- في المقالة الأخيرةِ للسيد فيليب نائب السفير الألماني استعرض الرجل حُجَتين قانونيتين قالَ إنهما ينقضان الكيفية التي يُطالبُ الجنوبيون أن ينالوا حق تقرير المصير بها؛ ثمَ ألحقهُما برأي دولتهِ و باقي الدول الراعية
للمبادرة الخليجيّة فيما لمَ على الجنوبيين أن يُذعِنوا لشروط المبادرة و أن ينخرطوا في الحوار المنبثق عنها . ما يهمني في حديث نائب السفير هو حُجتيهِ من القانون الدولي دون ما تلى ذلك لسبب أننا نحتكم إلى
القانون الدوليّ -فيما يفترض- لا إلى رأيّ دولة سعادته مع بالغ الإحترام.
- يقول السيد فيليب إن حق تقرير المصير يجب أن ينسجم مع مبدأ إحترام سيادة و سلامة أراضي كل دولة.
هنا أُحيلُهُ إلى الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية في شأن كوسوفو, و أدلت المحكمة برأيها هذا بعد أن طلبتهُ صربيا في محاولة لعرقلة إستقلال كوسوفو مستفيدةً من هذا التعارض الظاهريّ بين المادتيين من القانون الدوليّ نفسه.
و يجدُر الإشارة هنا إلى أنّ إتحاديّ الناتو و الأوروبي و الذي تكون دولة سعادة نائب السفير عضوةً فيهما, باركا بل و كانا الركيزة الأولى في دعم شعب كوسوفو لنيل استقلاله مما يعني رضاهم و لو ضمنياً عن هذا الرأي.
تقول المحكمة إن حق تقرير المصير مقرَرٌ أيضاً للمناطق داخل الدولة الواحدة, و أنّ مبدأ سلامة وسيادة الدول في شأن العلاقات الدولية فقط! أي أن مبدأ سلامة و سيادة الدول في حالة شن حرب من دولة على دولةٍ أخرى أو إحتلالها لها, بما معناه أن لا تعارض بينهما و أنّ لكلٍ من القانونيين موضوعاً أو مفعولاً بهِ مختلفاً.
طبعاً هذا في شأن ما هو قانونيّ و مقرّ بنصوص القانون الدوليّ ؛ أما إذا كان نائب السفير ممن يعشقون البرهان بتطبيقاتٍ من الواقع أيّ بالعرف الدولي إلى جانب القانون الدوليّ, و إن كنا غير ملزمين إلا بنص القانون الدولي لكن لابأس. بديهياً, لاتعارض بين تقرير المصير في الحالة الجنوبية و مبدأ (Uti possidetis juris) أو ما يُترجم عربياً ب مبدأ قدسية الحدود الموروثة عن الإستعمار لحقيقة أن إستعادة الدولة الجنوبية لا يتجاوز هذا البند أبداً, فالدولة الجنوبية بحدودها كانت موجودةً مذ رحل الإستعمار و حتى 90م. و إذا تمادينا في إجحاف ذواتنا و أخذنا بالغاية من التشريعات الدولية لا التشريعات ذاتها, فالغاية من التشريعات هي تحقيق السلام و الإستقرار بينَ و لِدول العالم. فهل يحقق السلام و الإستقرار أن يُنتقصَ من حقوق الناس المشروعة؟ و إذا تحجج أحدهم بأن إنفصال الجنوب يعني تشجيعاً لباقي الإثنيات و الطوائف للإنسلاخ عن دولها فالنذكره بفرادة الحالة الجنوبية في كونها أولاً عصبية للدولة الوطنية التي كانت قائمةً لا لطائفة أو إثنية أو حتى جهوية. و أقول بأنها غير جهوية لأن الجنوب ما عرف إصطفافاً جهوياً في تاريخه و كذلك حراكه, ثمَ إن إستقلال الجنوب هو إستعادة لدولة مضى على محاولة تغييبها عشرون عاماً فقط لا إستحداثاً لدولة جديدة!
أليسَ من الممكن أيضاً أن توظف الذريعة البريطانية في فصل باكستان عن الهند فيما سمي بالفصل العلاجي (the remedial secession) في الجنوب, فالناس في الجنوب زاد إحتقانهم و غضبهم و الخوف من أن يتحول هذا تجاه الشماليّ مما سيفجر جرائم كراهية بين الشعبيين؟!
غير أننا نعرف أن الغرب يوظف القانون الدولي كيفما شاء و أينما شاء!
-الحُجة الثانية هي أن شعب الجنوب قد إستعمل حق تقرير مصيرهِ في قبولهِ للوحدة و إنهُ ربط مذاك تقرير مصيره بشعب جمهورية عربية يمنية. أدهشني هذا التوصيف لحق تقرير المصير لنائب السفير! هو إذاً حق لكن يستعمل من جهة واحدة أيّ في الدخول للوحدة و أيضاً كما يُستشَفُ من حديثه فهو يستعمل لمرة واحدة فقط!
يقول نائب السفير هذا الحديث دون أن يبرهن عليه أو يُدلٍّل عليه بأيّ من مواد القانون الدولي, و دون بينة إثبات لا أجد نفسي ملزماً بالجواب .. فالشيء الذي لا دليل على وجوده, لا حاجة بنا للإستدلال بدليلٍ لِنفيه !
* إستعنتُ كثيراً بمقالة الدكتور عبدالله الأشعل (تداعيات رأي المحكمة حول كوسوفو على العالم العربي) في صياغة هذا المقال.