أن تقوم الرياض بالتواصل مع السيد/ عبد الوهاب الآنِسي، الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح، واستدعاءه بشكل عاجل من إسطنبول، بل ونقله بطائرة خاصة إلى الرياض، لينْظمَّ إلى رفيقه رئيس الحزب السيد/ محمد اليدُومي، من أجل اللقاء بولي عهد دولة الإمارات الشيخ/ محمد بن زايد، وبترتيب ووساطة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فإن ذلك معناه أن ذاك اللقاء لم يكن بروتوكولياً أو اعتيادياً، وإنما كان لقاءً هاماً واستثنائياً، لاشك بأن نتائجه ستنعكس على مجريات الواقع اليمني علي الأرض، أكان "سلباً أو إيجاباً". مما لا شك فيه، أن رحيل علي عبد الله صالح، وسيطرة الحوثيين الكاملة على صنعاء وأغلب مناطق الشمال، قد أفقد أبوظبي حليفاً مهماً، كانت تُعوِّل كثيراً عليه، في مناطق الشمال اليمني على الأقل، كما أن انهيار حزبه "المؤتمر الشعبي العام" وتشتت أعضائه، ثم تشرذم قواته، ونهبها من قبل الحوثيين، قد أضعف كثيراً موقف نجله أحمد، الذي كان البعض لا زال يُعول عليه، بالمشاركة في صياغة المشهد الجديد باليمن، حتى ولو من باب الثأر لأبيه، لكن الرجُل –في حقيقة الأمر- لم يعُد يملك أوراق قوة تجعل أبوظبي تُلقي بكل ثقلها عليه، وهو ما جعلها ترضخ –فيما يبدوا- لرغبة الرياض بالجلوس مع قيادات حزب الإصلاح، الذين كانت قد رفضت اللقاء بهم طوال الثلاث سنوات الماضية، بل وظلت تحاربهم بكل السبُل، وأنفقت الأموال الطائلة، بُغية إقصائهم من المشهد اليمني برمته، انطلاقاً من كونها تعتبرهم يمثلون امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين "الإرهابية" حسب تصنيفها، والتي تُكن لها العداء وتحاربها بشكل علني. من المؤكد أن قيادة حزب الإصلاح اليمني، تعي وتُدرك تماماً، الدوافع التي جعلت محمد بن زايد ينزل من علياءه، ويُخفِّض من سقف كبرياءه، ويذهب للقاء بها في الرياض والتحدث معها، حول ما يمكن فعله بالمشهد اليمني، في مرحلة ما بعد رحيل صالح، إذ أنها تعلم بداهة، أن ذاك التحول المفاجئ في موقف أبوظبي ومعها الرياض، لم يكن حُباً بها، ولا هو نتاج قناعة حقيقية بالبدء ببناء شراكة معها، أو تحولاً استراتيجياً في سياساتها تجاه اليمن، وإنما لا يعدوا عن كونه اجراءً تكتيكياً مؤقتاً، فرضته عليهما اللحظة السياسية الراهنة، كما فرضه عليهما حجم المأزق الكبير، الذي باتتا تعيشانه، بعد خسارتهما لورقة حليفهما الراحل، علي عبد الله صالح، ونجله أحمد. لم يعد بالتالي أمامهما من خَيار، سوى الذهاب "مُكرهين" إلى حزب الإصلاح، والتحاور معه، باعتباره القوة السياسية الوحيدة، المتواجدة فعلياً على واقع الأرض، بشكل حقيقي ومُنظم، والتي بإمكانها أن تلعب دوراً فاعلاً في إحداث تغييرات على الأرض، في حال تم دعمها بشكل حقيقي وجاد. يقابلها على الجانب الآخر، مليشيات الحوثيين المُتغلِّبة بقوة السلاح، التي ذابت بداخلها وانصهرت، معظم قُوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، التي كانت تشكل القوة الضاربة لصالح ولنجله أحمد، والتي كانت بالأساس –وماتزال- محصورة في أبناء منطقة جغرافية بعينها داخل اليمن، كلها تتبع المذهب الزيدي تقريباً، باستثناءات قليلة جداً لا تكاد تُذكر، وعقيدتها القتالية كانت قائمة على الولاء لشخص صالح وعائلته، ومن المرجَّح أن معظمها اليوم قد أصبح يدين بالولاء للسيد عبد الملك الحوثي، من منطلقات عقَديَّة ومذهبية ومناطقية. عندما يوافق حزب الإصلاح على اللقاء بالشيخ محمد بن زايد بكل رحابة صدر، وهو يعلم مقدار العداء الذي تكنه أبوظبي له، ثم بعد اللقاء يخرج رئيس الحزب ليقول بأنه كان مثمراً وإيجابياً، وبأن علاقة حزبه بالسعودية والإمارات، هي امتداد للعلاقة الأخوية بين الأشقاء في دول الخليج واليمن، وعندما يقول المتحدث الرسمي للحزب عدنان العديني، بأنه لا مشكلة لحزبه مع دولة الإمارات، نافياً وجود أي خلاف معها، فإنك أمام كيان سياسي، يمتلك قدراً عالياً من البراغماتية والحِذق السياسي، تجعله قادراً على المناورة السياسية، إلى حدود ربما لا تتصورها أبو ظبي والرياض. لا نعتقد بأن حزب الإصلاح سيكون لقمة سهلة البلع، كما لا نعتقد بأنه سيسمح لنفسه بأن يكون مجرد "حصان طروادة" تعبر عليها أبوظبيوالرياض، لتحقيق أهدافهما داخل اليمن، دون أن يكون هنالك ثمن، ليس أقله التوافق على إيجاد صيغة ما، تنهي الحرب الدائرة في اليمن منذ ثلاث سنوات وبشكل نهائي، وتحقن ما تبقى من دماء اليمنيين، أكان بالقضاء نهائياً على مليشيات الحوثي، وهو ما نراه أمراً بالغ التعقيد، وسيدفع اليمنيون تكلفته باهضاً، أو الخروج بحل سياسي يرضي جميع الأطراف، وهو ما تدفع باتجاهه الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوقت الراهن.