اصبح الاخوة المناضلون والثوار والاحرار الشطار منهم وغير الشطار، من وحدويين وانفصاليين شماليين وجنوبيين، من المتقين والفجار لا يذكروا مدينة عدن الا بوصف عدن "الحبيبة"، على إعتبار ان عدن بالنسبة للوحدويين بحسب النكتة القديمة العاصمة التجارية والاقتصادية والشتوية لليمن الموحد وبالنسبة للإنفصاليين فهي العاصمة التاريخية لدولة الجنوب العربي المزعوم، اما بالنسبة للإسلاميين فهي منطلق جيش عدنأبين الذي سيصول ويجول وبالنسبة لليبراليين فعدن هي السباقة في كل المجالات التحررية والثقافية في القرن الماضي. عدن فعلاً مدينة مميزة على كل المقاييس وهي فعلاً مدينة يقع في حبها كل من يزورها او يستوطن فيها ناهيك عن ابنائها وبناتها الكثر، المشكلة ليست هنا، المشكلة ان هذه المدينة التي يتغنى الجميع بحبها لا نجد صوتاً مسموعاً لابنائها ناهيك عن الاعتراف بأن لها أبناء وسكان وأهل وقضية. اعتقد ان كل من يزور عدن يتمنى لو كان عدنياً ومع ذلك نجد إقصاء يبدو متعمداً لابناء عدن من كثير من المحافل النضالية، فالعرب يقولون بأن غالبية أبناء عدن "الحبيبة" ليسوا عرباً والجنوبيين يقولولن بأن غالبية العرب من أبناء عدن "الحبيبة" من أصول شمالية وهكذا ضاع ابناء عدن "الحبيبة" في جدل حول هوية ومن يستحق لقب العدني. الدول كائنات سياسية حية تولد وتعيش وتموت تماماً مثل البشر وقد تعمر بعضها لقرون وقد تموت بعضها سريعاً في غضون عقد أو عقدين والمتأمل لتاريخ وجغرافية المنطقة العربية لن يجد دولة في التاريخ القديم كانت تسمى دولة اليمن او دولة الجنوب العربي ومع ذلك نجد صراعاً مريراً يشتد هذه الايام على الهوية الجنوبية العربية والهوية اليمنية وهو صراع للأسف الشديد قوامه الجهل ورواده ممن بالكاد يقرأون ويكتبون ومع ذلك يتحدثون بحماسة منقطعة النظير عن ضرورة استعادة دولة الجنوب العربي وعاصمتها عدن "الحبيبة". من حق ابناء اي منطقة ان يكون لهم الخيار في انشاء دولتهم، واذا كان خيار غالبية ابناء الجنوب هو خيار انشاء دولة بحدود دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وان يكون اسم تلك الدولة "دولة الجنوب العربي" وعاصمتها عدن "الحبيبة" فلم لا؟ لايوجد قداسة الهية للدول خاصة ان كان اهلها ظالمون. ولكن، ان يتم توزيع الهويات بحسب اهواء مناطقية او يتم إقصاء ابناء منطقة استراتيجة كعدن بدعاوى ليس لها اسس سوى العرقية والعنصرية فهذه مؤشرات لدولة فاشلة لاينبغي السماح بقيامها لانها ستهلك جيل بأكمله في صراعات للهدم وليس في تنافس للبناء. نعم هناك ابناء لعدن منهم من جاء اجداده من الهند و منهم من جاء اجداده من الصومال أو حضرموت او يافع او صنعاء او تعز او غيرها من المناطق، نعم لهولاء الحق في تمثيل عدن والتحدث بإسمها والمطالبة بحل قضاياها تماماً مثلما يتحدث الانفصاليون حالياً عن ضرورة حل قصية الجنوب كمفتاح لحل قضايا اليمن الكثيرة. كيف نستطيع التحدث عن حل قضية الجنوب وفي الجنوب قضية كبرى لم تحل، هي قضية عدن واهلها ومساكنهم وممتلكاتهم. كيف نستطيع التحدث عن الهوية الجنوبية العربية المستحدثة في ظل انكار هوية غالبية ابناء عدن بدعاوى عنصرية ليس لها من غرض سوى الاستئثار بعدن "الحبيبة". كثير من الجنوبيين في الخارج تحصلوا على جوازات سفر اجنبية في فترات قياسية بل وتجد ابناءهم يتحدثون بلكنة امريكية او انجليزية متقنة والكل فخور بهذه البلدان التي قوامها العدل والمساواة، ولكن عند الحديث عن عدن "الحبيبة" تتغير اللكنة ويظهر الانفصام والازدواجية في المعايير وعدم الاعتراف بوجود سكان وابناء لهذه المدينة العريقة. لاينبغي في هذا المقام ايضاً إغفال الدور السلبي الكبير لابناء عدن في الصمت عن المطالبة بالاعتراف بهويتهم وانتماءهم لمدينة عدن وبالتالي لاي كيان سياسي سينبثق في اي منطقة جغرافية تكون عدن جزء منها. زمن بريطانيا ولى والحديث عن الامجاد التاريخية لعدن في ظل الاستعمار البريطاني حديث عاطفي أكثر منه حديث واقعي، والحديث عن هوية عدنية منفصلة عن التاريخ والجغرافية او في سياق تاريخي قديم يعتبرمضيعة للوقت. قرأت تصريحاً مؤخراً لاحد القادة الجنوبيين الكبار عن قرب إعلان قيادة جنوبية موحدة وتساءلت: هل ياترى سنرى من ضمن هذه القيادات اي وجود لعدني فيها؟ ام أن عدن "حبيبة" فقط بدون أبنائها؟