((غدا سننظر في السيناريوهات المقدمة، وسيتم اختيار أحدها)) . نُشر ذلك الإعلان في الجريدة الرسمية، حزمت حقائبي تجاه مقر الشركة ، ولجت ولم أكن وحيدا ، كانت الوجوه الوالجة الكالحة تتوسم انحراف في خط سيرها، وكنت أحدهم. استقبلتنا المضيفة بابتسامتها المصطنعة، وحشرنا كخراف تائهة في مكتب بيضاوي، لم استرد نفسي حتى نودي علي، وأمام طاولة مستديرة وقف البدين وأنا أمامه كجرو مذعور تحاملت على ماتبقى لدي من بصيص طاقة، لم أعهد قواي خائرة بهذا الشكل، كما لم أعهد تصميمي بهذه الصلابة والعناد، ولعل خوفي من خيبات الماضي يقف دافع لذلك، كما وأن حذاء أخي الممزق وعباية أمي المهترئة والعرق المتصفد على جبين والدي دائما وبغزارة من عمله المضني يقف خلف ذلك،كما لا أنسى تلك الشقوق التي ترتسم بعبثية جائرة في كفيه. كل تلك تنط في خيالي، وهذا الدوار الذي يعصف بي الآن يساندها أيضا، كيف ذلك؟. هو بالتأكيد ليس بحاجة لبحث مضنٍ، بل كل مافي الأمر، إن أخي الرضيع لم ينم البارحة جراء قرص الجوع الواخز. هااااااااه، تمهل ، أتظن أن دوافعي قد انتهت.. ؟ لا الأمر ليس كما تتخيل ، أيها البدين . انتظر فحسب. منزلنا القابع في ضواحي المدينة، يتلبسه الظلام المتعمد جراء فصل التيار. وكل ماذكر لايقارن مع تلك النظرات الشرهة الفاحصة لجسد سارة أختي من عيني جارنا السبعيني أبي أدهم، صحيح أن معارضة أبي لزواجه منها تتسم بالصلادة، وكان آخر حديث دار بينهما مخيبا لآمال أبي أدهم إلى حد كبير، هكذا خيل إلي، لكن عقب إرساله كبش الأضحية هدية لنا أو صدقة سمها بماشئت تبين أن ذاك العجوز الخرف لن يتوانى حتى يظم سارة الطفلة إلى عصمته إلى جانب زوجتيه… . آه كم أكره ابتسامته ونظراته الشبقة لها، وسأعد نفسي كاذبا أن زعمت أن كرهي لهداياه يضاهي ذلك، وأن تصنعت غضبا منها أمام والدي. زد على ذلك نظرات الاستعطاف والرجاء التي ترمقني بها، وكأنها ترسم فيّ قلعتها الحصينة من رياح العجوز الخرف.
كل ماذكر وتعتقد أيها البدين المتعجرف أن ازورارك عن نصي السردي وتصنعك النفور منه سيضع حدا لمحاولاتي. أخرج قالها بصفاقة، وناولني أوراقي التي تقدمت بها. فرددت لاشعوريا: أنت مخطئ. قوس حاجبيه وقال : عماذا تتحدث. لم يجاوبه غير ارتطام الباب بقوة، كان ذلك أخر ما التقطته أذناي من واقعي المزري، وأعتقد فيما يشبه اليقين أن زغردة صدحت من بيت أبي أدهم وبيتنا بتوازٍ، حينها لم أنكس رايتي، بل جثوت على قلمي محاولا تجديد صلتي بها، وعدم إظهار استسلامي لعجرفة البدين ونزوات إبي أدهم.