لقد دعا الكاتب سيف العسلي، في مقال، القراء ليدخلو حكماً بينه وبين الكاتب احمد باحارثة في ما يشبه دعوة اتهام الأخير بعدم الوطنية، جراء تناوله في مقاله هو الأخر، غبناً لازال أبناء محافظة حضرموت يشعرون به، فجاءت تلبيتي للدعوة، غير أن الموقع الذي نشره اتهام العسلي لباحارثة كما نشر دعوته للتحكيم او حق الردّ رفض نشر مقالي لأسباب قد يستنتجها القارئ الكريم في السطور التالية. عنون العسلي مقاله بدعوة باحارثة لأن يكون وطنياً، اتهام لا يليق بمكانة كاتبين كباحارثة والعسلي، وأيّاً كان موضوع الخلاف فمن المؤسف أن تستمر نخبنا المثقفة بإطلاق الأحكام لبعضها بالوطنية من عدمها لمجرد تبني أفكاراً متشابهة اومختلفة، وهو ماحذر منه، آسفاً، باحارثة في مقاله، ووقع به صديقه القديم رغم ذلك جاداً كان او مازحاً. لقد عبر باحارثة عن مشاعر غبن أبناء محافظته، حضرموت، كغيرهم من ابناء المحافظات الأخرى على طول البلاد وعرضها، وأشار إلى أن امتناع اليمني من التعبير عن هموم منطقته خشية الإتهام بالمناطقية لم توحد اليمنيين بل وسع الهوة وصعد دعاوى الإنفصال والتمزيق والتفتيت للرقعة الجغرافية الموحدة فقط في النشيد الوطني، وقد كان سؤالي هو ما الذي يستدعي اتهام كاتب معروف ومشهود له بالاتزان بعدم الوطنية؟ ألا يشعر كل مواطن في كل مناطق اليمن بغبن جراء مظلمة ما، إن لم تكن راهنة فهي تاريخية؟ ألم تفشل الأنظمة والسلطات في اليمن شمالاً وجنوباً بردم الهوة الإجتماعية بين شعبي الشمال والجنوب؟ ألم تفشل في إعادة المياه إلى مجاريها بين أبناء الإقليم الواحد؟ ثم هل يشترط لإثبات وطنية أحدهم تبلده مناطقياً او محلياً او حتى عائلياً؟ وقبل كل شيء من هو هذا الذي يملك الحق في إطلاق الأحكام من عدمها بهذا الشأن؟ معظم اليمنيين باتوا على اتفاق حول دور النخب اليمنية المثقفة في ما وصل إليه الوطن اليوم والبارحة، أزمات تخلف أزمات، وضغائن تتلاقح وتتفشى كالسرطان، ولم تعد النخب السياسية غريمة هذا الشعب بقدر النخب المثقفة من كتاب وإعلاميين جردوا الحقائق من حقيقتها وسمو الأمور بغير اسمائها، حالهم كحال النخب الدينية التي كانت لا تدخر جهداً في تكفير او تفسيق كل مختلف، حتى بات المواطن اليمني بارداً في قضايا الدين لا يعنيه من آمن ومن كفر، وغداً يكون بارداً مغترباً عن قضايا الوطن والوطنية. بعد تدخل التحالف في اليمن طالت الاتهامات واللعنات أبناء المحافظات الجنوبية والتاريخ الجنوبي وكل ماله علاقة بالجنوب كون الرئيس الذي استدعى التحالف جنوبي، وبعض المقالات كشفت غيظاً لدى كاتبيها طال الجنوب برمته، متناسية الكوارث التي عصفت بالبلاد طيلة حكم الرئيس الشمالي!! وقد برر بعض العقلاء لهذا الغيظ بوقوع الظلم والقهر على البسطاء كما جرت العادة، وبأنه قهر طارئ آني وسينتهي مع إدراك أنه وقع على الجنوب قبل الشمال، هذا القهر الذي كان الشمال شريكاً تاريخياً فيه قبل الجنوب. قبل أيام شهدت صنعاء في مؤتمر لوزارة حقوق الانسان ملاسنة بين من يفترض أنهم "حقوقيون"، وُصم فيها الجنوبيين المشاركين فيه بالفشل في إدارة الدولة فضلاً عن العمالة والارتزاق، ولولا تدخل الوزيرة علياء الشعبي لاحتواء الحادثة لكان شرخاً إضافياً أضيف الى قائمة الضغائن ولكن في المجال الحقوقي هذه المرة. اليمنيون اليوم أمام أزمة اجتماعية حقيقة، ومن الغباء أن تُراعى الصور المثالية العاطفية للمجتمع اليمني، في المقالات والبرامج الإعلامية والشعارات، بالتستر عن حقيقة التصدع الاجتماعي الذي وصل للأزقة داخل المحافظات، وهو نتيجة طبيعية لحرب مازالت تشتعل منذ ثلاثة أعوام لعب فيها الإعلام لعبته ابتداء من نشر الاستفزازات المناطقية وانتهاء بنشر الاتهامات والامتناع حتى عن إعطاء حق الردّ!!، وعلى كل حال فإن الاعتراف الصادق بوجود تصدع اجتماعي، إضافة لإتاحة المجال أمام الجميع للتعبير عن وجع مناطقهم وحنق أهلهم وسخطهم دون خوف من تهمة او حكم هو ماسيرمم الداخل اليمني، وإن كان ثمة احتمال لإعادة الشعور بالمصير المشترك فهذا هو السبيل الوحيد لذلك، أما استمرار النخب ووسائل الإعلام في التعامل بمبدأ (حقنا حق وحق الناس مرق) فقريباً بإذن الله، وعلى أيديهم، سيتبع مصطلح "لاند" كل محافظات ومناطق اليمن.