عبدالكريم سالم السعدي مضت أشهر عدة على انطلاق الثورة التي استبشر الناس في البلاد بها خيرا وبنو عليها آمالا عريضة انطلاقا من أيمانهم بعدالتها وضرورة انطلاقها بعد ليل الظلم الطويل الذي مكثت فيه البلاد لسنوات عديدة في ظل حكم أسرة (صالح) التي عاثت في الأرض فسادا وأتلفت كل القيم والأخلاقيات وقسمت المجتمع إلى فريقين احدهما عبارة عن طفيليات تقتات على عذابات وآلام الآخرين وآخر فريق مسحوق خسر كل حقوقه التي كفلتها له الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في الحرية والعيش الكريم !!
لقد انطلقت الثورة وأصبحت واقعا لا يمكن تجاوزه وباتت كل الأفعال وردود الأفعال تأتي لتجيب على ما هو ماثل في الساحات من صوًر معبرة عن هذه الثورة وما يصدر عنها , وأصبح لزاما بالمقابل أن يدرك الثوار حجم مسئولياتهم لمواجهة هذه الحالة من خلال الإسراع في تنفيذ أهداف الثورة التي قامت من اجلها وعدم الاستمرار في الانتظار والبقاء في الساحات وكأني بهم على موعد مع نصرا سيأتي به غيرهم من المشرق أو المغرب ...
لقد مرت الثورة بعدة محاولات لإجهاضها وقد حذرنا من ذلك مرارا وتكرارا وقلنا وما زلنا أن الثورة يجب أن تستمر في السير على الطريق الذي بدأت به مسيرتها وأن تمضي في نصرة أهدافها بالطريقة التي تم اختيارها لتكون وسيلة لتحقيق تلك الأهداف وهي التعبير السلمي والتظاهر السلمي حتى تحقيق كافة هذه الأهداف والتي يأتي في مقدمتها إزاحة نظام (صالح) وأسرته وعصابته نهائيا عن السلطة ومتابعتهم قضائيا على كل الجرائم التي اقترفوها بحق المتظاهرين وغيرهم من أبناء الشعب سابقا ولاحقا , ونبهنا إلى أن الثورة لكي تحقق أهدافها يجب أن تغادر مربعات ساحات الاعتصام وأن تزحف على قصور الطاغية ومكاتب أتباع حكمه في المحافظات وتسيطر عليها , فالبقاء وقوفا في ساحات الاعتصام لا عائد من وراءه سوى المزيد من الضحايا والخسائر غير المجدية خصوصا في مواجهة نظام كالذي ابتليت به اليمن بالإضافة إلى أن هذا الأسلوب أعطى ومازال يعطي الوقت والفرصة للنظام لتثبيت أقدامه ورص صفوفه الأمر الذي مكنه من إملاء شروطه والتعاطي بسلبية مع الثورة وهذا ما لمسناه من خلال ما حملته المبادرات المصدًرة إلينا من الخارج ومن خلال خطاب أزلام النظام خلال الفترة الأخيرة ...
ولو عدنا لقراءة المتغيرات منذ (جمعة الكرامة) وهي الفرصة التي اعتقد أنها مرغت من تحت أيدي الثوار ولم يستفيدوا منها الاستفادة المثلى بسبب تكالب النظام والمعارضة وبعض الملتحقين بهذه الثورة وإصرارهم على إجهاض عملية الزحف التي كان مقررا أن تتم ليلتها واستسلام الثوار لذلك سنجد أن أكثر الوقت الذي مر عقب ذلك لم يحمل أي تحولات ايجابية جديدة على مستوى ساحات الثورة بل على العكس فقد كانت فترة نشط فيها النظام على الرغم مما أصابه في محاولة الاغتيال التي تعرض لها اكبر واغلب رموزه وبات أكثر تماسكا وعاد للسيطرة على زمام المبادرة بعد أن بدأ مناصروه مشوار الفرار وتهريب الأموال للخارج في خطوة وداع كانوا فيها الأكثر ذلا ومهانة!!
للأسف الشديد الصمت والانتظار غير المبررين منحا الفرصة للنظام وأزلامه من جديد الأمر الذي أعادهم بقوة إلى حلبة الصراع ومنحهم الأفضلية فأمعنوا في استمرار عملية تحييد الساحات وعملوا على تمزيقها وزرعوا فيها البلطجيين وقطاع الطرق وعلى الجانب الآخر أعلنوا حالة الحرب غير المقدسة ضد أبناء الشعب باستخدامهم كل الأساليب القمعية والغير إنسانية والدنيئة لتنفيذ مخططهم الانتقامي الإجرامي ضد المواطنين فكانت وسائل قطع المياه والكهرباء والوقود ومستلزمات الحياة الضرورية والتلاعب بالأسعار ورفعها وإشاعة الفوضى والاقتتال ودعم المتأسلمين وتوجيههم لإسقاط المناطق والتنكيل بأهلها خصوصا في (الجنوب) الأسلحة التي يستخدمها النظام ضد الشعب الذي للأسف أصبح يدفع ثمن عجز وتقاعس الثوار عن مواصلة ثورتهم الحقيقية التي بدءوها وتخليهم عن تحمل مسئوليتهم التاريخية تجاه شعبهم واستسلامهم لما يروجه المتسللون في صفوفهم من أن الحسم الثوري ستكون له تداعيات لن تخدم الثورة !!
مرة أخرى نوجه نداءنا إلى الثوار في الساحات إن البقاء على هذا الحال يعني اغتيال الثورة ونذكرهم مرة أخرى بأن نظام علي صالح لن يترك السلطة إلا بخطوة جريئة اكبر من البقاء في الساحات .. كما أننا ننبههم للطابور الذي اخترق صفوفهم وبث بينهم الإحباط وافقدهم الكثير من قوتهم وحد من زخم ثورتهم الأمر الذي قويت به شوكة النظام وبات يعربد حيث يشاء وما نراه في (تعز) من بطش وتنكيل ضد أبنائها يؤكد كل ذلك .
أن الحسم الثوري الذي ينبه المتخاذلون والمتآمرون على الثورة من اللجوء إليه بحجة أن له تداعيات ونتائج ستكون سلبية بل وكارثية على الثورة وعلى البلاد هو الخيار الأفضل والأوحد أمام الثوار في هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة من عمر هذه الثورة , كما أن نتائجه وتداعياته لن تكون مطلقا أسوأ ولا اخطر من نتائج وتداعيات الاستمرار في مواصلة نهج الانتظار في الساحات والتعامل مع المبادرات التي تأتي في المقام الأول لخدمة القائمين عليها ومن يقف ورائهم , فقد يحتاج الحسم الثوري إلى التضحيات وهذه طبيعة الثورات فاستعادة الحرية لابد لها من ثمن ولكنه في الجانب الآخر سيوحد كل اليمنيين خلف الثورة وهذا ما فقدته الثورة جراء الانتظار الذي نجح أزلام وبقايا النظام في جرها إليه .!!
أن النظام بات يراهن على إطالة أمد الثورة وإبقاء الثوار في الساحات مقيدين فاقدي القدرة على التحرك وقد نجح في ذلك حتى هذه اللحظة , وستحمل الأيام القادمة الكثير من الإجراءات التي سيقدم عليها النظام ويجعل منها وسائل حرب وضغط ضد المواطنين يبني النظام توقعاته عليها بأن تكون قارب النجاة له , وإذا ما استمرينا على نفس النهج فأن الهوة بين الثوار في الساحات وبقية المواطنين ستزداد وسيتجه الناس إلى تحميل الثوار والثورة مسئولية ما آلت إليه أحوالهم من تدهور خصوصا انه لا أفق يظهر أمامهم للثورة يمنحهم الأمل في الاستمرار وتحمل المشاق في سبيل انتصار هذه الثورة بعد أن تخلى الثوار عن الرهان على الشعب وقدرته على مساندة ثورته وذهبوا للرهان على الخارج ومبادراته !!