إذا تعمقنا تأمُلاً لِمَّ يحدث لهذهِ المدينةِ الطيبةِ المسكينةِ عدن و لأِهلها المُضطهدين في كافةِ الأزمان لوجدنا من الألم ما ينكي القلوب و يحرق الأكباد.. فمهما تُقدمه هذه المدينة المظلومة المكلومة المجروحة من عطاء و دفئ لمن قدم إليها دون تمييز و انتقاء لا تجد مقابله حتى كلمة إستحسان و عرفان.. فكم من أشعثٍ أغبرٍ او جاهلٍ او مريضٍ قَدِم إليها إلا و صنعت منه متعلما سليما معافى على قدميه.. ففيها تَعَالجْ المرضى و فيها تَنَظفْ الأغبر و فيها تَحَسنْ مظهر الأشعث و فيها تَعَلمْ الجاهل.. في حضن الحبيبة عدن يجد الجميع ملجأ لهم دون تمييز و مع ذلك فحين تتغير أحوال معظمهم و تتبدل فإن جحودهم يكون رد لجميلها و تآمرهم عليها هو مقابل ما منحته إياهم من سلامٍ و أمان! إن معظم مانتعرض له اليوم من مآسي و تأزُم في الخدمات و تعطيل الحياة الطبيعية في عدن سببه هولاء الذين يتشدقون و يكثرون الحديث حول حرصهم على عدن ، و كلما أكثروا في الحديث عن مخاوفهم على عدن أمسكنا صدورنا قلقا لمآربهم المخفية خلف هذا الستار! إستطاع هولاء أن ينتشروا كخلايا سرطانية في كل مرفق حيوي.. خلقوا مجموعات من صلب الضحايا أنفسهم يتناحرون فيما بينهم، تحت بريق شعارات وطنية و نزاهة زائفة و بذريعة المطالبة بتحسين أحوال أهل عدن و لكن حين نسبر أغوار انفسهم نفهم كيف أصبح هولاء محترفون يجيدون اللعب وفق رغبات ضحاياهم و يتفننون في قلب الموازين ليصبح الغيور على عدن خائن و فاسد، بينما الفاسد الحقيقي يسرح و يمرح و بحماية تراجيدية كوميدية من الضحايا المتضررين أنفسهم! لو تطرقنا لأحد أهم المرافق قدرة على رفد الأموال للنهوض بهذه المدينة إن كانت النوايا صادقة و القلوب نظيفة، و هي مصافي عدن.. فما حدث هنالك مؤخرا، للأسف إستطاع لوبي الفساد أن يدفع للصدام بين معظم عمال المصافي و شركة النفط و نجح في صرف الأنظار عن وكر العابثين بمقدرات عدن حين زرع بذور الشقاق بين العمال فيما بينهم. لي أصدقاء من الطرفين و أنا أثق في نزأهتهم و قلقهم للحالة المزرية التي وصل اليها وضع مصافي عدن، و رغم عددهم الكبير إلا أنهم لم يعد يتفقون على كلمة سواء.. ضعفت عزيمتهم و خارت قوتهم و حشرت أحلامهم في زاوية واحدة و هي التفكير فقط بالراتب و نفسي نفسي، لذلك ترأهم صرعاء لا يملكون حول و لا قوةمحبطون، لا يرغبون حتى في المبادرة لإيجاد حلول شاملة لإصلاح وضع صرحهم بل بيتهم، مع إنا جميعا ندرك أن تخريب المصافي و شل فعاليته لا يصب في مصلحة جميع الموظفين في هذا الصرح الكبير بل و سينعكس حتى على جميع أبناء عدن و على ازدهار المدينة... و ندرك أن الوضع الطبيعي الذي يفترض أن تكون عليه مصافي عدن هو إستيراد المواد الخام و تكريره فذلك هو مأنشئت المصافي لأجله، ثم بيع البنزين و الديزل و غيرها من المشتقات و توزيعها إلى المستهلك عبر المحطات المنتشرة.. فلا عجب أن نرى مصافي البريقة محشوة بعدد غير بسيط من الموظفين في مختلف المجالات، و فيها توجد كوادر و كفاءات لا يستهان بها، و لا نرى سببا آخر يفسر لنا توقف شعلة البريقة من التوهج مرة أخرى غير تفسير واحد أن أذرع الفاسدين تحول دون أن تعود عجلة الإنتاج للدوران مرة اخرى.. فمنذ وقت طويل نسمع أنه يتم إصلاح الكهرباء في المصافي من قبل شركة صينية لتبدأ فيها عمليات التكرير و الإنتاج و لكنا نسمع أن هناك من يقوم بالتخريب المتعمد و سرقة الكابلات في مخطط متعمد و حاقد و رخيص حتى لا تقوم قائمة للمصافي و بالتالي تستمر عمليات إستيراد البنزين المكرر و الديزل الصافي في تجارة تدر الملايين على أشخاص ليس في مصلحتهم أن تقوم لمصافي عدن قائمة و الأمر نفسه يختفي خلف كواليس مرافق أخرى كالأسماك و الموانئ و السياحة و الطيران و التعليم و الجمارك و الأراضي و غيرها.. فقط لو ننبش في ملفاتها لوجدنا أن مليارات الدولارات تذهب إلى جيوب هوامير الفساد و تجار الأزمات بينما تسقط المدينة صريعة فقيرة جائعة مريضة مظلمة قذرة و دون رحمة.. هوامير الفساد المزدهرة تجارتهم اليوم هم المستفيدون من إبقاء الحبيبة عدن في ظل أزمات دائمة هم من يعرقلون كل المحاولات في إنتشالها من وضعها المرعب هذا.. فبسببهم نتعرض لظلم شديد و عذاب أليم و اضطهاد يومي و إحتقار لأدميتنا في كل خطوة نسيرها في شوارعنا.. المجاري الطافحة تحتقر تحضرنا، الغش المنتشر في المدارس يحتقر عقول جيلنا، إرتفاع الأسعار إحتقار لصبرنا، التعامل بالرشوة في معاملاتنا إحتقار لنزاهتنا، إطلاق الرصاص في الطرقات و البلطجية علينا و إغتيال أئمة مساجدنا و إبتزازنا في كل مكان إحتقار لرجولتنا.. و المؤسف انهم يتمكنون من إستخدامنا عواطف و رغباتنا و مزاجنا كأدوات يستخدمونا لتمرير مايريدونه...و تحت حماية بلاطجة ليس لهم هم غير مائدتهم المليئة باللحم المندي و المضبي و الحنيذ و كيس قات يومي يتجاوز سعره الخمسين الف ريال و جيب منفوخ ببعض الدولارات.. نحن نعيش في ذهول و بصمت مطبق و إستسلام كامل ننتظر الليلة الاخيرة من سقوط مدينتنا المكلومة، او أن يسقط علينا حل الخلاص من السماء في ليلة ممطرة!