومة الإيطالية إلى تكليف (50) خمسين جندياً في الشوارع المحيطة بالفندق لحماية أرواح أبناء روما.
وبعد ثلاثة أشهر جاءت أنباء من اليمن أن البدر اتفق مع عبد الناصر وعازم على إقصاء أبيه واستلام الملك منه بدل أن يقوم آخرون بها ويطيحون به وبالعرش .. ووردت أخبار تمرد الجيش في تعز وقتل القاضي أحمد الجبري واخاه على محسن الجبري وسحلهما في شوارع تعز وجاءت أخبار من صنعاء لتفصل أحداثها التي أسفرت عن حريق العرضي ونهب بيت القاضي أحمد العمري واستعان البدر بالقبائل للضغط على الجيش وسجل لواء فوج البدر وعهد إلى العقيد عبد الله السلال قائد حرسه بقيادة اللواء وضم حوله الشباب والضباط الأحرار وبدأ التعاون مع الجمهورية العربية المتحدة .. وما زاد الطين بلّه عند الإمام أنه استقدم من الضباط المصريين للتدريب وإنشاء جيش حديث وزاد ذلك من قلق الإمام .. وجاءت الرسائل من أعداء البدر تصور الحدث كما لو كان قد انهار نهائياً وإن البدر عازم على إقصاء أبيه واستلام الملك وأنه مع عبد الناصر.
وفي يوليو 1959م قرر الإمام العودة إلى اليمن وكان يتوعد أبنه البدر وسنان أبو لحوم وحميد بن حسين الأحمر وغيرهم وأمر الدفعة الأولى من المرافقين بالسفر على طائرة إلى القاهرة والرئيس عبد الرحمن الأرياني ضمنهم على أنه سيسافر الإمام في نفس اليوم على طائرة خاصة .. وقامت طائرة الإمام وبعد تجاوزها أثينا عاد إلى روما وكان قائد الطائرة قد رفض أولاً العودة إلى روما وكان الإمام قد أخذ بندقيته واستدعاء الطيّار وقال له إذا لم تعود إلى روما سوف أفجّر الطائرة ولنذهب جميعنا إلى الجحيم فلم يجد الطيّار بد من العودة لأنه كان خائف من نزوله في القاهرة واعتقاله هناك ليتسنى لأبنه البدر السيطرة على الحكم بالتنسيق مع عبد الناصر.
ثم سافر عبر البحر مع جميع أفراد أسرته وعلِم عبد الناصر بقدومه وفي بور سعيد أطلقت المدفعية (21) طلقة ترحيباً بقدوم الملك وصعد عبد الناصر إلى السفينة ليصافحه وكان جالساً ولم يقُم من مقعده حاملاً سيفه وبندقيته ونزل عبد الناصر وواصل رحلته بعد أن طلع به أعضاء الوفد الذين وصلوا قبله بالطائرة إلى القاهرة وفيهم الأرياني.
واصلت السفينة الكبيرة السياحية إبحارها ووقفت على بعد 20 كيلو من الساحل وأجبر الإمام قبطان السفينة على إنزال زوارق النجاة لنقل المرافقين إلى البر بعدها حاول القبطان التحرك إلى عدن لإنزال الحريم في عدن ورفض الحرس وأجبروه على إنزال آخر قارب نجاة لإنزال الحريم ، وبمجرد نزوله في الحديدة القى خطاباً في الجماهير المحتشدة مهدداً فيها المتآمرين ضده بالويل والثبور!
الفصل الثاني: منذُ انطلاق ثورة 26 سبتمبر 1962م ولمدة السنوات الخمس من الحروب وما لحق من قتل وتدمير ودمار بدعم سعودي للملكيين ودعم مصر للثورة والتضحية بالرجال والمال والسلاح حتى شن العدو الإسرائيلي العدوان على مصر وهزيمة الجيش المصري عام 1967م مما دعت الحاجة إلى سحب القوات المصرية من اليمن وتداعى الزعماء العرب إلى عقد مؤتمر قمة في الخرطوم حضره رؤساء وملوك الدول العربية عدى سوريا ومثل المغرب وزير خارجيتها واتفقوا إلى إجراء مصالحة وجمع رئيس وزراء السوداني اجتماعاً في منزله جمع الملك فيصل وجمال عبد الناصر واتفقا على سحب القوات المصرية من اليمن ووقف دعم السعودية للملكيين وكلفت لجنة ثلاثية لحل وقف الحرب في اليمن برئاسة محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان محايداً ووزير خارجية العراق يمثل الجمهورية ووزير خارجية المغرب ممثل الملكيين الذي كلف سفير المغرب في بيروت. حضرت اللجنة صنعاء سرياً يوم 2/10/1967م يرافقهم محمد فوزي قائد القوات المصرية وهناك نزلوا في مقر القيادة العامة المصرية وطلبوا الرئيس سلال للاجتماع ولكن صنعاء كانت تموج بمن فيها وكانت هناك مظاهرات كبيرة لم تعرفها صنعاء أعدت لمواجهة اللجنة ولكن اللجنة أخفت موعد وصولها 3 أكتوبر 1967م ولما علمت الجماهير بذلك اتجهت إلى القيادة وحاولت اقتحامها وهي تهتف ضد اللجنة والاتفاقية وكان المدبِر وقت ذاك السلال وأنصاره وحاولت الجماهير الدخول وأطلقت النار في الهواء وقتل أحد اليمنيين وجننت الجماهير وكان في مقدمتهم جنود المظلات والقناصة وقد قتل أحد الجند المصريين وجرح آخر ثم اتجهوا إلى المدينة يقتلون كل من صادفوه من المصريين طعناُ بالجنابي أو رمياً بالرصاص كان مدنياً او جندياً حتى بلغ القتلى أكثر من ثلاثين قتيلاً مصرياً وخرج الأمر من يد السلال ومن يد اللجنة وعادت أدراجها في 4/10/1967م بواسطة سيارات مدرعة وحراسة الدبابات في الطريق إلى المطار .. هذا هو تعاملهم من زمان ... وفي كل مكان!!!