طالعتنا الأخبار عن آخر مجلس عينه الحوثي يوم أمس الأربعاء 2 مايو 2018 م بقرار اتخذه برفع الحصانة عن رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى الشرعيين ووصفهم بأنهم منتحلي الصفة واحالتهم للمحاسبة. والمثير للاستغراب في هذا القرار أنه وصف رئيس وأعضاء مجلس القضاء الشرعي المعين منذ 2012م بالقرار الجمهوري رقم (10) ؛ بأنهم منتحلي الصفة ويتسببون بشق السلطة القضائية ، متجاهلين تماماً بأنهم عينوا من قبل سلطة انقلابية انقلبت على الشرعية الدستورية وعلى مخرجات الحوار الوطني الشامل التي ارتضاها الشعب اليمني خياراً لصياغة مستقبله بالحوار لا بالحرب العبثية الطائفية التي أكلت الأخضر واليابس ، وكانت هذه السلطة الانقلابية في الأساس لا تملك حق التدخل في اجراء تعديلات أو تعينات في السلطة القضائية حتى بالاستناد لإعلانها الدستوري (اللامشروع أصلا) وإن تدخل السلطة الانقلابية في تعيين رئيس وأعضاء مجلس قضاء أعلى موالي لها قامت بشق أعضاء السلطة القضائية والتي كانت موحدة في ظل بقاء رئيس وأعضاء المجلس الشرعي يزاولون مهامهم من صنعاء ، غير انهم لم يرتضوا أن يبقى القضاء مستقلاً وموحداً وأن يمارس أعماله بعيداً عن السياسة ، فأرادوا الاستيلاء على المناصب القيادية في السلطة القضائية ومن ثم ابتلاع كل المناصب القيادية في السلطة القضائية وعدم منح أي منصب من المناصب القضائية ابتداء من وكيل نيابة وحتى رئيس مجلس القضاء الأعلى إلا لمن يدين لهم بالولاء. وللأسف بدلاً من أن يتكاتف أعضاء السلطة القضائية للدفاع عن أهم هيئة إدارية عليا في السلطة القضائية تكفل لهم الحفاظ على ضمانات استقلالهم وتسهر عليها وفقاً لأحكام الدستور نجدهم تخلوا عن ذلك وفي مقدمتهم أولئك الذين قبلوا تولي المناصب ، ونلاحظ أن الحوثي في البداية عين شخصيات قضائية معروفة ولها ثقل وقبول في الساحة القضائية على المستوى الشخصي ، حيث عين القاضي / عبد الملك الأغبري رئيساً لمجلس القضاء ، والقاضي عبد الملك الجنداري رئيسا للتفتيش ، والقاضي/ عبد القادر حكمت نائباً عاماً ، وسقط هؤلاء تحت شهوة المنصب و السلطة وقبلوا التعيين الذي لا سند له من القانون أو الدستور أو حتى من الإعلان الدستوري اللامشروع للانقلابين . وسعيا وراء المنصب وشهوة السلطة تخلى مجلس القضاء رويداً رويدا عن الضمانات والحصانات الممنوحة لأعضاء السلطة القضائية ، فسمح لسلطة الانقلاب الحوثية ومشرفيها بإنتهاك حرمة مساكن أعضاء السلطة القضائية بل والإعتداء على اعضاء السلطة القضائية بالضرب والحبس دون أن يتم تحريك ساكنا . وعدما صدر قرار فخامة رئيس الجمهورية بنقل البنك المركزي وإدارة عملياته من عدن ، تماهى المجلس مع سلطة الانقلاب ومنع أعضاء السلطة القضائية من المطالبة برواتبهم ، وأصبح من يطالب براتبه مرتكباً لجريمة لا تغتفر ، بل أنهم جعلوا من الراتب منحة وميزة لرئيس وأعضاء المجلس الحوثي ، وهبة تعطى لمن يتم تعينهم في مناصب قيادية في السلطة القضائية وأثبت ولاءه مئة بالمئة لسلطة الانقلابين ، وبذلك مس المجلس الحوثي بأهم ضمانة من ضمانات استقلال القاضي وهو استقلاله المالي ، وسمح هذا المجلس لضعاف النفوس وشذاذ الأفاق من أعضاء السلطة القضائية لفتح المحاكم والنيابات كدكاكين للارتزاق أو الانخراط بالعمل كمشرفين لخدمة سلطة الانقلاب . وفي مقابل ذلك بدأ مجلس القضاء الشرعي يلملم صفوفه ويعيد ترتيب البيت القضائي ويعود لممارسة عمله من عدن ، وبدأ بإجراءات صرف مرتبات أعضاء السلطة القضائية وحينها كان يتم بث الاشاعات برعاية المجلس الحوثي بأن مجلس القضاء الشرعي لن يصرف سوى للمحافظات المحررة ، لكن مجلس القضاء الشرعي كان يحمل هموم أعضاء السلطة القضائية في كل محافظات الجمهورية ويأمل بأن يكون من عينوا من أعضاء السلطة القضائية في مجلس قضاء الحوثي يتحلون بأخلاق القضاء وأدابه ، وأصدر قراره بعدم اصدار أي حركة قضائية في المحافظات غير المحررة وبقاء الوضع على ما هو عليه قبل مباشرة مجلس القضاء الشرعي لمهامه من عدن ليكون القضاء مؤسسة في خدمة المواطن . غير أن مجلس قضاء الحوثي لم يرتض ذلك وسعى لقطع المرتبات عن أعضاء السلطة القضائية عن طريق اجراء تنقلات واستحداث تعينات قضائية . وعندما استنفذ الحوثي ورقة ثقل رئيس وأعضاء مجلس القضاء الذي عينه وقضى منهم وطره واصبح انتهاك استقلال السلطة القضائية وأعضائها أمراً إعتيادياً ، راح يستبدل رئيس المجلس وأعضائه واحدا تلو الأخر _وكأنهم محارم ورقية لا أعضاء سلطة قضائية لا يجوز عزلهم من مناصبهم _ بغيرهم من حديثي السن أو من ذوي القربة والولاء من المذهب نفسه ، فولد لنا هذا المجلس المسخ الذي خرج لنا بقراره الذي لا يملكه قبل مجلس قضاء لا يستحق إلا كل اجلال وتقدير ، والذي لم يتخذ قرار بمحاسبة كل من يرتبط بالحوثي وأكتفى بوقف مرتباتهم ، وكان مجلس قضاء الحوثي جدير بأن يطبق عليه المجلس الشرعي قراراً برفع الحصانة والمسألة والعزل لممارستهم أعمالا تتنافي مع هيبة السلطة القضائية واستقلالها وأعضائها ، ولكن رئيس وأعضاء مجلس الحوثي لقلة خبرتهم وحداثة سن بعضهم ، وللتعصب المذهبي للبعض الآخر يحسبون أنهم بقرارهم يحسنون صنعاً ، بينما نجد أن كافة أعضاء السلطة القضائية في كل محافظات الجمهورية يعلمون بأن هذا القرار الذي اتخذوه كان رد فعل على قطع مرتباتهم ، وإلا لماذا لم يك مجلس القضاء الشرعي منتحلاً للصفة ويحاول شق السلطة القضائية ويخدم العدوان الغاشم حد قولهم عندما كان رئيس وأعضاء المجلس الحوثي يصطفون أمام محلات الصرافة لاستلام رواتبهم من الأموال المحولة من المجلس الشرعي من عدن طوال اشهر العام الماضي ؟