تكمن المعضلة الحقيقة في المشكلة اليمنية بين الشمال والجنوب في موضوع السيادة الذي كان حاضراً في صورة ندية عند وحدة الدولتين في عام 90 , ولكن هذا زال بوجود حرب 94 لتصبح السيادة للشمال في صورة جوهرية خالصة , ولم يكن للجنوب بعد ذلك إلا شكليتها . بحدوث المستجدات الجديدة في ظل عاصفة الحزم 2015 , وفي ظل حكم الشرعية اليوم لمن السيادة مع وجود مسمى الدولة نفسه (الجمهورية اليمنية ) وتغير تركيبة الأشخاص , وفي ظل رئيس الجمهورية , ورئيس الحكومة من الجنوب ..هل غيّر ذلك من موضوع السيادة كي يعود للندية كما كان سابقاً قبل حرب 94 أم ظلت السيادة شمالية باقية ومستمرة حتى اليوم ؟ اليمن كما هو اليوم وطن يحمل في كنفة صراع جوهري بين شعبين كلاً منهما ينطلق في اتجاه معاكس بين فكرة الاغتصاب وفكرة الخلاص نتج ذلك عن وحدة تأسست على مبدأ الخداع والمكيدة والغدر في ظل اعتناق الشمالي شعار الداروينية (البقاء للأقوى) معتمداً كلياً في ذلك على متغير السكان متكئاً علية لا يميل عنه قيد انملة يتضمن الكثرة في الأفراد والعتاد في ظاهرة اجتماعية واضحة تعتمد تجيش الجيش والقبيلة , ولي عنق العقيدة لأغراض سياسية تتخذ من الجنوب مكون ضعيف لابد من اغتصابه في عقلية القائد الشمالي .. كما أن حرب 94 حققت للشمال نزع قوة الدولة الجنوبية , ومن هنا حرص الشمال أن يظل الجنوب ضعيف بعيد عن تكوين جيش منظم مرة أخرى . وفي حرب 2015 انجز الجنوب برعاية التحالف وتدخله العسكري أيقونة نصر عظيم قدمت فيها عدن والجنوب خيرت شبابها الذين سطروا ملاحم البطولة ضد الغزو الشمالي الذي كان يستهدف ضياع العقيدة والوطن . والنتيجة أن الشرعية المحمية بغطاء التحالف خطفت انتصارات الجنوب لنفسها , وذهبت بالجنوب في عزف سنفونية رديئة تعزف على اوتار الندم والألم , وبددت النصر العظيم وجعلت من مناطق الجنوب المحررة كارثية على الرغم من الدعم السخي لدول الخليج , وشرعت الشرعية في العمل السياسي على نمط المواطنة نفسها كما كانت قبل حرب 2015 دون أي تغير في متغير السيادة , وتمخضت أفكار جماعة هادي بتسليم القرار السياسي حزب الإخوان اليمني (الاصلاح) ومكنتها من تكوين جيش ضخم في مأرب يدخره القائمين علية لغزو عدن , بينما الرئيس هادي بالمقابل قام بتكوين جيش (شي عيشه) من اطفال المدارس , وكسالى البيوت التي تدور حياتهم في مجالس القات دون أي تدريب أو دراية أو قدرة على العمل الميداني العسكري والقتالي مما يجعل عدن هدف سهل وعرضة للإرهاب . كما تمخض من اختيار هادي وحاشيته في المنافع الشخصية على تفضيل بن دغر لرئاسة الوزراء تاركاً بذلك شرفاء الجنوب خلف الستار على اعتبار أن الاسترضاء الشمالي لن يقبل بهم . وانتهت الشرعية بشريانها الأخونجي كشريك في الإرهاب كي تصبح عدن مسرح لكل سفهاء العمل السياسي , وفيها يتجمع اعداء الجنوب وعملائهم في عمل مشترك يستهدف حياة المواطن الجنوبي بمختلف وسائل العمل التخريبي سواء على مستوى الخدمات ومعاناتها أو على مستوى العمل الإجرامي المتمثل في الإرهاب بكل أشكاله الذي لا يرتبط في علاقة البته مع قيم وروح الإسلام الحنيف . وبذلك ظل الرئيس هادي ينتقل بالجنوب من شكلية السيادة للجمهورية اليمنية بصورتها المؤتمرية إلى شكلية السيادة للجمهورية اليمنية بصورتها الأخونجية الاصلاحية , وكلاهما سيادات شمالية خالصة في جوهرها , ومن هنا يتضح تحديد موقف ومرجعية بن دغر في استعداءه للجنوب هو وكثير من القيادات الجنوبية الذين في سياستهم يذهبون إلى بيع قضيتهم بثمن بخس للشمال على الرغم من علم ومعرفة هؤلاء القادة بنية المغتصب الشمالي . لذا بن دغر يستعدي الجنوب وقضيته العادلة ليس اخلاصاً لعفاش أو هادي أو الوحدة , ولكن تحقيقاً لطموحة الشخصي في البقاء في المنصب فترة اطول , وطموحة للإحلال بدل هادي , وهذا الاستعداء يأتي من معرفة الرجل بشمالية السيادة للجمهورية اليمنية , ودرايته بمراكز القوى الشمالية المتنفذة التي تحول دون ندية الجنوب في التمكين من تحديد ووصول إلى هذا النوع من المناصب العليا , ولذلك الاسترضاء الشمالي هدف كل جنوبي طامع في السلطة . كما يلاحظ أن هناك وصم دوني الصقه عفاش في المناصب العليا عندما يتقلدها أشخاص من الجنوب , وهو وصم شبيه بالوصم الذي الصقه الامام بأصحاب تعز . حيث يتميز هؤلاء بالضعف , وعدم فاعليتهم مع القيادات الشمالية , والرئيس هادي وبن دغر مثال واضح على الرغم من غطاء التحالف لهم , ولكن اختيار الضعفاء لممثلي الجنوب أمر تفرضه السيادة الشمالية للجمهورية اليمنية , ووصول قيادة جنوبية قوية إلى هذه المناصب العليا أمر يستحيل في الوقت الحالي , وسيستمر ذلك أن لم تستجد تغيرات جذرية تعدل من ميزان توازن القوى بين الشمال والجنوب . استمرار الحال طويلاً كما هو في عهد الشرعية يؤدي إلى أن يصبح الوصم الدوني لهذه المناصب العليا ملتصقاً , ومن ثم قد يتمثل ثقافياً مما يؤدي إلى صعوبة التخلص منه في حالة تمثله ثقافياً في البناء الاجتماعي . ولكن ربما التغيرات القادمة تبدل من طبيعة التوازنات ليجد الجنوب تموضعه الطبيعي ... فمسار المجلس الانتقالي والدعم الاماراتي شكل بنية هامة في مستوى التوازن اذا استمر تصاعدياً كما هو حال تشكل الحزام الأمني الذي يعتبر النواة الجنوبية الحقيقية على الأرض بجانب قوات النخبة في حضرموت وشبوة , ولكن في تحالف الامارات مع أخوان اليمن لربما تفشل حركة مسار تطور فكرة الحزام الأمني بالمستوى والكيفية السابقة نفسها , وقد يحصل ذلك نتيجة لاشتراط حزب الاصلاح في ايقاف الدعم للمجلس الانتقالي بشكل خاص وكل من يدفع بقوة الجنوب إلى الامام بشكل عام , وأن كنا نحسن الظن بالوفاء الاماراتي للوفاء الجنوبي ... في بلاد الغرب ومنابع الديمقراطية تتحقق السيادة الندية بين المواطنين تبعاً للدستور ونصوص القانون , ولكن في البلاد النامية المتخلفة مثل اليمن تتحقق السيادة الندية تبعاً لتوازن القوى , ولذلك يعاني الجنوب من إشكالية في جوهرية السيادة داخل نظام الجمهورية اليمنية نتيجة لتموضعه الضعيف في توازن القوى الشمالية المتعددة التي تحتمي بالعدد والعدّة والمال والحاضن , وهذا في عهد رئيس جنوبي تحت حماية التحالف , فكيف الحال في عهد رئيس شمالي وبدون وجود تحالف .