اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    شكلوا لجنة دولية لجمع التبرعات    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    24 أبريل.. نصر تاريخي جنوبي متجدد بالمآثر والبطولات    الرياض.. أمين عام الإصلاح يستقبل العزاء في وفاة الشيخ الزنداني    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    رئيس الاتحادين اليمني والعربي للألعاب المائية يحضر بطولة كأس مصر للسباحة في الإسكندرية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنسان جسد ونفس
نشر في عدن الغد يوم 08 - 03 - 2017

استيقظت في صباح يوم الاثنين ،سألت نفسي : « كم هي الساعة الآن؟ » نظرت إلى الساعة في تلفوني السيار الذي وضعته بجانب سريري عند النوم : « جيّد، مازال لديّ بضع ساعات ، أستطيع أن انهض من النوم لتأدية فرض صلاة الفجر ومن ثم اعود لأنام بضع ساعات إضافية " ،فقمت وتوضأت وأديت صلاة الفجر ،وعدت الى السرير لمواصلة بقية نومي . ذهبت في عالم الأحلام، لم
تكن لديّ مشكلةٌ منطقيّةٌ في انتقالي بعد ساعتين فقط من النوم العميق نتيجة الارهاق والارق من مطاردة الاشباح في القاهرة بمحافظة عدن اليمنية إلى القاهرة في مصر وكلّ هذا لم
يؤثر على الموعد الذي حددته في الليل للذهاب لزيارة خالتي المريضة في منطقة صبر بمحافظة لحج المجاورة لمحافظة عدن مكان إقامتي الدائمة . بدأت أحس بإن الاشباح أمسكت بي وهي تحاول ان تسحبني من رجلي وانا نائم في الفندق بالقاهرة بمصر . نعم اشعر بها وهي تسحبني بقوة من على السرير لاسقط على الارض وانا اصرخ بصوت عال لطلب النجدة ولا استطيع النهوض من على السرير ،ولا احد يسمعني بينما صديقي ينام بجانبي على السرير المقابل في نفس الغرفة بالفندق . لا، إنّة اللاوعي ينبهني بإن الساعة شارفت على الإقتراب من الوقت الذي حددته في الليل للإستيقاظ مرة ثانية من النوم مبكرا للذهاب لزيارة خالتي المريضة في منطقة صبر . ويجب عليا أن أنهض وأتجه إلى هناك في الموعد الذي حددته لنفسي مسبقاً في الليل ،
عندما سألت نفسي عن الوقت، لماذا كنت أخاطب نفسي؟ ألست مدركًا أنّني استيقظت وأريد معرفة الوقت؟ لماذا عليَّ أن أطلب من نفسي أن أعرف الوقت؟ ألم تنظر عينيَّ إلى تلفوني السيار الذي كان بجانبي ورصدت كم هي الساعة بالضبط؟ المفروض أنني أعلم الوقت الآن ولا حاجة لأن أستفسر من نفسي عن الوقت؟ عندما قرّرت أن أعود للنوم لبضع ساعاتٍ اضافيةٍ، من كنت أخاطب ولما عليّ أن أقنع نفسي بالعودة للنوم؟ لماذا في بساطةٍ لا أقرر العودة إلى النوم دون أن أخبر نفسي بذلك؟ ألست أنا من قرر العودة إلى النوم؟ عندما انتقلت إلى القاهرة في عدن وثم مصر وبعدها صبر في لحج .
لماذا لم أتوقف عند المغالطة المنطقية التي تخالف جميع قوانين الكون والعقل والمنطق ؟ أنا لا اعرف القاهرة في مصر ولم اسافر من اليمن إلى أي بلد آخر اطلاقاً ،
لماذا لم أجد الموضوع غريبًا أنني فجأةً أصبحت في مصر نائم على سرير بالفندق في القاهرة؟ لماذا
ربطت عملية سحبي من على السرير من قبل الشبح الذي كان يطاردني مع الموعد الذي حددته لزيارة خالتي ؟ عندما استقيظت لتأدية صلاة الفجر هل أنا نفسي الذي اقنعت نفسي بالعودة للنوم لبضغ ساعات ٍ إضافيةٍ ؟ لماذا هذه
المرة قررت أن أذهب إلى زيارة خالتي عوضًا عن النوم ولمَ لم أحاول اقناع نفسي من جديدٍ؟ سنعود لهذه القصة لاحقً …
الحديث عن الدماغ والجسد وعن الروح "العقل الإلهي " هو حديثٌ منقوصٌ إن لم نفسر العمل الدماغي وشرح ماهية العقل ،لان ؛ " الروح عقل الهي في داخل الانسان يقود النفس البشرية في الإنسان وكأنة إله في داخل الانسان ،وهو فكرة وليس جسم ولذلك لا يفسد في الارض " ، فالنفس البشرية في جانب منها ليست فرداً ،بل جزء من الانسان الاعظم . لفترةٍ قريبةٍ جدًا كان الدماغ وآليات عمله من أكثر الأقسام غموضًا في جسم الإنسان .
اليوم أصبح لدينا فكرةٌ جيدةٌ عن كيفية العمل الدماغية وعن القوالب التي يبنيها الدماغ ليستطيع التعايش مع محيطه . من بعض نتائج العمل الدماغي وَهْمي الأنا وحرية الإرادة وثم يتبعها بالنتيجة وهم التحرر من قيود الجسد ،والحقيقة المؤكدة ان الانسان عبد الله الذي خلقه فسواه فعدله وهو مسير بسبب جيناته وعائلته وظروفه وبيئته لا مخير بمشيئة الله تعالى لحكمه يعلمها هو وحده سبحانه وتعالى عما يصفون فالخير والشر بمشيئة الله .
سأحاول في هذه المقالة تفسير العمل الدماغيّ بعيدًا عن التعقيد التقني، ثم سأفسر لماذا شعورنا بأننا
نحن من يصيغ قراراتنا هو مجرد وهمٍ ونتيجةٌ دماغيةٌ بحتةٌ وإن المتحكم الحقيقي فينا وفي صنع قراراتنا وإرادتنا هو الله العزيز الحكيم القادر والعالم بكل شيء . بهدف
وضع القارئ على الطريق الصحيح في فهم الظواهر الدماغية، وتوضيح بعض النقاط حول موضوع الروح والنفس البشرية ولماذا هما مجرد عقل إلهي وجسد مصنوع من الطين .
تاريخ الدماغ
منذ بزوغ الحياة المتعددة الخلايا، على الارض ،بعد ان خلق الله الارض والسماوات وصنع من الطين ابونا آدم ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكه بالسجود لآدم إلا إبليس ابا وتكبر وكان من الكافرين ،حيث حاجج الله وتوعد وأقسم باغوى ابنا آدم "الناس " اجمعين ،إن الله عَزَّ و جَلَّ لم يخلق إبليس
لمَّا خلقه شيطاناً لكي يوسوس في قلوب الناس و يقوم بإغوائهم و إبعادهم عن الخير و السعادة ، بل خلقه مُختاراً طاهراً و صالحاً و كان من العُبَّاد ، و رغم كونه من الجن إلا
أنه تمكن من أن يصبح من المقربين لدى الله عَزَّ و جَلَّ لشدة طاعته و عبادته ، و لكنه لمَّا خالف أمر الله بالسجود لآدم ( عليه السَّلام ) نزل عن هذه المرتبة السامية و أبعده الله عن رحمته فأصبح شيطاناً رجيماً ، و ذلك بسبب سوء اختياره و تكبّره و حسده لآدم و انحرافه و إتباعه لهوى النفس و طلبه للجاه و العلو ، كبر وكان من الكافرين ، ولهذا فإن الله تعالى عندما
حذَّر آدم من التجاوب مع إبليس ذكر له أن نتيجة ذلك سوف تكون خروجه مع زوجه من الجنَّة، وشقاؤه بذلك؛ قال تعالى: ...} فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنَّةِ فَتَشَقَى { ، فبعد ان خلق آدم ،ونفخ فيه من روحه ،فأرسل اليه النفس (الأصل) ،وهي النفس الواحدة ،فخلق منها نفساً آخرى ،وهي انثاه ،لتكون الأنثى زوجاً للذكر ،ثم بث منهما نسله ،وقضى ان يكون النسل بطريقة الزوجية (فمستقر اي نطفه تستقر في الارحام ) .(ومستودع : ثم يستودعون في بطون الأمهات ) ،ثم يخرجون طفلاً ، ليكون الانسان خليفة الله في الارض ،وانزل من السماء ماءاً فأنبت على الارض من كل زوجين اثنين "ذكر وانثى " .
وجدت الأحياء نفسها في منافسةٍ شديدةٍ على الموارد فيما بينها . هذه المنافسة ليست فقط متعلقةً بالعثور على الموارد، ولكنها أيضًا مرتبطةٌ بأن لا يصبح الكائن مورد غيره، حيث قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه ؛"لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدة الارض " فقد وجدت هذه الأحياء نفسها ضمن بيئةٍ فيزيائيةٍ معينةٍ فطرها الله وحدد معالمها تحكمها عواملٌ طبيعيةٌ ثابتةٌ تقريبًا : ضوء ينعكس على مادةٍ، أمواجٌ صوتيةٌ تنتشر على شكل اهتزازاتٍ في الهواء، جزئياتٌ كيميائيةٌ طيّارة بشكل روائحٍ، الكتروناتٌ تعطي انطباعًا عن ملمس المادة .. إلخ .
تتفاعل الكائنات الحيّة مع الواقع بشكلٍ أفضلٍ كلّما زادت قدرتها على
رسم نموذجٍ يحاكي الظواهر الفيزيائية كما هي بمشيئة الله اللطيف الخبير، وقد شكّل هذا ضغطًا تطوّريًا على الكائنات التي لم تستطع رسم نماذجٍ دقيقةٍ للواقع والذي لم يشأ الله ان يهديها ، وبدأت الكائنات بالتنافس أكثر فأكثر . كلّما طورت خصائصًا أفضل بإذن الله لرسم الواقع كلما زادت الفرص في البقاء بإذن الله تعالى ومشيئته .
بعد ذلك اوجد الله أقسام مسؤولةٍ عن استشعار الظواهر الفيزائية لتكون شرطًا اساسيًا في البقاء .
الكائنات التي لم يهديها الله لكي تتطوّر في اتجاه تطوير وسائلٍ لرصد الفوتونات أصبحت أقل حظًا من الكائنات التي هداها الله لكي تستطيع استشعار اتجاه مصدر الضوء، وهكذا، حتى أصبح لدينا كائناتٌ لديها أجهزة استشعارٍ معقدةٍ قادرةٍ على رصد العديد من الظواهر الفيزيائية . لكي نفهم آليات عمل الدماغ، علينا أن ننظر إلى تاريخ تطوّره، فمن دون فهم هذا التاريخ لن نستطيع تحديد
أقسامه ووظائفه . حيث ميز الله الانسان القديم بجسم ضخم قوي ودماغ كبير يستطيع حفظ كم هائل من المعلومات وعمر اطول لكي يستطيع التغلب على ظروف الحياة البدائية القاسية ، فكلما عدنا إلى
الوراء نجد وظائفًا أكثر بدائيّةً، لأن التطوّر الدماغي يتم بحيث تكون أقسامه السابقة أساسًا للأقسام اللاحقة . من هنا أودّ أن أحفّز القارئ لأن يذهب معي برحلةٍ قصيرةٍ إلى داخل الدماغ، لكي نفهم طبيعة هذه الكتلة العصبية التي تعطينا انطباعًا وكأن لنا كيانًا منفصلًا قادرًا على اتخاذ القرارات وقيادة مركبةٍ بيولوجيةٍ نسميها الجسد . لابد من فوائدٍ بقائيّةٍ لهذه الحقيقه الناصعة البياض الذي فطرها الله تعالى "فطرة الله التي فطر الناس عليها ،سبحانه عما يصفون " لنذهب
داخل الدماغ البشري، الذي خلقه الله ونفخ فيه من روحه لمعرفة الجسد والعقل الإلهي "الروح " ..
دخلت مركبتي الذريّة التي ستمكنني من التحرك ضمن أقسام الدماغ البشريّ . سألتقي مدراء الأقسام الدماغية وأسألهم عن
أقسامهم وأفهم كيف تعمل هذه
الأقسام مع بعضها البعض . سأبحث خلال رحلتي عن الروح، وأدرس كيف تتفاعل مع الدماغ وسأعمل على حلّ لغز « النفس » . انطلقت مركبتي الصغيرة من خلال النخاع الشوكيّ باتجاه الدماغ في الرأس . وجدت لافتةً مكتوبٌ عليها :
Welcome to the Brain . نزلت من المركبة وقابلت موظف الإستقبال، سألته : « أين أنا الآن؟ أعلم أني في الدماغ، لكن ما هو هذا القسم؟ » . قال : « أنت في جذع الدماغ Brain
!stem قسمنا موجودٌ أسفل الدماغ، وهو أقدم أقسامه وأوّل ما نشأ منه، وهو بوّابة التواصل بين أقسام الدماغ العليا وبقية أقسام الجهاز العصبيّ المنتشرة في الجسم » . سألته : «ماذا تعني أولّ الأقسام؟ أخبرني أكثر عن تاريخ قسمكم ووظائفه » قال : « عندما بدأت الحيوانات بالحركة عن طريق العضلات، بعد ان خلقها الله وكسى العظام لحمى ، كان لابدّ من وجود ما يتحكم بحركة هذه العضلات بما يتناسب مع هدف الحركة، وقد تطلّب هذا وجود قسمٍ ينسّق الحركات ويؤقّتها كي تكون
الحركة ذات فائدةٍ للجسم، فمع تكوّن العضلات بدأت تتشكل أنواعٌ جديدةٌ من الخلايا" بمشيئة الله وقدرته العالية فهو ان أراد شيء يقول له كن فيكون " : خلايا تستطيع استشعار
الظواهر الطبيعية الخارجية، وخلايا تستطيع التواصل داخل الجسم وإرسال الرسائل والأوامر لتنظيم الحركات . جميع الوظائف الأساسية لبقاء الجسم على قيد الحياة هي من مسؤوليات قسمنا : قسم جذع الدماغ، فنحن نملك مليارات الخلايا
العصبيّة ولا نتوقف عن العمل اطلاقًا . حتى أنّ توقّف قسمنا عن العمل يؤدّي إلى موت الجسم مباشرة، كما أنّ قسمنا مسؤولٌ عن تنظيم دقّات القلب والتنفس والهضم والمضغ وردات الفعل اللا إرادية مثل التقيّؤ وغيرها من الوظائف الأساسية الضروريّة لاستمرار الحياة . قسمنا أيضًا مسؤولٌ عن تنظيم المشاعر الأساسية مثل الجوع والعطش
والخوف، وبسبب موقع قسمنا الاستراتيجي، فإن جميع الإشارات الآتية من الجسم تمرّ عبر قسمنا، كما تمر عبره جميع الأوامر الخارجة من الإدارة باتجاه الجسم » . سألت : «ماذا تعني موقعكم الاستراتيجي؟‏» فأجابني : « نحن أوّل الأقسام الدماغيّة التي خلقها الله عند الأحياء، لذلك موقعنا هو الأقرب إلى النخاع الشوكيّ، فكلما صعدت إلى الأعلى، ستكتشف أقسامًا حديثةً وخصائصًا معقدةً أكثر . قسمنا هو في قاعدة المخّ ويصل أقسام المخّ مع النخاع الشوكيّ . إن أردت، راجع مراحل تشكلّ جنين الإنسان في بطن امه كما ذكرها الله في القرآن الكريم واثبتها علم الله الذي اعطاه عبادة نظرياً على الواقع الملموس وستشاهد كيف يبدأ تشكّل قسمنا أولًا وثم تبدأ الأقسام الأخرى بالتشكّل فوقه إلى أن يأخذ شكل الدماغ المتعارف عليه، ففي المراحل الأولى من التكوّن الجنينيّ يتخذ قسمنا شكلًا متطابقًا مع جميع الكائنات الحية الأخرى .
ففي النهاية جميع الأحياء تحتاج من ينظم دقّات قلبها ونسبة ضغط الدم وإدارة عملية الهضم وغيرها من الوظائف الأساسية؛ يُسمي البعض قسمنا باسم “ قسم الزواحف ” ، نسبةً لنشوئه عند الزواحف أولًا، وطبعًا نحن لا نكترث لما يجري في الأقسام العليا ومشاكلهم‏» . سألته : «ماذا تعني بقولك : لا نكترث لما يجري في الأقسام العليا؟ » . قال : « نحن لا نكترث مثلًا لما يجري في الأقسام الأحدث من الدماغ التي تتعلق بالأحاسيس والإرادة وغيرها، فنستمرّ في تنظيم عمليات التنفس والهضم وضغط الدم مهما كان شعور المرء الكائن، وفي بعض الأحيان تأتينا إشارات استغاثةٍ من أحد أقسام الجسم، مثلًا عند تعرض الجلد لحرارةٍ مرتفعةٍ بشكلٍ مفاجئٍ،
وبحكم خبرتنا الواسعة، نقوم بإرسال إشاراتٍ للعضوالذي يتعرض للحرارة بما يتوجب فعله مباشرةً دون العودة إلى الإدارة العليا، إذ لا يكون لدينا وقتٌ نضيّعه في الروتين الإداري » . قلت : « شكرًا لك على وقتك . أين يتوجب أن أذهب الآن؟‏» . قال : « عليك الذهاب إلى قسم المخيخ cerebellum ، فهو خلفنا مباشرةً » . قلت ممتنًا : « حسنًا شكرًا لوقتك‏» . ثم صعدت إلى الأعلى عن طريق السيالة العصبية فرأيت شاخصةً تقول : «أهلًا وسهلًا، هنا قسم المخيخ، حيث يتعلم الأطفال ركوب الدرّاجة » . هبطت من مركبتي واقتربت من مسؤول الإستقبال في قسم المخيخ وقلت له : «أنا هنا لأتعرف على قسمكم .«! رد قائلًا : « أهلًا وسهلًا، سأخذك بجولةٍ داخل القسم، لكي تتعرف عليه . عمومًا، نحن قسم تنسيق الحركة الإرادية في الجسم . كالوقوف والتوازن والمشي وكلّ ما يتعلق بالحركة . فنحن من يقوم بتحريك العضلات أثناء السير أوالسباحة أوقيادة السيارة أوالأكل . نتلقى أوامر الحركة من عدّة أقسامٍ في الدماغ ونخزّن هذه الحركات ضمن الذاكرة » . سألته : « هل هذا هو سبب الشاخصة عند المدخل التي تقول ( هنا يتعلم الأطفال ركوب الدرّاجة ) ؟ » قال : « نعم، إنه شعارنا . فنحن مركز الذاكرة الحركية . جميع الحركات التي نقوم بها نضعها في أرشيفنا لكي يسهل علينا استخدامها مجددًا . مثلًا عند تناول الطعام قسمنا هو من ينسّق الحركات لكي تتم العملية بنجاحٍ عند السباحة أو ممارسة الرياضة أو قيادة السيارة . قسمنايأخذ المسؤولية في تنفيذ الحركات دون تأثيرٍ من مركز الإدارة . قلت له : «هل يمكن لقسمكم بالتعاون مع قسم جذع الدماغ ابقاء الجسم حيًا دون مساعدة بقية الأقسام الأخرى؟‏» . ابتسم قا لًا : « لا، ليس بالضرورة، قد يبدو لك هذا لكن الأمر يتعلق بنوع الكائن الذي نتحدث عنه، لربما كان ماتقول ممكنٌ في مرحلةٍ من مراحلىتطوّر الحياة، لكننا اليوم نعيش في واقعٍ تنافسيٍّ كبيرٍ ونحتاج جميع الأقسام الأخرى، فلا تتسرع بالحكم . كل قسمٍ من أقسام الدماغ ذو أهميّةٍ ويعمل على الحفاظ على الجسم حيًا .إنّ المقولة القائلة بأنّ الإنسان لا يستخدم سوى 20٪ من دماغه، نعتبرها اهانةً للعمل الشاق الذي نقوم به جميعًا، فلا مكان للعاطلين عن العمل بيننا » . سألته : «هل تأخذون قسطًا من الراحة أم أنكم تعملون بشكلٍ مستمرٍ مثل قسم جذع الدماغ؟‏» . أجاب : « عند نوم الجسم تأتي الأوامر بفصل قسمنا عن العمل وابقائه في حالة متابعة، فالإدارة لا تريدنا أن نقوم بتنفيذ ما يحدث أثناء الحلم من حركاتٍ . تنفيذ حركات الحلم قد يكون خطرًا، فمثلًا القفز من السرير، أو ركل الكرة أثناء النوم، لهذا نضع لحركات الواردة الينا .. وبما أنك سألتني أيضًا عن موضوع النوم، فقسم الإدارة يفصل قسم المنطق أثناء النوم، وهذا، ل لا تستنفر بقية الأقسام في حال تخيّل قسم الذاكرة البصرية بعض الأمور الغير منطقيةٍ .. هل تريد أن تسمع طرفةً؟ » . قلت له : « تفضل .«! قال : « في بعض الأحيان، وبسبب النوم العميق والإرهاق العامّ، يتأخر قسمنا في الإقلاع عند مرحلة الاستيقاظ . فيرسل لنا قسم الإدارة أوامرًا بالحركة، فلا نستطيع تنفيذها مباشرةً، وفي هذه الحالة يشعر قسم الإدارة بالذعر وتستنفر مديرية اللوزة
Amygdala في جذع الدماغ . إذ أن أوامر قسم الادارة لا تلقى من يستقبلها . وفي هذه الحالة نسمع ضجيجًا ورسائل استغاثةٍ من هنا وهناك، وتعلن جميع الأقسام حالة الطوارئ . ستتعرف على بقيّة الزملاء بعد قليل . آه، بالمناسبة، سمعت أنهم يعتقدون في العالم الخارجي أنّ سبب عدم الاستيقاظ هو جنيّ أو غول يجلس على الجسم ويمنعه من الحركة . يسمون هذا الجنيّ الجاثوم، لكن واقع الأمر هو أنّ قسمنا لم يقلع في الوقت المناسب، والاسم الصحيح لهذه الحالة هو شلل النوم
Sleep Paralysis » . قلت : « جميلٌ، أين موقعنا الآنبالنسبة للمراقب الخارجيّ؟ » .قال : « نحن في مؤخرة الرأس في الأسفل » .قلت له : « شكرًا على وقتك . إلى أين تنصحني بالذهاب الآن؟ » . قال لي : «محطّتك القادمة تقع في الطابق الثاني . عليك أن تذهب إلى قسم المِهاد Thalamus » . انطلقت نحو الأعلى حتى وصلت المِهاد أو مايسمى أحيانًا بالسرير البصري، وهو يقع فوق الفم تقريبًا في مركز الرأس . نزلت من المركبة وتفحصت المكان . إنّها غرفةٌ كبيرةٌ بشكلٍ بيضويٍّ، مليئةٌ بالوصلات الدماغيّة . وظيفة المِهاد توزيع المعلومات بين جميع الأقسام في الدماغ، فهو يشبه مركز السنترال الخاصّ بالهاتف، مليءٌ بالوصلات والشبكات . قابلت المسؤول عن القسم وسألته عن مهام قسمه، فقال لي : « أحد أهم مهامنا هو توزيع المعلومات بين الأقسام، إذ علينا تحديد الأولوية في توزيع المعلومات : من يعلم بماذا ومتى . مثلًا، عندما تأتي إشارةٌ بصريةٌ مصحوبةٌ مع إشارةٍ سمعيةٍ، عليناتوزيع هذه الاشارة إلى جميع الأقسام المسؤولة عن تحليلها ثم نقل النتيجة لقسم الادارة والإدراك . قلت له : «يبدوعملًا في غاية الأهمية، لكن ماذا يوجد في المنتصف؟ يبدو وكأنّه سلّمٌ ينزل إلى الأسفل . ماذا يوجد هناك؟‏» . قال لي : « تعال معي كي ترى . هذاقسم الوطاء ( تحت المِهاد )
Hypothalamus ، هنا يتم انتاج هرمونات التحكم بالجوع والعطش ودرجة حرارة الجسم، والتحكم بالعواطف والأنشطة الجنسيّة . يتم هنا أيضًا التحكم بالنموّ والحبّ والإعجاب والخوف وأغلب المشاعر التي يشعر بها الإنسان » .قلت متعجبًا : « كل هذا يحدث منخلال هذا القسم الصغير؟ » .قال : « نعم، هنا تتواجد الغدّة النخاميّة Pituitary gland التي تعمل على إنتاج الهرمونات، وهذه من أهمّ وسائل التواصل بين الدماغ وبقيّة الأعضاء‏» . سألته : « إذًا ما الفرق بين الهرمونات والسيالة العصبية؟ أليست السيالة العصبية مسؤولةٌ عن إرسال الاشارات بهدف التواصل؟‏» . قال لي : « صحيحٌ، نحن نستخدم لسيالة العصبية للرسائل المستعجلة ذات التأثير السريع، بينما نستخدممركز الرأس . ووجدت مصنعًا كيميائيًا كاملًا، تقدّمت إلى الداخل وسألت المسؤول عن الأدارة : « أرجو أن تخبرني عن عمل الغدة النخامية .«! قال لي : « أهلًا بك في الغدة النخامية، نحن بشكلٍ عامٍ جزءٌ من قسم الهيبوثلاموس نتحكّم وننظّم بقيّة الغدد في الجسم عن طريق إفراز الهرمونات . من هنا يتم التحكّم بالغضب والحبّ والحزن والقلق وغيرها من المشاعر . قسمنا أيضًا يقوم بتنظيم دورة النوم والاستيقاظ . نحن نفرز الهرمونات من خلال هذا الوعاء الدمويّ الذي تراه أمامك لينتشر الهرمون المراد توزيعه داخل الجسم عبر الدورة الدمويّة وينقل المعلومات لبقيّة الغدد وأعضاء الجسم عن ما يتوجّب فعله » . قلت له : « هل تقصد أنّ الحبّ يصنع هنا؟‏» . قال لي : « نعم .. هل ترى هذا الوعاء الأزرق؟ هنا لدينا مخزونٌ من الأوكسِتوسين Oxytocin . هذا الهرمون هو هرمون التعاطف الإجتماعيّ والحبّ . طبعًا لا نقوم بإفرازه إلا عند الحاجة وقيام الجسم بأعمالٍ اجتماعيّةٍ ايجابيّةٍ . يطولالحديث عن الحبّ » . شكرته على حسن الضيافة وسألته : « إلى أين أتّجه الآن؟ » . قال : « حسنًا، أنت موجودٌ الآن في الهايبوثالاموس، يجب عليك التوجه إلى الأعلى . وجهتك القادمة ستكون وجهةٌ معقدةٌ بعض الشيء . سوف تزور أكثر أقسام الدماغ تعقيدًا وأكثرها عملًا » . قلت له : « وأين هذا القسم؟ » . قال : « فوقنا مباشرةً، عليك الذهاب إلى قسم المخ Cerebrum‏» . عدت لمركبتي وتحرّكت باتجاه المخّ، ولاحظت أنّ هذا القسم كبيرٌ جدًا ويتألّف من جناحين منفصلين . جناحٌ أيمن وجناحٌ أيسر . جاءتني موظفة الإستقبال مرحبّةً، فسررت للمساوةفي الوظائف بين الإناث والذكور . فسألتها : « أين يقع المخّ بالضبط؟ » . قالت لي : «انت الآن على مستوى العين بشكلٍ دائريٍّ حول الرأس، كما تلاحظ، المخ مقسوم إلى نصفي كرتين مخيتين : يمنى، ويسرى ..‏» . قاطعتها : « نعم، لاحظت ذلك، لكن لماذا هذا الفصل؟ لماذا يمينٌ ويسارٌ؟ لماذا لا يكون قطعةً واحدةً؟‏» .قالت لي : « هذا الفصل نتيجة تطوّرالأحياء بطريقةٍ متناظرةٍ ضمن قسمين بشكلٍ عامٍ . إذ نجد الأحياء في الطبيعة قد تطوّرت أجسامها لتأخذ أشكالًا متناظرةٍ، إمّا بشكلٍ شعاعي Radial symmetry ، حيث نستطيع قسم أيَّ جزءٍ منها كما تقسم قرص البيتزا، فنحصل على جزءٍ يطابق بقيّة الأقسام . أو بشكل ثنائي جانبي Bilateral symmetry . أي تناظر الجسم على جهتين : يمينٍ ويسارٍ، وقد تطوّرت أدمغة الكائنات ذات التناظر الثنائي الجانبي بحيث يكون المخّ أيضًا مقسومٌ إلى قسمين، أيمن وأيسر . لكن فيالواقع، القسمان ليسا منفصلان وإنّما متّصلان بهذا الجسر في الوسط‏» . سألتها : « وما الحاجة لهذا الجسم في الوسط؟‏» . قالت لي : « هذا الجسم الثفني
Corpos collosom ، ووظيفته ربط القسمين مع بعضهما البعض . وهو مهمٌ جدًا، إذا أنّه ينقل المعلومات بين القسمين لبناء أفضل نتيجةٍ ذهنيةٍ ممكنةٍ . في بعض الحالات، عندما يُصاب الجسم الثفني بضررٍ ما، لا نستطيع أن نعلم ما يجري بين الأقسام، وبالتالي قسم الإدارة تصله إشارات متضاربةَ . بالمناسبة، في أسفل الجسم الثفني توجد غرفةٌ صغيرةٌ لكنها مهمةٌ جدًا اسمها النواة القاعدية Basal ganglia وهيا لمسؤولة عن تنظيم الحركة بالتعاون مع قسم المخيخ، فهما يسيطران على أغلب الأعمال الحركيّة في الجسم » . قالت لي : « حسنًا قسمنا معقدٌّ كثيرًاوعلينا البدء . سمعت أنّ هدف رحلتك البحث عن النفس، صحيحٌ؟ » . قلت لها : « نعم هذا صحيحٌ ..‏» . قالت : « حسنًا سأنهي الجولة في قسم النفس لكي تتعرف عليه جيدًا .. القسم الأيسر عمومًا، مسؤولٌ عن الأعمال الحسابيّة مثل الرياضيّات والمنطق والنطق وغيرها . بينما نجد وظائفًا مثل تمييز الوجوه والأشياء والإبداع وفهم اللغة موجودةً في القسم الأيمن .. انظر هنا، هل ترى هذه الغرفة التي شكلها مثل شكل حبّة البندق؟ هذه تسمى اللوزة الدماغية Amygdala ويوجد لدينا منها واحدةٌ في كلّ فص (أيمن وأيسر ) ، وهي مسؤولةٌ عن تقييم أيّ إشارات خطرٍ قادمةٍ من الخارج وتعمل كجهاز استشعارٍ للخطر . لن أعقد لك الأُمور كثيرًا إلّا أنّ اللوزة الدماغية تختلف بين الذكور والإناث من حيث الحجم وأيضًا بعض الوصلات الداخليّة فيها تكون مختلفةً بناءً على التوجّه الجنسيّ » . فجأة سمعنا صوتًا عاليًا : إنذار إنذار إنذار .. سألت المسؤولة المرافقة لي : «ماذا يحدث؟‏» . قالت : « هذا انذار : القتال أو الهروب ! يبدو أنّ شيئًا ما حدث في الخارج .«! في الخارج .. كنت أمشي في الشارع، فجأةً أسمع صوتًا قويًا بالقرب مني فقفزت من مكاني خوفًا من الصوت، ثم اكتشفت أنّ الصوت صادر عن عادم إحدى السيارات القريبة، ولا شيء خطرٌ في الأمر . لنلقي نظرةً على التفاعلات التي حدثت . في البداية، استشعر الجهاز العصبيّ الرئيسيّ الصوت المفاجئ عن طريق حاسّة السمع، فأرسل سيالةً عصبيةً مستعجلةً إلى قسم الوطاء Hypothalamus فحواها : « سمعت صوتًا عاليًا .«! أرسل قسم الوطاء رسالةً مباشرةً إلى اللوزة الدماغية Amygdala حيث نحن متواجدون . وفي نفس الوقت يقوم القسم المركزيّ الدماغيّ بسؤال بقيّة الأقسام : « هل لدى أحدكم ايّ تفسيرٍ منطقيٍّ لهذا الصوت؟ مصدره؟ اتّجاهه؟ لماذا الصوت أعلى من المعتاد؟ هل سماع هذا الصوت أمرٌ طبيعيٌ حسب البيئة المحيطة؟ » ، فيأتي الجواب من جميع الأقسام : «لا يوجد ربطٌ منطقيٌّ بين الصوت وبين جميع البيانات المتوفّرة لدينا » . فيتّخذ قسم الوطاء الدماغيّ مباشرةً تدابيره المتعلقة بالخطر ( هذا يعني أنّ الجسم يحتاج للطاقة بشكلٍ سريعٍ وفوريٍّ لكي يستطيع التفاعل مع الخطر بشكلٍ مناسبٍ ) . عادةً ما يتعامل الدماغ مع كلّ ما هو مجهولٌ على أنّه ظرف (خطرٍ ) على أساس قاعدة “ الحذر واجبBetter
safe than sorry ” ، ويرسل برسالةٍ مستعجلةٍ إلى الغدّة الكظريّة عن طريق إفراز هرمونٍ إسمه .ACTH بمجرّد ارتفاع نسبة هذا الهرمون في الدم يعرف فريق الغدة الكظريّة أنّ عليهم العمل بنشاطٍ أكثرٍ لأنّ الجسمبحاجةٍ لحرق كمياتٍ كبيرةٍ من السكّر . يبدأ فريق الغدّة الكظريّة فورًا بإنتاج هرمونٍ اسمه كورتيزول وهو مسؤولٌ بشكلٍ أساسيٍّ على استقلاب النشويّات المخزّنة في الجسم إلى سكريّاتٍ ( وقودٍ ) لكي تستطيع خلايا الجسم من حرق السكّر والقيام بجميع الأعمال الموكّلة إليها من قبل الدماغ . في نفس الوقت في مكانٍ آخرٍ في الجسم، فعّل قسم اللوزة الدماغية استراتجيّة “القتال أوالهروب ” عبر إعطاء الأوامر بإفراز كمياتٍ كبيرةٍ جدًا من الأدرنالين إلى الدورة الدمويّة ( 300 ضعف المعدل الطبيعيّ ) . فتتفاعل عضلة القلب مع الأدرنالين وتزيد من عدد النبضات مما يرفع ضغط الدم ويسهّل وصول أكبر كميّةٍ من الدم إلى جميع الأنسجة العضلية . الأدرنالين يحفّز الكبد على إفراز كميّاتٍ كبيرةٍ من السكر لكي تستخدمها العضلات في سياق تنفيذ استراتجية (القتال أوالهروب ) . مباشرةً وكجزءٍ من ميكانكيات “القتال والهروب ” يتوسّع بؤبؤ العين لإدخال كميّةٍ أكبر من الضوء ليتسنى للدماغ أن يرسم صورةً أفضل لما يجري من حوله ويستطيع استقصاء نوع الخطر المحدق . بعد ارتفاع نبضات القلب أصبحت الدورة الدموية تهدر في الجسم والكريّات الحمراء التي تحمل السكر تتسابق في إمداد الخلايا المتواجدة على الخطوط الأماميّة للأنسجة العضليّة من الذخيرة السكريّة الكافية لحرقها في حال اطلق الدماغ الأوامر .
بعد مرور ثانيةٍ تقريبًا . استطاع الدماغ القسم المركزيّ تحديد نوع الخطر، إذ أن بعض الخلايا الدماغيّة التي تعمل في قسم الذاكرة وجدت ملفًا سابقًا ينص على أنّ هذه التجربة سبق وحصلت في الماضي، وأنّ النتيجة حينها كانت سليمةٌ ولا داعي للذعر . أما قسم المنطق في الإدارة، فقد ربط بين مصدر الصوت ووجود باصٍ أخضر اللون مع رائحة دخان الوقود في الجوّ، واستنتج أنّ الصوت لا يشكل خطرًا وإنّما هو مجرد فرقعة صدرت عن عادم السيارة ! حسنًا أنه انذارٌ خاطئٌ، لذا يبدأ الدماغ بإستراتيجية ما بعد (القتال أوالهروب ) . كميّة الكورتزول المرتفعة في الجسم تعني أنّه على الجسم تعويض الطاقة التي تم صرفها ضمن القتال أوالهروب . تبدأ عمليّة التعويض من خلال إفراز هرمون الأنسولين الذي بدوره يحلّل كميّة السكّر العالية في الدم إلى دهونٍ لإعادة تخزينها في الجسم . بالإضافة لذلك يقوم الدماغ بإفراز هرمون ( لبتين ) . هرمون لبتين مسؤولٌ عن التحكّم في شعور الجوع والشبع . الجسم يريد أن يعوّض ما خسره من دهونٍ فلذلك يرسل الأوامر للجهاز الهضميّ أن يتهيّء للأكل ووضع الجسم في حالة الجوع . كما يقوم الدماغ أيضًا بإجراءٍ احترازيٍّ بإعطاء أوامرٍ بتقنين الطاقة ووضع الجسم في حالةٍ من ( الخمول ) إلى أن يأتي الطعام . قلت للمسؤولة المرافقة : «لقد كنت محظوظًا إذ شاهدت عمل أقسام الدماغ، ولكن أرجو أن تشرحي لي باختصارٍ عن بقيّة الأقسام، لأنّ مازال عليّ أن أتعرف على قسم النفس والوقت يتدراكنا‏» . أجابت بهدوء : « باختصارٍ شديدٍ، يوجد لدينا قسم الحُصين
Hippocampus ، وشكله يشبه حصان البحر . هذا القسم مسؤولٌ عن تخزين الذاكرة طويلة الأمد، ففي حال تعطل هذا القسم، يخسر الجسم كافة البيانات المتعلقة بالذاكرة طويلة الأمد وخصوصًا البيانات المتعلقة بالأحداث وليس الحركة، إذ عندها، يحافظ الجسم على ذاكرته الحركيّة لأنّها تتعلق بقسم النواة القاعدية
Basal Ganglia والمخيخ
Cerebellum ، لكنّه يفقد القدرة على تذكّر الأحداث، ويوجد من هذا القسم نسختان كذلك . نسخةٌ يمينيةٌ ونسخةٌ يساريةٌ .. والآن، لننتقل إلى قسم القشرة المخيّة Cerberal cortex ، وهي ما يسمّيها البعض بالمادة الرمادية، وتتألف من أربعة أقسام تُسمى بالفصوص : الفص الجبهي Frontal lobe ، حيث يوجد الإدراك والعقل الإلهي "الروح" والمنطق وتقييم المخاطر . الفص الجداري Parietal
lobe ، وفيه يتم تحليل جميع الإشارات الخارجيّة ووضعها في أفضل سياقٍ يطابق الواقع .
الفص الصدغي Temporal
lobe ، يتعلق بحاسة السمع . الفص القفوي Occipital
lobe ، يرتبط بحاسة البصر، ويقع في الناحية الخلفية للدماغ .
بالاضافة إلى أقسامٍ عديدةٍ أخرى تعمل في تنسيق العمل بين الأقسام الأخرى، وتسمى بالباحات الترابطية
Association areas . مثل الباحة الحسية في الفص الجداري، والباحة المحركة في الفص الجبهي، ويجدر بالذكر أنّ مركز اللغة موجودٌ في القسم الأيسر من قشرة المخ لدى
70 ٪ من البشر . وهناك باحتين ترابطيتين مسؤولتين عنه : باحة اسمها بروكا Broca's area وهي المسؤولة عن النطق، وباحة ڤيرنيكه
Wernicke's area المسؤولةٌ عن فهم اللغة . واصابة إحدى هاتين الباحتين لا يؤثّر على الأخرى .. » . قاطعتها بقولي : « اعذريني، فإنّني بدأت أتجاوز عدد الكلمات المتاحة لهذا المقال وأحتاج أن أختصر‏» .
قالت : « حسنًا، لنذهب إلى قسم العقل الإلهي "الروح" أليس هذا مقصدك؟ لنذهب إلى الفصّ الجبهيّ . فهو ما يميّز الإنسان عن بقيّة الأحياء في نظرك » ،إذن الإنسان مركب من جسد ونفس فالنفس مزوجة بالجسد ،فحين يرسل الله النفس إلى الجسد فتكون حياة الشيء بإذن الله وحين يمسك الله النفس ،وذلك يقبضها من الجسد ،فإنها تفارق الحياة . فطرة الله التي فطر الناس عليها ليريكم ايآته في الافاق وفي انفسكم افلا تتفكرون ..* يتبع *
منقول من موقع علومي بتصرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.