لقد مر شعب الجنوب العربي بمراحل عصيبة وانتكاسات متتالية كان اشدها وطأه سقوط الجنوب العربي تحت حكم باب اليمن ومانتج عنه من اثار وخيمة لم يسبق ان تعرض لها شعب من قبل تحت اي احتلال كان ، كون هذا الاخير لم يكن يحمل الا مشروع واحد هو تدمير النسيج الاجتماعي في الجنوب وبأقذر الاساليب ليتسنى له السيطرة الكاملة والتحكم بمقدارات البلاد لذلك فقد عمل على استهداف الوعي الجمعي بشكل عام عبر خطة اعدها وقام بتنفيذها بأحكام نتج عنها مانتج من عاهات فكرية وسلوكية ونفسية قد يتطلب لمعالجتها والتخلص منها الكثير من الجهد الذاتي والتوعوي .مالم فأنها ستظل تركة ثقيلة راسخة في اعماق الوعي الاجتماعي وستقف حجر عثرة امام اي محاولات للتقدم مستقبلا .وربما ستظل موروث سلبي يقود لاراديا مره اخرى الى اعادة الجنوب الى نقطة الصفر حيث كانت التبعية للفرد والفئة التي قادت الى ضياع الجنوب سابقا. ان الوعي العام في الجنوب في هذه المرحلة يعاني من التيه والتشتت الذي جاءت انعكاسا لمراحل تاريخية نسجت الكثير من التناقضات في ذاكرته ابتدأ من اعلان الدولة الحديثة في 1967 وما سبقها من تعبئة ثورية محاكاة لثورات سابقة وبتوجيه منها ثم ماتلاها من تهدئة ووضع السلاح والدعوة للتغيير وللبناء وفق مفاهيم غريبة كانت شاقة على الشعب فهمها واستيعابها ادت الى انفصام في السلوك الاجتماعي بسبب التناقض بين الفكر والواقع اوصلت في المحصلة النهائية لها الى التخلي عن الدولة ، ثم جاءت المفاهيم الجديدة للسلوك الذي يجب ان يكون عليه المجتمع وفق رؤية الفاتحين الجدد بعد سقوط الجنوب 1990 مناقضة تماما للمفاهيم السابقة الامر الذي سبب ارتباك اكثر في ذاكرة الوعي الاجتماعي وكانت ثقافة العنف التي تم اغراق المجتمع الجنوبي بها منذ 1994 اكثر وطاه على ذاكرة الوعي الجمعي وماتلاها من فوضى وعنف كانت كافية لان تصيب المجتمع بكثير من العاهات الفكرية والنفسية والسلوكية ضل يحملها في وعيه جنبا الى جنب مع الغضب الثوري الذي اراد به تغيير الوضع باستعادة الدولة الجنوبية وهو سلوك جديد يضاف الى مخزون ذاكرته زاد من حالة التيه التي قد لايستطيع معها ضبط سلوكه مستقبلا بسببها اذا لم يتم تداركها كل ابتدأ بنفسه وكل من موقعه، وهذا الامر لايتعلق فقط بفئة معينة من الشعب بل ان ماحملته ذاكرة الشعب من موروث سلبي هي تركة ثقيلة متخلفة لم ينجو منها الكثير من قادة الثورة الجنوبية بل ان هذه التركة السيئة انعكست في سلوكهم الذي اظهر الكثير من الانفعالات والتوتر في الخطاب الداخلي او النقاش حول مسار الثورة ولكن ربما يكونون اقدر على مواجهتها وحلها ذاتيا ليكونوا نموذج يتناسب طرديا مع الشعارات والدعوات التي ينادون بها ونموذج للمجتمع للوصول الى حالة التكيف مع الوضع الجديد بعيدا عن حالة الانفعال والتوتر او المواجهة في كل جوانب الحياة . يجب ان يكون هناك عمل يسير موازيا لمرحلة استعادة الدولة وبناء مؤسساتها وهو تهدئة النفوس والدعوة لتغيير نمط حياة العنف الثوري الذي كان سابقا يستهدف ادارة الاحتلال وانظمته وقوانينة وتغيير سلوك حالة التذمر والتأفف التي كانت سائدة اثناء حكم الاحتلال ولالتفات الى محاولة الاجتهاد في البناء للوعي الاجتماعي ولو بمجهودات ذاتية لمواجهة استحقاقات المرحلة الحالية والقادمة بانتهاج سلوك مغاير تماما للسلوك السابق حتى لاتنعكس حالة العنف والتمرد السابقة واثارها النفسية السلبية على تدمير الذات وتدمير ماتم انجازه واعاقة عملية البناء و التقديم ، يجب العمل وبسرعة على تهيئة الذاكرة الجمعية والوعي الاجتماعي بمجهودات فردية ذاتية ومجهودات جماعية للوضع الجديد حتى يسود الوئام ، والقول بتأجيل الحديث عن مثل هذه الافكار الى ما بعد ترسيخ دعائم الدولة هو اهدار للوقت .