من أذرع الديمقراطية الرصينة الحياة الحزبية السليمة. والحزب أو التجمع السياسي هو جماعة من الأفراد داخل المجتمع، تعمل في الإطار القانوني للدولة، يسعى بمختلف الوسائل السياسية لبلوغ السلطة وتولي زمام الحكم، كلا أو جزءا، بقصد تنفيذ برنامجه السياسي والإقتصادي والإجتماعي. وقد تمتعت عدن قبل خروج الإنجليز منها بتقليد طويل الأمد نسبيا من العمل السياسي والنقابي المحترف والإحتجاج السياسي السلمي. ونشأت الأحزاب السياسية فيها في منتصف القرن العشرين، وسيطرت نحو تسعة أحزاب على العمل السياسي والنقابي، قَرَنَت معظمها في نشاطها بين النضال السياسي الواعي والفاعل وبين النضال المادي العملي، مثل الإضرابات والعصيان المدني والمظاهرات والنضال المسلح. وطورت برامجها آنذاك في إتجاه المطلب الأرقى وهو إستقلال عدن. وكان لها تأثيرها الكبير والمباشر على نقابات العمال بعدن، أنشط الحركات العمالية في العالم آنذاك ثوريا وقوميا. وكانت من أبرز تلك الأحزاب الجمعية العدنية كأول إطار سياسي في عدن. وجماعة النهضة. والمؤتمر العمالي (25 نقابة وجمعية عمالية) الذي شكل حزب الشعب الإشتراكي. وحزب الطليعة (حركة البعث العربي)، والإتحاد الشعبي الديمقراطي (اليساري). والأحزاب والقوى السياسية الفاعلة القائمة التي تحكم قبضتها على مصير البلاد والعباد، هي بدون قضية، هشة، رثة وحمقى، انتهازية وديكتاتورية، وتملك سجلا سيئا في حقوق الإنسان، ولا تعبر الا عن مصالح قادتها الذين فُسدت أحكام العقل عندهم وتحولوا إلى مجرمي حرب ومرتكبي فضائع ضد الإنسانية. وهذا يفسر فشل القوى السياسية الذريع في الشارع وفي تجربة الحكم، وتبعاته الكريهة التي خلفتها ولم تزل تخلفها وراءها. والشاهد هو وضع عدن المأساوي والذي يمثل عاصفة حقيقية من الكوارث، ويشكل تهديداً على مستوى الحياة والمستقبل والصحة والممتلكات ويؤثر سلباً على البيئة. ونحن الآن في خضم نقطة تحول كبرى في تاريخ السلطة في المنطقة كلها. وليس عدلا أن تستمر عدن منذ خروج الإنجليز منها منجما للصراعات الدموية القبلية والمناطقية، ومرتعا للقبائل لتخريبها ونهب أراضيها وممتلكاتها، وغياب كامل للتنمية المستدامة. وحان الوقت لأبناء عدن أن ينشغلوا بالكيفية التي سيعيش بها أجيالهم القادمة في الحياة وكيف ستحقق أهدافها. وكيف سيربون ابناءهم ويسعدون بهم وبنجاحاتهم. ومن حق عدن الآن وخليق بها وجديرة من الوجهتين السياسية والإنسانية بأن تقف وحدها. وإيجاد صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منحها وضع خاص كمجتمع حضري. "مدينة ذو حالة خاصة"، غير متنازع عليها، في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. يكون لأ بناءها السلطة على مدينتهم والقدرة على تدبير شؤونها كلها بما في ذلك إنتخاب مجالسها المحلية وممثليها في المجالس النيابية وغيرها، في إطار عملية ديمقراطية يكون حق التصويت فيها لأبناء عدن الأصليين وحدهم، من دون ضغوطات مباشرة أو غير مباشرة أو مشاركة أية أفراد أو جماعة من خارج المدينة. والأمل الحقيقي لخروج أبناء عدن ومعهم مدينتهم من هذه الفوضى العارمة، وتحقيق ذلك الهدف السامي، وإعادة ترتيب الأمور فيها بطرق أكثر ملائمة، وإدارتها بشكل لائق وحضاري هو في تأسيس تنظيم سياسي، يضم أبناء عدن الأصليين. ويمكن للنخبة العدنية الشابة أن تنشئ حزبا سياسيا للتعبير عن أبناء عدن ويدافع عن حقوقهم ويدلون من خلاله بآرائهم. وبتكاليف زهيدة لا تذكر. فالأمور صارت أسهل وأفضل في "الساحة الافتراضية" التي أصبحت مؤثرة بشدة. وقد كانت لمواقع التواصل الإجتماعي على الإنترنت مساهمة فعالة في تنظيم الإعتصامات واستمرارها وفي الخروج في المسيرات في يوم جمعة الغضب في صنعاء التي عرفت بجمعة الكرامة 18 مارس 2011م. وشهدنا في بدايات الربيع في تونس ومصر، كيف أستطاعت مجموعة من الشباب إنشاء وتدشين تجمعات سياسية وأحزاب على الإنترنت، من خلال صفحات الفيس بوك وتويتر. وعندما أصبح لديهم العدد الكافي استطاعوا بمجهودهم الذاتي إخراج هذه الكيانات على أرض الواقع كقوة تفرض نفسها ويكون لها صوت مسموع وظهير شعبي جارف أستطاعت أن تصنع الحشود بالملايين وإطلاق حركة الإحتجاجات السلمية العارمة، وتقود جهود التغيير.