يشعر كثير من أبناء عدن الآن بالإرهاق والقهر والتشكك بمنطق الإستمرار في هذاالوضع الحرج الدي يهددهم بالإختفاء. فالمشاكل التي تحدق بهم منذ عقودهي مشكلات عميقة تتحول إلى كوارث وطنية. فقد أستوطنت قبائل الجنوب بعد عام 1967م مدينتهم وفجرت فيها حروبا أهلية دموية مناطقية وقبلية شرسة لم يكن لهم مغنم ولا مغرم فيها، وهم في أزمة إنسانية حقيقية. ولم تمر عدنبهذا القدر من السوء من قبل,لأنالقوى السياسية تبنت نهجا فاشلا في سلوكها وأخلاقها، وقادتها ينعدم لديهم الحس الوطني والإنساني، والنخبة منهم التي سيطرت على حكمهالم تراعيالفصل بين الحاكم والدولة, االأمر الذي أدى إلى دكتاتورية السلطة السياسية. وفشلوا جميعهم في تطوير أنفسهم، وكان ولم يزلالتمويل الخارجي هو القوة الدافعة لهم. وحقيقة الأمر أنهم تآمروا وتحالفوا لإمتلاك السلطة، وتاجروا بالسياسة والدين والوطن والبشر, وتناحروا فيما بينهم. وليس لديهم ما يكفي من الفطنة لجعلهم يدركون أنهم ارتكبوا أخطأء ترقى إلى جرائم إستيطانوجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حولت عدن إلى خراب. فعلى مدى معظم سنوات حكمهم ,مافعله قادة تلك القوى السياسية من أمثال الحزب الإشتراكي والمؤتمر والإصلاح ولجان المقاومة الجنوبية والحراك الجنوبي والمليشيات المسلحة لاسابق له, يحمل مأساة الإنسانية وواحدة من أحلك صفحات التاريخ في عدن، من حروب أهلية دموية مروعة وظالمة ومتكرر, وجرائم تخرق حق الإنسان في الحياة والحرية بكل أشكالها،دفع ضحاياها من أبناء عدن ثمنا مخيفا تمثل في تعرضهم لأخطار الموت والإيذاء الجسدي والنفسي وتشريدهم وإفقارهم وتدمير مدينتهم.و تضمنت أفعال تلك الأحزاب والقوى السياسيةقتل المدنيين، والتعذيب، والتمييز وسوء المعاملة وترسيخ العداوة بين الناس، والمحاصصة والتناحر السياسي وسوء الحكم والإدارة، والفساد الأخلاقي، ونهب أراضي وملكياتعدن الخاصة. وسوء إستخدام السلطة والثروة القومية, والفساد, وسرقة الأموال العامة, وإقصاء وتهميش وإخفاء قسري للناس. وهو يرقى إلى مافعله قادة الخمير الحمر في كمبوديا في الثمانينات من القرن الماضي. لكن الناسوالنخبة المثقفة والوطنية هناك في كمبوديا لم تختبئ, ولم تحاول التعايش مع قادة الخمير الحمر, فقد واجهتهم وطاردتهم, ومن وضعت يدها عليه حققت معه وحاكمته وعاقبته. وإذا صار هذا هو الهدف الحقيقي فعلا لمنظمات المجتمع المدني والنخبة المثقفة عندنا, فعليها أن تحذوا حذوهم ومقاضاة مرتكبي تلك الجرائم,لصالحها ولصالح عدنوالأجيال المقبلة, ووضع حد لثقافة الإفلات من العقوبة في بلادنا حتى لا تمر تلك الفظائع دون عقاب, و يزول نفوذهم الكريه من على الأرض. ويعرف القانون الدولي جرائم الإستيطان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بأنها تلك الجرائم التي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد أفراد آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم, وجميعها جرائم لا تسقط بالتقادم وتبقى معلقة في رقبة مرتكبيها مهما طال الزمن. وفي حالات هذه الجرائم يكون الجميع مذنبين، من مصدري التعليمات إلى المحرضين، إلى المقترفين بشكل مباشر، إلى الساكتين عنها رغم علمهم بخطورتها، والشريك يعاقب بنفس عقوبة الفاعل. ونحن الآن في خضم نقطة تحول كبرى في تاريخ السلطة في اليمن والمنطقة برمتها، وعودة هذه القوى السياسيةومن أوقع الوطن كله في هذه الفوضى العارمة إلى الحكم ليس سببا للإحتفال به بأي حال، وليس عدلا، وغير مرغوبا فيه، وينطوي على مجازفة خطيرة، لأن من المحتوم أن تفسد السلطة مرة أخرى حكم العقل عندها. ولا يمكن للناس الإنتظار إلى أن يكون الوضع أكثر سوءا. وندرك بأن إنشاء نظام جديد في ظل هذه الظروف الدقيقة التي نعيشها يعد من الأمور الصعبة على التنفيذ، وقد توجد خطورة في التعاطي معه. لكن الطاقة السياسية الآن تستخدمها مجموعات وطنية أكثر شبابا ونقاء وثقافة ووعيا وتنوعا من سابق، ونخبة ومحكمون ثقافيون مستنيرون صار لهم بكل وضوح تأثيرا هائلا بين الناس. ويمكن لهذه النخب الوطنية السياسية الواعية والمثقفة أن تكون أكثر المستفيدين من هذه اللحظة التاريخية. ولإعادة ترتيب البيت العدني بطريقة أكثر ملائمة بوسعهم هُن وهُم من أبناء عدن أن ينظموا حركتهم ونشاطهم بإنشاء تنظيمات ومراكز سياسية وحقوقية، وتبني قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات العامةوالشفافية والعدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة الاقتصادية والبشرية, واستعادة مؤسسات وممتلكات المدينةوأراضيها المغصوبة,بالقيام بتحديد وتوثيق كل الجرائم ضد الإنسانية التي أرتكبت بحق أبناء عدنومساءلة وملاحقة قادة الأحزاب والقوى السياسية والمطالبة بمحاكمتهم عليها. وسيكونلمشاركتهم هذهالإسهام الإيجابي في الحياة السياسية النشطةلتحقيق العدالة لعدنولأبناء عدن, وستولد أملا كبيرا في أن وجه السلطة في المدينة سيتغير. وفي مثل هذه الأحوال تحضر بقوة محكمة الجنايات الدولية التي جاءت لتحد من ظاهرة الإفلات من العقاب.وحسب نظام روما الأساسي للمحكمة هي منظمة دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأممالمتحدة, يمكن أن تمارس سلطاتها في إقليم أية دولة. ولها السلطة القضائية لممارسة إختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطوره. فالمحكمة الجنائية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية, وبزمن غير محدد, لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الفظائع بحق الإنسانية وجرائم الإستيظانوالجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة الجنس البشري. واليمن هي إحدى الدول التي وقعت على ميثاق روما المعاهدة المؤسسة للمحكمة، كما أقرها وصادق عليها مجلس النواب.وحتى1 يوليو 2012م صادقت على قانون المحكمة 121 دولة و40 دولة أخرى وقعت على الاتفاقية ولم تقر مجالسها التشريعية بعدعلى المعاهدة .وقد فتحت المحكمة الجنائية تحقيقات في قضايا مثل أوغندا الشمالية, والكونغو الديمقراطية والجمهورية الإفريقية الوسطى, والبوسنة والهرسك, ودارفور. كما أصدرت العديد من مذكرات الإعتقال, وإحتجاز مشتبه بهم. وكان قبل تأسيسها قد تشكلت محكمة جنائية خاصة في عام 1993 م لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافية, وأخرى خاصة بمجرمي الحرب في رواندا عام 1994م.