كان يوم الثاني والعشرون من مايو-آيار من العام 1990م هو المقرر لميلاد وطن جديد كما هو متفق بن النخب السياسية في الشمال والجنوب، بل حتى الكثير قدم العديد من التنازلات آنذاك لإخراج هذا المشروع الحالم إلى النور، فوقعت اتفاقية ما سمى لاحقاً باتفاقية الوحدة اليمنية في مدينة خور مكسر في العاصمة عدن التي كانت تعتبر العاصمة الرسمية لدولة اليمن الديمقراطية الشعبية التي نالت استقلالها في ال 30 من نوفمبر- تشرين الثاني عام 1967م وتم الاعتراف بها رسمياً في أعلى منظمات والهيئات العالمية منظمة الأممالمتحدة وكان لها مقعدها الرسمي في الأممالمتحدة إلى عام 90 الأسود.
وقع الاتفاق في أجواء من السعادة والأمل بأن هذا المشروع سوف يكون باكورة لبداية تقارب العديد من الدول العربية الممزقة تحت مشروع عربي واممي واحد، حيث كان آنذاك الفكر القومي العربي رائد و بارزاً ونشطاً على الساحة العربية بل حتى كان لها رجالته التي تسوق لهذا المشروع الذي يدعوا كل قيادة وحكام الدول العربية إلى الاتحاد وذم الفرقة والشتات، وليس الشعوب العربية التي إلى اللحظة تثبت للجميع انها لا تزال حيه ولم تنسى الكثير من قضاياها سواء القومية او حتى تلك الأممية ولكن لا تزال تنتظر مخلصها إلى هذه اللحظة.
الكثير ممن عاشر تلك الحقبة تأمل الكثير من هذا المشروع على المستوى المحلي والإقليمي، ولكن الحقيقة المرة بدأت تخرج على العلن عقب بعض الخلافات التي كانت تبرز في لقاءات القيادات العليا لها المشروع والمؤسسين للدولة الفتية المسماة الجمهورية اليمنية التي ولدت في 22 من مايو- آيار 1990م أي بعد عدة اشهر فقط من اعلان الوحدة!، تطورت الخلافات بشدة إلى ان انتقلت إلى مستويات اكبر وهي مستويات التخلص من العقول والكوادر الجنوبية التي كانت تمثل الثقل الكبير والعبء للطرف السياسي الاخر الذي كان يرى ان هذه الكوادر الجنوبية المؤهلة في افضل ما انتجت المؤسسات العلمية السوفيتية في مختلف حقول العلم المعارف، هي اكبر عائق تقف امام طموحاته وتطلعاته التي لم يفصح عنها للعلن ولكن كل التحركات والنوايا المبيتة تدل على انهم يخفون شيء في انفسهم تجاه من مد يد العون لهم و وقف معهم في اخراج هذا المشروع لأرض الواقع.
لذا بدأ مشروع التصفيات المباشرة للعديد من قيادات الصف الأول من الجنوبيين "الطرف الاخر المحقق لمشروع الوحدة" وهم من خيرة ابناء الجنوب آنذاك التي ذهبوا بكل طيبه وسذاجة إلى صنعاء ويعتقدون ان صنعاء سوف تستقبلهم كشركاء واخوة في نظام الحكم الجديد ولم يعلموا ان صنعاء غدارة على مر الزمن، فكل شيئ كان مختلف تماما حيث شهدت صنعاء وحدها عمليات اغتيالات ممنهجه ومنظمة ويشرف عليها من قبل اعلى اجهزة الدولة من الإشقاء الشماليين الذي رحبت بهم عدن وشاركتهم كل شيء هي وباقي مناطق ومدن الجنوب، لكن ليس غريب على صنعاء فالتاريخ عندما تقراءة يخبرك الكثير عن غدر صنعاء بالقريب والبعيد!.
لم تمضي اربع سنوات حتى افصح النظام في صنعاء عن نواياه الحقيقية، وان مسرحية الثاني والعشرون من مايو ما هي إلا مقدمة لمرحلة اخرى كان يعد لها في السر وهي الحرب واحتلال الجنوب بقوة السلاح، فتم الإعلان عن الحرب في ال 7 من يوليو- تموز، فبدأت الحرب من قبل الأشقاء الذين رحبنا بهم قبل عدة اعوام في ارضنا وبين شعبنا، بل انه وصل الحال بهم إلى ان اوقفنا الطرقات حتي يمر الوفد الرسمي و زينت شوارع العاصمة عدن بالأزهار والورود للأشقاء القادمين من الشمال، ولكن هم ماذا ردوا لعدن خاصة وللجنوب عامة كان الرد بختصار شديد هو رائحة البارود ومخلفات السلاح التي كانت منتشرة في كل ارجاء الجنوب بل اتذكر اننا قضينا اعوام نلعب بما تبقى من الترسانة الحربية والعسكرية التي غزاء بها الاشقاء و الاخوة وطننا وقتلوا ما قتلوا من فينا وانتصروا بالحرب، كان بسبب العدة والعدد وكذا التحالفات ابرموها بالوعود الكاذبة مع بعض الجنوبيين الذين باعوا انفسهم، فتحقق لهم النصر في غضون اشهر قليلة من الحرب، عقب اعلان الحرب على الجنوب في ال 7 من يوليو- تموز 1994م من ميدان السبعين في عاصمة الغدر صنعاء، حيث برر كل شيء من اجل التمهيد لهذه الحرب الظالمة والغير عادلة على واجها شعبنا ودفعنا ثمنا باهضاً جداً بسبب سذاجة فكر آبائنا انذاك الذين يعيشون الان اما لاجئون او منفيون في دول الجوار بعد ان كانوا اسياد على ارضهم.
مضت الاعوام وتغيرت الكثير من المعادلات على الساحة واثبت الجنوبيين مع الزمن انهم قادرون على النهوض من جديد في احياء فكر دولتهم المسلوبة بقوة البندقية، حيث الان معظم الإراضي بأيدي ابناء الجنوب ولم يبقى من مشروع الوحدة سواء اسمها والإحتفالات السنوية التي اصحبت هي الاخرى أداة للاسترزاق والإستجداء للخروج ببعض الخطابات الكاذبة والتاريخ المزور، وكذا شراء بعض ذمم البسطاء من الناس، اما ببعض المساعدات او العزائم والحفلات التي اصبح الكثير ممن يمثل الجانب الرسمي لهذه الدولة الفاشلة الحرص على القيام بهذه الإحتفالات بشكل سنوي وروتيني، فأقل ما تخرج به بعد الحضور والإحتفال في هذه الذكرى هو صور تذكاريه و معدة ممتلئة، لتعود بعدها للعيش في دولة فاقدة الكثير من ابسط الخدمات والمؤسسات التي كل دول العالم تحرص على تقديمها لابناء شعبها سواء على الجانب في داخل ارض الوطن او خارجه.
في الأخير، يضل مشروع الوحدة من الناحية النظرية من أجمل المشاريع التي شهدها العالم العربي خلال السنوات الاخيرة من القرن الماضي وقد قدم الجنوب ثمنه باهظا منذ يوم إعلان الوحدة في ال 22 مايو- آيار من عام 1990م إلى هذا اليوم واهم و اثمن ما قدموه ثمناً لهذا المشروع الذي خانه الاشقاء في الشمال هو وطنهم المعترف على مستوى العالم آنذاك، واصبحوا تائهون بلا وطن ذلك اليوم المشؤوم حتى هذه اللحظة.