اشتاق أن اسافر وارتشف من عطر الحياة فرائحة الموت في وطني باتت تخنقني الى حد الموت، قرأت ذات مرة أن الاستمرار في استنشاق رائحة ما او تذوق طعم ما يفقدنا الإحساس بتلك الرائحة او ذلك الطعم لأن بعض خلايا تلك الحاسة التي استمرت لفترة طويلة تجاه نفس الشيء تكون قد ماتت او أوشكت على الموت. لذا كثير من سكان وطني لم تعد تستفزهم رائحة الموت الكامنة في أرجاء الوطن، ولم يعودون يشعرون بطعم الجهل والفقر الذي يتجرعونه فيه، أخشى أن يكون الوطن قد قتل جميع حواسنا فأصبحنا أنصاف بشر لا حواس فينا، تلك الحرب التي دارت جاءت تجردنا من كوننا بشر.
جاءت لتقتل أرواحنا فإن ما استطاعت فحواسنا، فنحيا لا أموات ولا أحياء، الحياة بين وبين هي برزخ من نوع آخر، نحن لسنا سوى حفنة من البشر مهما بلغ عددنا ما تبقى فينا من بشرية ضئيل مقارنة ً بحجم البشر في العالم والأعداد المتزايدة على الدوام في إحصائيات التعداد السكاني، حربٌ يشنها العالم ضدنا فالعالم إما أن يجرب صناعاته للأسلحة على أرضنا وإما يجرِّعنا مرض وفقر وجهل ثم بكل بساطة يغلق أبواب النجاة في وجوهنا، شيئان لا أستطيع استيعابه حتى الآن ولن أستطيع هما قسوة هذا العالم وبشاعتنا، أترك لمزيد من القسوة والبشاعة أن تشرحا لي الأمر، لعلي إن غرقت في القسوة والبشاعة أعي جيداً ما يحدث ولِمَ يحدث !! أمور مهما بلغ التفكير فيها يصعب فهمها، بالنسبة لأولئك الذين حاولوا ثم ادعَّوا نجاحهم في الفهم لما يحدث لا أظنهم قد فعلوا، نستطيع تفسير ما يحدث وفقاً لما يمكن تصديقه او بصراحة وفقاً لما نريد فقط او ربما وفقاً للمرض الذي يجعلنا نشتم رائحة عطرة من تراكم الجثث على أرض الوطن و تذوق الجهل كقطعة حلوى، هذا إن لم نكن لا نشتم ولا نتذوق أصلاً، العلاج لمرض فقدان الحواس نجده في الأماكن الأكثر قرباً منا في العالم ولكن الأبواب مؤصَدة لأعذار ساذجة لا يقبلها إلا الساذجين وكأنما السذاجة من أعراض ( فقدان الحواس) المرض الأكثر فتكاً بأبناء وطني، تخيلوا لو أننا شُفينا من هذا المرض سيُشفَى الوطن بكل تأكيد وستنبض شرايين الحياة فيه حينها ستنهار قسوة العالم الطاغي وسيتحمل خيبة منذ الآن أشفق عليه من تحملها..