فجّرت زيارة رئيس «الحكومة الشرعية» أحمد عبيد بن دغر، إلى سقطرى أزمة جديدة بين «الشرعية» ودولة الإمارات. وحتى اللحظة، لم يحسم الإشكال الذي أخذ مساحة من التصعيد والتطور بين الجانبين خلال اليومين الماضيين من جهة، وأخذ مساحة كبيرة من الجدل والنقاش على مستوى وسائل الرأي العام وعلى مستوى الوسط الشعبي والسياسي من جهة ثانية. والصراع بين «حكومة الشرعية» وأبو ظبي، في ما يتعلق بجزيرة سقطرى، بدأ منذ وقت مبكر، ولكنه هذه المرة أخذ مساراً أكثر حدة، وانتقل الصراع من وسائل الإعلام والرأي العام، إلى الأرض. الأمر الذي كشف حقيقة السيطرة على الجزيرة من قبل أبو ظبي بشكل واضح، بعد أن كان مجرد تكهنات وإشاعات، وإظهار أبو ظبي الأمر على أنه نوع من الحرب الإعلامية التي تشنها وسائل الإعلام التابعة لجماعة «الإخوان» عليها. زيارة بن دغر وتفاقم الأزمة وبزيارة أحمد بن دغر، اتضحت الحقيقة بأن سقطرى تحت سيطرة أبو ظبي. ومنذ الأيام الأولى لزيارة بن دغر، سيطر على الجزيرة نوع من التوجّس والاستفزاز. وتطور الأمر إلى المواجهة علناً. ففي اليوم الذي كان من المقرر أن يقوم أحمد بن دغر، وعدد من الوزراء، بالنزول لوضع حجر الأساس لمشروع تطوير ميناء سقطرى، تفاجأ الجميع بقيام القوات الإماراتية، وقبل نصف ساعة من وصول رئيس الوزراء، بإرسال عربة تابعة لها ودمرت حجر الأساس الذي تم بناؤه، بحسب المعلومات الواردة من سقطرى. امتد الصراع ليأخذ صوراً وأشكال أخرى، ووصل الأمر إلى قيام أبو ظبي بإرسال قوات عسكرية إلى الجزيرة، والسيطرة على الميناء والمطار؛ الأمر الذي دفع برئيس الحكومة وعدد من مسؤولي «الشرعية» إلى مواجهة تلك التصرفات بالتصريحات وتصعيد الخطاب عبر حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعية، وعبر وسائل الإعلام، فانتقل الأمر إلى أروقة «التحالف» والسلطات السعودية التي يقال إنها تواصلت مع الرئيس هادي، وتم الاتفاق على إرسال لجنة سعودية إلى سقطرى لحل الإشكال. وصلت «اللجنة السعودية»، مساء أمس الجمعة، ولكنها لم تتمكن من حل المشكلة وحسم الخلاف حتى اللحظة. تقول المعلومات إنه وفي حديبو عاصمة محافظة أرخبيل سقطرى، «استقبل رئيس الحكومة بن دغر، اللجنة السعودية المكلفة بالإطلاع على أوضاع الجزيرة وحل الإشكال بين رئيس الحكومة وبين أبو ظبي. وقد استمعت اللجنة في اجتماعها الأول إلى الحكومة والسلطة المحلية لما حدث». هادي يكسب الرهان؟ وتفيد المعلومات، بأن «بن دغر، ناقش مع اللجنة السعودية، أسباب التوتر الذي نشب في سقطرى، بعد وصوله إليها برفقة عدد من الوزراء. واتقف الجانبان على إزالة هذه الأسباب استناداً إلى الأهداف والمبادئ التي قام عليها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة الإمارات». وبحسب المعلومات فإنه تم الاتفاق على «مغادرة القوات الإماراتية للجزيرة». لم تغادر القوات الإماراتية الجزيرة، حتى الآن، ولم يحقق الاجتماع الأول ل«اللجنة السعودية» أية نتائج. وطبقاً لمصادر في سقطرى، فإن أبو ظبي «استقدمت قوات عسكرية ومدرّعات إلى الجزيرة، في خطوة وصفت بالتحدي، وعدم الإلتزام بما تم الاتفاق عليه». وتقول مصادر محلية في سقطرى، إن «الحكومة مستمرة في البقاء في الجزيرة وبأوامر من الرئيس هادي»، الذي تقول مصادر سياسية في الرياض، ل«العربي»، إنه «خطط لزيارة الحكومة إلى سقطرى، كواحدة من الأوراق التي يلعب عليها في مواجهة أبو ظبي وفضح ممارساتها في الأراضي اليمنية، ويبدو أنه كسب الورقة نوعاً ما، ووضع أبو ظبي أمام تحدٍ جديد، وأوصل رسالة للعالم بأن الإمارات دولة محتلة». ماذا بعد؟ تفيد معلومات «العربي»، بأن «اللجنة السعودية التي وصلت، إلى سقطرى، تم إرسالها بتنسيق مع أبو ظبي، والطرفان متفقان، ويتبادلان الأدوار فقط، بينما تجد الحكومة نفسها أمام تحدٍ وظرف صعب ولا حليف لها ولا أوراق سياسية أو عسكرية يمكن أن تلعب عليها، حتى تتمكن من إجبار أبو ظبي على مغادرة الجزيرة»؛ إضافة إلى «عدم قدرة الحكومة على فرض السيطرة في أي منطقة من المناطق المحررة، فهناك حالة عجز وهناك فشل وهناك تعقيدات كبيرة أمام هذه الحكومة» طبقاً لشواهد ومعطيات كثيرة. مصادر سياسية مطلعة، وفي حديثها إلى «العربي»، تقول إن «الحكومة الشرعية سلمت نفسها للتحالف بشكل مفضوح؛ وبالتالي هي غير قادرة الآن على المواجهة، فالإمارات هي التي تسيطر على أغلب المناطق المحررة، وهي التي تفرض أجندة مختلفة في كثير من المناطق، كالتي حاصلة في تعز مثلاً، ولا يوجد بيد الحكومة الآن ما يمكن أن تردع به الإمارات، وفي سقطرى الحكومة لا تمتلك أي قوة». وتضيف المصادر المطلعة أنه «في سقطرى لا تمتلك الحكومة أي قوة عسكرية، ناهيك عن القوة السياسية التي ممكن تعمل على منع الإمارات من مواصلة السيطرة، والحكومة غير قادرة على أن تقوم بدعم المواطنين في سقطرى، على أساس أنهم يقاوموا الوجود الإماراتي، فالحكومة لم تتمكن من دعم السكان في كثير من المناطق المحررة في اليمن». «الشرعية» والخيارات الصعبة وطبقاً لحديث محللين سياسيين إلى «العربي»، فإن «خيارات الحكومة تبدو صعبة ومعقدة والحكومة ليست موجودة فعليا والناس مش قادرين أن يستوعبوا أن لديهم حكومة في عدن وابين وحضرموت وشبوة وكثير من هذه المدن والمناطق التي تتواجد فيها الإمارات، والحكومة يبدو أنها عجزت على فرض سيطرتها على كثير من المناطق وإدارتها بمنطق الدولة وهناك أزمة حقيقية فعلاً لدى الحكومة». وبحسب هؤلاء المحللين، فإن «وجود الإمارات أصبح وجود شبه حقيقي وجود يشبه الاحتلال، وسيطرتها على سقطرى وكثير من المناطق اليمنية أصبح بمثابة شوكة في حلق الدولة اليمنية والحكومة، ويبدو أن الحكومة لا تمتلك قوة عسكرية وسياسية لمواجهة أبو ظبي، فهذه الأخيرة تبدو أقوى ولن يكون أمام الحكومة الآن سوى اللجوء إلى أدوات سياسية ضعيفة فقد ربما تعلن رفضها للتواجد الإماراتي في اليمن، وهذا خيار صعب لأن تواجد الإمارات مرتبط بتواجد السعودية، وبالتالي لابد أن يكون هناك حساب لرد الفعل السعودي والقرار السعودي والإماراتي متطابق إلى حد كبير بشأن اليمن وما يحصل هو تبادل أدوار»، وبالتالي «لا تستطيع الحكومة أن تتخذ موقفاً واضحاً ضد أبو ظبي. وهي ترى أنه بالتحالف العربي يتوفر لها قوة سياسية في أروقة المجتمع الدولي ومحاولة التمسّك بالشرعية سياسياً على الأقل». المشكلة، وطبقاً لهؤلاء، تكمن في أن «الحكومة والرئيس هادي أعطوا التحالف شيكاً على بياض منذ البداية، فيما دول التحالف وعلى رأسها السعودية والإمارات، لم تدخل الحرب في اليمن إلا لضمان مصالحها الخاصة»، وبالتالي فقد «كان يفترض بالحكومة أن تتفق مع التحالف من البداية، ولكنها سمحت له بالتدخل بدون وجود أي أفق بشأن التدخل، وهذه هي الكارثة منذ البداية».