"ما تكسر الحجرة إلا اختها" هكذا يحكي المثل الشعبي. لم تكن الثورة الشعبية السلمية كافية بالصدور العارية حتى يذعن علي صالح ويتخلى عن السلطة التي لم يكتمل تسليمها بعد رغم كل التنازلات التي قدمها السياسيون من أجل صون الدماء اليمنية وتحملاً للمسئولية التاريخية بعد أن كان من التاريخ الدرس العظيم والذي كان في صيف 94والخطأ التاريخي الذي مكن صالح من كل المقدرات الوطنية حتى يصل إلى آخر صورة له وجعلنا ندفع الثمن. وبالمقارنة بالوضع السوري والفارق الجوهري الذي مكن المجرم بشار أن يسيل دماء السوريين بتلك الصورة والمعدل اليومي من القتل طوال عام ويزيد فإن علي عبد الله صالح أظهر أنه أكثر دموية منه فإذا كان بشار الأسد يقتل خلال 24ساعة في اليوم تقريبا 200شهيدا فإن صالح قتل خلال أقل من نصف ساعة في جمعة الكرامة(18/03/2011م) و56شهيدا وأكثر من 200جريج تقريبا ولم يحُل بين القتلة والمزيد من القتل غير عدم التمكن من تعبئة (قشطات) الكلاشنكوف بعد إفراغها فوق رؤوس المصلين بعد صلاة الجمعة وانقضاض شباب الثورة على القتلة بشجاعة عجيبة والرصاص تمطر الرؤوس. بتلك البشاعة حاول صالح أن يظهر للثوار والثورة أني سأقتلكم بمثل هذه الصورة واستمراركم في الثورة. لكن ذلك الغباء حكم على صالح بالنهاية وأيقظ الضمائر الحية الوطنية من العسكريين والسياسيين والسلك الدبلوماسي وكل قامة وطنية بالانحياز للوطن والدم الطاهر والانتصار له وكان على رأس ذلك اللواء على محسن صالح في 21من مارس 2011م وإعلانه الانضمام لثورة الشباب وحماية الساحة (ساحة التغيير)، هذا الموقف غيّر المعادلة وحال بين صالح وبين رغبته في القتل ووأد الثورة بالقوة. هذا الحامل العسكري كان الرادع الذي أعمى صالح ووضعه في تخبط أفشله مواجهة الحامل السياسي والسياسيين. الشعب اليمني ليس بالوعي السياسي الذي يمكنه من رؤية تفاصيل المشهد وتعقيداته وتكون وجهته في المواقف عن قناعة ووعي متبلور عن فهم وموضوعية بقدر الارتباط الشخصي بشخصيات تقليدية ووجاهات اجتماعية تربطها علاقات وثيقة مع شخص علي محسن صالح بقيادته للفرقة الأولى مدرع وما تمتع به من رابط شخصي مع منتسبي هذه الوحدة وقادتها العسكريين وما تربطه من علاقات وثيقة بقيادات عسكرية في المناطق والألوية وكذلك الشخصيات السياسية من دبلوماسيين وغيره وبموقف إعلانه الانضمام إلى ثورة الشعب الشبابية السلمية كانت مواقف المرتبط الشخصي تبعاً لهذا الموقف، فوجود هذا الشخص على رأس قيادة الفرقة والمنطقة الشمالية الغربية وما كان من الانضمام خفف عن الثورة والثوار فاتورة الدفع التي كانت ستتحملها الثورة من الدماء والوقت والمال والوضع الاقتصادي . ومن الصعب أن يكون لقيادة الثورة من الشباب القدرة أن تكسب تأييد ولاءات القبيلة والقوى التقليدية والشخصيات التي تُكبر مصالحها بعيدا عن حياة الضمير فموقف القوى الذي جاء تبعاً لموقف شخص علي محسن وليس قائما على مؤسسية وقيادة بقدر ما هو ارتباط شخصي به والمتراكم من علاقة ارتباط مصلحية وبسطة في اليد عُرف بها محسن ولم تكن عن ثراء شخصي لكنه الواقع العام والباب المفتوح للمال العام والفساد المالي والإداري الذي لم يكن من طريق إلا السير فيه والتمكن من محْوَرة القوى وربطها بشخص علي محسن لمواجهة مشروع العائلة وتطلعات الأبناء وتمكينهم من السلطة من خلال تبوءهم مواقع في قيادة الجيش والأمن والمحاولات المتكررة لإخراج الفرقة الأولى مدرع من صنعاء إلى خارج العاصمة ورفض قيادتها بطريقة غير مباشرة لمثل هذا التوجه وإدخال الفرقة في حروب عبثية في صعدة وخاصة بعد الحرب الأولى التي كما ذكر القاضي حمود الهتار أنها الحرب الوحيدة التي كانت حقيقية وما تلاها كان عبثيا مخطط له بأهداف قذرة لذا كان الجيش (الفرقة) يخرج أسوأ ما يكون من الضعف والمعنوية حتى الحرب السادسة وتلك إرهاصات ولَّدت القناعة لدى قيادة الفرقة وشخص علي محسن في اتخاذ موقف مع الثورة والذي جاءت فرصته في (جمعة الكرامة) لتكون بمثابة قارب إنقاذ للمأزق الذي وصلت إليه الفرقة الأولى مدرع بقيادتها وأفرادها. نعم الشعب اليمني يملك السلاح وله القدرة على الدفاع عن نفسه ولن يسمح بتكرار مجزرة ببشاعة جمعة الكرامة، لكنه الدخول في سرداب ومتاهة لا نهاية لها والصورة تتضح أكثر فأكثر من المشهد السوري حتى وإن سقط نظام بشار الأسد لن ينتهي المشهد المأساوي على الأخوة السوري الذين للأسف لم تلتحم قواهم وهم في لحظة اللزوم والضيفة فكيف بساعة الغنائم إن جاز التعبير وتكوين الدولة والمرحلة الانتقالية. توازن القوة الذي لم يكن بالفرقة وعدد الأفراد كقوة فيها وعتادها المتهالك بفعل عدم الصيانة للسلاح الذي بحوزة الفرقة ونفاد الذخائر وكذلك عدم تزويدها بالسلاح ودفعات صفقاته التي كانت من نصيب الحرس الجمهوري والأمن المركزي وكل الوحدات التي تتبع ولاء العائلة والمشروع التوريثي الذي يخطط له ولم يكن أمامه إلا شوكة الفرقة بقيادتها والصراع الخفي الذي لا تدركه إلا النخب السياسية والثقافية. ليس هذا فحسب فقد عمدت العائلة إلى تمكين مواليها السلطات المحلية والنفوذ على حساب المؤسسية وسلطة النظام والقانون ومعنى دولة مما أدى إلى شلل في الحياة السياسية أفقد المواطن حريته في التعبير عن قناعاته السياسية ووجدت الأحزاب السياسية نفسها في جو صعب جدا ومسدود الأفق وما عبر عن الشيخ عبد الله الأحمر بالنفق المظلم إلى ذلك السيطرة المالية والاقتصادية وتجار الطفرة وما سبب من شلل في الحياة الاقتصادية والإفلاس لمن يعمل عبر القنوات الطبيعية والمنافذ الجمركية ويلتزم النظام والقانون في دفع الضرائب والجمارك وما يفرضه القانون مما يحمله التكاليف الباهظة ويكون أمام منافسة غير شريفة مع من لا يدفع ما يفرضه النظام والقانون. على الضيم الذي تعرضت له الثورة اليمنية بحضاريتها وطهارتها داخليا وخارجياً داخلية ومن خلال الضعف للعقيدة الوطنية والولاء الوطني وخارجيا من المواقف السياسية الباهتة التي لا تتحرك إلا بقدر مصالحها وما يخفف لحظة الانفجار كلما تراءت لتكون التهدئة وبما لا يقترب من تحقيق أهداف اليمنيين وثورتهم التي تخيف دول الجوار ونظم حكمها المتناقض مع مصالح الشعوب وتطلعاتهم في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والطموح السياسي لكل مواطن، أضف إلى ذلك التناولات الإعلامية والتغطية الخبرية والتحليلية للثورة اليمنية ودروسها العظيمة، فإن التاريخ كفيل بالإشارة إلى الثورة اليمنية والصورة المجسدة للحكمة والإيمان الذي شهد به نبي الثورة والإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم. ما يُحتم على اليمنيين اليوم أن يكونوا أشد حرصاً من خلال الضغط الواعي لفرض المسار السلمي واستكمال أهداف الثورة ليس على حساب الوقت وضياعه وهذا ما تهدف له بقايا النظام والعائلة حتى تكون مثل العقوبة بالمعاناة للشعب اليمني ورفع فاتورة ثورته بالمزيد من المعاناة النفسية والحالة الاقتصادية الشديدة الوطأة التي وصل لها الشعب وكل فرد. بطء العقل النخبوي عن إيجاد الحلول هو ما تعانيه الساحة اليمنية وثورتها رغم الخصوبة التقبلية من الشعب للحل الفعلي والاندفاع نحو تأييده وما ظهر جليا في الحادي والعشرين من فبراير 2012م والانتخابات ذلك التبلور تأخر ودفع الشعب ثمنا باهظا حتى الوصول إليه، وهاهو الشعب اليمني في لحظة من استكمال نقل السلطة ينتظر رؤية واقعية توصل إلى نقل السلطة والتفاف الشعب ورائها. الحوار الوطني هيكلة الجيش الساحات والاعتصامات والكهرباء الوضع الأمني كل ذلك أمام الحكومة والساسة والشعب يعاني أشد ما تكون المعاناة وقد بلغ به من الصبر أن يصبح مضرب المثل فيقال: أصبر من يمني.
في مصر هناك فائض نخبوي وقحالة شعبية بعكس نحن في اليمن عجز نخبوي وخصوبة شعبية. ليظل العقل السياسي وبطء إنتاجه للحل هو السبب.