قبل أيام من استشهاده كان قد ضمنا معا مجلس قيلولة، وكان هذا هو آخر لقاء بيننا، أتذكر حينها كيف رد بصورة حاسمة وسريعة على احدهم وهو يمازحه باستفزاز عن قناعته بانضمامه إلى هيئة شباب مجلس أبناء وأهالي عدن ،واستطرد السائل بسؤاله:هل يا جياب ان هذه التشكيلات المدنية تستطيع ان تسترد ما نهبه النهابون لعدن وأخواتها بالقوة منذ 94م ؟ وهل تعتقد ان النضال السلمي ينفع مع هؤلاء؟ ،فلم يتردد حينها الشهيد بان قال: وهل فشل المهاتما غاندي بسلميته وهو لا يملك غير عنزته الشهيرة في أن يسترد لقرابة مليار هندي حقهم المسلوب من أعتى قوة استعمارية بالعالم حينها بريطانيا؟. لم ألتقي به من حينها وان كان التواصل عبر الجوال أو القيس بوك هي الوسائل بيننا كلما عز اللقاء. ولا ينسى قبل أي تواصل ان يبلغني تحيات والده ليكون الرد تحية أحسن منها.فهو يدهشك فيه دمث أخلاقه واتقاد ذكائه وسرعة بديهيته لفهم الأشياء وهو في سنه لم يبلغ يتجاوز عقده الثاني إلا بنيف من السنيين....
في فترة اعتقال والده المناضل علي محمد السعدي الذي وافق اعتقالي بمعيته في سجن الأمن السياسي المروع بصنعاء قبل عام وقليل، وأثناء احد الزيارات على قلتها صادف ان وجدت الشهيد يقف بالطرف الآخر في شباب الزوار وهو يلوح لنا بقبضة يده إلى الأعلى لنستلهم منها شحنة معنوية كنا دون شك بمسيس الحاجة أليها .
نعم لقد استطاعت عصبة القتل وهي تحترف مهنتها باقتدار ان تنتزع من بين ظهرانينا الدكتور جياب السعدي ،ولكنها لا تعرف أنها قد زرعت فينا ألف جياب وجيابا ، وجعلت من كل شاب وطفل ان يغدو جياب بعد اليوم. كيف لا وهي قد سكبت هذه العصابة دم الشهيد مثلما فعلت كثيرا مع غيره من شهداء جنوبنا الثائر في صميم التراب ليكون زيت شعلة لا يمكن لها ان تخبو ودماء الأحرار وقودها وزيتها المتقد؟.
نقسم لك يا أبى جياب ان هذا الدم المسكوب في ظهيرة الجمعة وفي حاضرتنا عدن لن يكون إلا عهدٌ عالقٌ في ذمم كل الشرفاء والنجباء من هذا الوطن المرزوء, وان سكب الحزن نفسه علينا و اترع كؤوس الألم وأثخن أعماق أعماقنا فلن ندع هذه التضحيات تذهب سدى، مثلما لن ندع هؤلاء القتلة واللصوص يمروا مرور الكرام من أمامنا وأبصارنا تشخصهم وقد اسدروا بغيهم وبغيهم في أرضنا الحرة ، وثق أبى جياب بأننا لن نتركك أنت واهلك فريسة لهذا الحزن القاتل، فحيثما تولي وجهك سترى فينا جياب، حتى تعاد شوكة الميزان إلى مكانها الطبيعي.
لحى الله قوما يعتقدون بعد كل هذا الإمعان بالإجرام ان بمقدورهم ان يحكموا سكان هذا الوطن ، فلن نطردهم فقط من الوطن بل وسنطردهم من ذكريات الذاكرة. *خاتمة مع الثائر الراحل احمد عباد الحسيني: إذا لم أكن لبلادي الفداء× ولم أتصدى لكيد العداء إذا لم أكن أول الثائرين × واسبقهم باقتحام الردى دفاعا عن الحق في تربتي×وفاءاً لمن مات واستشهدا فلست جديرا بخيراتها × ولست كما ادعي سيدا [email protected]