خلال الأيام الماضية تابعت أغلب الصحف والمواقع الإخبارية ولم تغفل اي صحيفة أو موقع إخباري عن نقل مجزرة تعز إحياءً لمحرقة لم نشاهد فيها غير حريق في خيام وبعدها عويل وبكاء وأوهام و أوهام. وما اعترف به حقيقة هو التوظيف الإعلامي الجيد فعلا لهذه الواقعة الوهمية المبالغ فيها إذ أنني لم أشاهد قتيلا واحدا رغم التغطية الإعلامية الكبيرة . ومن خلال نقاشات عدة مع مجموعة من أبناء تعز حول هذه الواقعة فإنهم يحكون عن مجزرة غض الطرف عنها العالم ومورست ضدها كل أشكال العنصرية والتعتيم الإعلامي كما أنه لم يسمح لهم بتوثيقها أو بتصوير ضحاياها , وعن العدد المقدر للضحايا فيها فهم يتفقون على أكثر من ثلاث مائة قتيل والمئات من المصابين! لا وليس هذا فحسب بل يروون وبإسهاب جميل يحمل كل طرق الاستعطاف لتعتيم طال هذه المجزرة ولما تم إخفاءه من أكوام من الجثث . وفي تزامن الواقعة ما يحملني على الضحك، ففيها أذكر بوضوح الترنح لقناة الجزيرة وبعض القنوات الإخبارية في أرقام وأعداد الضحايا، فتارة تصرح بأعداد تفوق المائة وخمسون قتيلا وتارة أخرى تقول مائة قتيل وتتلعثم إلى أن صار العدد لا يتجاوز العشرة من القتلى رغم أنني لم اشاهد سوى قتيل واحد . تعجبت من حقيقة وجدتها في قنوات إخبارية محلية وعربية وعالمية غطت هذه الحادثة تغطية كاملة دون أساس حقيقي يعتمد عليه أو دليل تستند عليه وتتحرى من خلاله الحقيقة لكي تكسب المصداقية وألا يستندوا على مراسلين عنصريين بمعنى الكلمة يوقدون الأخلاق المهنية حطبا لنار انتمائهم . صراحة أعزو ذلك إلى الانتماء القوي للإعلاميين والمثقفين والصحفيين ومراسلي القنوات إلى محافظاتهم والذين حاولوا بشتى الطرق، مشروعة كانت أو غير مشروعة، نقل معاناة أبناء جلدتهم والحرص على توصيلها إلى الرأي العالمي والمجتمع الدولي. توظيفا جيد يشكرون عليه وأتمنى أن يحذو الجميع حذوهم فلقد احيوا ذكرى هذه المجزرة التي تضاربت عدد الضحايا فيها واعتبرت بأنها أشنع مجزرة بدون أي دليل قاطع أو توثيق لها يذكر. بالمقابل ننتقل إلى أبين ومجازرها وضحاياها وتشريد أهلها وتدمير بنيانها وإحراق مزارعها والتهجير القسري والوضع الاجتماعي والإنساني الذي يعيشه أبناءها الآن في عدن ولحج مشردين في المدارس وغيرها من الأماكن التي لا تصلح للعيش الآدمي هذه هي المعاناة الحقيقية التي مورس عليها أفظع أشكال العنصرية الإعلامية من قبل نفس المراسلين والصحفيين والإعلاميين ممن هولوا حادثة تعز الوهمية والتي أطلقوا عليها هولوكوست اليمن التي ضحاياها استقرت على ثمانية قتلى. عُتمت مجزرة المعجلة التي راح ضحيتها أكثر من خمسون قتيلا ما بين أطفال ونساء من بدو آمنين في بيوتهم البسيطة تم إبادتهم . توارت عن الأنظار والأذهان مجازر في أبين كمجزرة رجال القبائل التي قاتلت ضد القاعدة وهي ذاتها التي قدمت أبين لها! لم يكن ليقنع الأخوة انتصارا عظيما حقق على أيدي البسطاء و بسلاحهم التقليدي وهكذا تكشفت أقنعة القاعدة فأسرعوا بجلب الطائرات لقصفهم مخلفين ورائهم ما يزيد عن أربعون قتيلا وعشرات المصابين . وإذا كانت هناك مجازر حقيقية مريعة في أعدادها ومشاهدها فإنها لن تكون مثل مجزرة مصنع 14 أكتوبر التي قتل فيها ما يزيد عن مائة وخمسون شخص وحرق فيها العشرات وكانت فعلا سادية وعجبا لم نشاهد أي تغطية إعلامية لها وكأن هؤلاء ليسوا أناسا يشملهم الحق مثل أبناء تعز . كما أن الإحصائيات تشير إلى مقتل العشرات من أبناء أبين نتيجة للقصف العشوائي الذي طال كلاً من مدن لودر , زنجبار, الكود, شقرة, جعار, والمخزن وهم في بيوتهم أو من كانوا هاربين في الطريق من جراء القصف! ولمن يهمه الأمر، فإن كل هذه المجازر موثقة وموجودة . أما عن المواقف والملاحم البطولية التي سطرها أبناء لودر و مودية في دحرهم وتصديهم للعناصر الإرهابية فحدث ولا حرج عن التغطية التعتيمية والمهنية العنصرية التي سجلها هؤلاء المراسلين ليس هذا فحسب بل ونسبوا هذه الملاحم لقوات الجيش الجبانة التي قدمت أسلحتها لهذه العناصر . أخيرا، أود أن أقول بأن هذه مجرد إشارة بسيطة لحجم العنصرية التي تمارس الآن في الإعلام تاركين فيها أي بعد سياسي وتم التركيز على الجانب الإنساني والاجتماعي حيث لم تراعى لإظهاره وبيان حجم الأمراض النفسية عند أهل الصحافة والإعلام.