تجمع الدول العربية الكثير من الخصائص والمميزات سوء على مستوى الشعوب أو الحكام، حيث تعاني الشعوب العربية من الفقر والفساد وانتشار البطالة بين صفوف الشباب وخريجي الجامعات وتقييد للحريات وانعدام الأمل في حياة ومستقبل أفضل. أما على مستوى الحكام فالحكام العرب يعشقون الكرسي حتى الموت ولا يسمحون بالتفريط فيه إلا بعد إن يصبحوا جثث هامدة وكذلك بالنسبة للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة فهي مجرد مسرحيات هزيلة يقوم الحكام العرب بخداع شعوبهم والعالم وفي نفس الوقت يمارسون الفساد السياسي بأبشع صوره من تكتيم وتقييد للحريات وتوريث للسلطة وتعديل الدستور وفق مزاج الحاكم وحاشيته وكذلك الصرف بسخاء على قوات الجيش والأمن على حساب تقديم الخدمات لأساسية مثل الصحة والتعليم .
والصبر أيضا عامل مشترك بين الشعوب العربية حيث تحملت لسنوات طويلة الفساد والفقر والبطالة والتخلف ومع كل ذلك الحكام العرب لم يقدروا صبر هذه الشعوب وسعوا إلى تجاهل كل مطالبهم بل تعمدوا تجاهل الحاجات الأساسية لتلك الشعوب في الأمن والديمقراطية والتعليم والصحة والعيش حياة كريمة مثلهم مثل باقي بلدان العالم . لكن على ما يبدوا إن صبر الشعوب بداء ينفذ وما شاهدناه في تونس خير شاهد حيث خرج المواطن التونسي إلى الشارع متحدي كل العوائق والحواجز وقدم عشرات الشهداء والجرحى وضرب مثلاً رائعا في النضال السلمي وهو ما أجبر الرئيس التونسي للخروج عن صمته ومحاولة استجداء وكسب عواطف الشعب التونسي بعد إن فشل الأمن والجيش في إسكات أصوات الشعب الهادرة ولكن كل الخطابات والتنازلات التي قدمها لم تسكت هذا الشعب الذي أصبح مصر على التغيير مهما كلفه ذلك من ثمن وهذه المرة ليس تغيير شكلي أو مجرد ديكور مثل ما تعودنا في الدول العربية وإنما الشعب مصر على تغيير جذري يبدأ من رأس هرم السلطة ويشمل كل نواحي الحياة. الأحداث الأخيرة في تونس هل تكون عبرة وعضة لكل الحكام العرب وهل ستوصل رسالة الشعب التونسي لكل الحكام العرب مثل ما وصلت إلى الرئيس التونسي وفهمها مثل ما قال في خطاب موجه للشعب التونسي " لقد وصلت رسالتكم وفهمتها" هل سيداء الحكام العرب بتقديم التنازلات لشعوبهم وعمل إصلاحات حقيقة وجادة هل يدرك الحكام العرب إن الشعوب لا يمكن قهرها مهما امتلكوا من جيوش وقوات أمن هل يعي الحكام العرب إن الشعوب العربية أصبحت مدركة لكل ما يدور حولها وان صبرها قد بداء ينفذ هل يعي الحكام العرب الدرس جيداً ويعرفوا إن الشباب العربي لا يمكن إن ينتظر الموت واقفاً وان الشباب العربي أصبح مطلع على ما يدور في العالم وأصبح له طموح يريد إن يحققه مهما كلفه ذلك من ثمن ولو كان تقديم حياته في سبيل إن يعيش غيره حياة كريمه. أم إن عشق كرسي الرئاسة وهوس توريث السلطة أصم آذانهم وأعمى أعينهم عن رؤية ما يحصل في تونس وسيواصلون عنادهم حتى يحصل ما حصل في تونس وتخرج الشعوب العربية إلى الشوارع مطالبة الحكام بالرحيل غير مأسوف عليهم مثل ما حصل مع بن علي في تونس . أما الشعوب العربية عليها إن تعي الدرس جيداً وتفهم إن ما حصل في تونس يعد ثورة حقيقة وانه لا يمكن إن يحصل تغير إلا بتقديم المزيد من التضحيات مثل تضحيات الشعب التونسي أما الصمت والصبر ألا نهائي فلن يزيد تلك الشعوب إلا مزيداً من الفساد والتخلف وتقييد الحريات ومزيداً من تسلط الحكام وتوريث ذلك التسلط لأبنائهم من بعدهم ، وبالتالي توريث الفساد والتخلف والبطالة لأولادنا من بعدنا .
من وجهة نظري اعتقد أن هناك خياران لا ثالث لهما إما إن يقوم الحكام العرب بعمل إصلاحات حقيقة واحترام الدستور والقانون وإعطاء مواطنيهم كافة حقوقهم واحترام المعارضة في أسرع وقت ممكن أو على الشعوب العربية إن تقتدي بالشعب التونسي وتخرج إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم بشكل سلمي وحضاري واعتقد إننا سنرى في الأيام القليلة القادمة التجربة التونسية سيتم تعميمها في أكثر من دولة عربية فالخيار الأول أصبح شبه ميئوس منه بسبب عدم جدية الحكام العرب في عمل إصلاحات حقيقية .